حين تُفتَقد الشجاعة
12 جمادى الأول 1435
د. محمد العبدة

سألني أحد الأخوة عن أحداث أوكرانيا التي تتصدر واجهات الإعلام في هذه الأيام ، قلت له : إن روسيا تقف أمام غرب جبان ، لا يتحدث إلا عن الحلول الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية ولذلك فهو يستبعد أي حل عسكري سواء لمشكلة اوكرانيا أو غيرها في العالم .

 

رئيس روسيا يعلم هذا ولو احتل شبه جزيرة القرم ، فلن يتحرك الغرب سوى بالضغوط الاقتصادية والسياسية ، وهذا أمره سهل ، أما مساعدته للنظام المجرم في سورية فلا نستطيع أن نقول انه يتحدى الغرب في هذه المنطقة ، لأن الغرب وكأنه راض عما يحدث للشعب السوري المسلم السني .

 

لقد فقد الغرب في السنوات الأخيرة السياسيين الذين يملكون شيئاً من الشجاعة في اتخاذ القرار ، وقد عبر عن هذه الحالة الكاتب الروسي الهارب من جحيم الشيوعية (سولجنتسن) في ندوة نظمتها جامعة هارفارد ووصفها بأنها ( زوال البأس ) في الطبقة الحاكمة وعند نخبة المفكرين في الغرب ، وتابع يقول : وإذا كان هناك أفراد فيهم شجاعة وبأس ولكنهم لا يلعبون أي دور مسؤول في الحياة السياسية .

 

إن كلام الكاتب الروسي يدل على فهم عميق للمجتمع الغربي ، فالرفاهية وهي إحد الأسباب سواء في الغرب أو غيره من البلدان سوف تنتج أجيالاً لا تملك الشجاعة في اتخاذ القرار .

 

وأما الأسباب الأخرى ( عندنا في الشرق خاصة ) فهي العيش في أجواء الظلم والقهر وعقم التربية في المنزل والمدرسة ، فهذا مفسد للبأس وذاهب بالمنعة كما يقول العلامة الاجتماعي ابن خلدون .

 

هذا الصنف من القيادات الذين ألفوا الضعف والخور يسمون ما هم فيه حكمة وعقلاً ، ومسالمة وربما يسمونه ذكاء ودهاء ، وأن غير ذلك من الأمور هو الدخول فيما لا يعني وإلقاء النفس في التهلكة ، وفي السياسة هناك أوهام ذات عربدة وضجيج ، ترعب أصحاب القلوب الخاوية كهلع المنافقين عندما تحدثوا عن استعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك ، قالوا : كيف نحارب بني الأصفر ( الروم ) .

 

وكهلع السياسيين في سورية في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي من ضباط الجيش ، ولذلك لم يقوموا بأي عمل يمنع من تسلط العسكر ومجيء حزب البعث ثم الحكم الطائفي الذي ركب موجة البعث .

 

الشجاعة فضيلة عظمى ، فالشعوب لا تفرح للذكاء بقدر ما تفرح للشجاعة التي يقدرونها أكثر من غيرها ، بل الشجاعة هي أم الفضائل لأنها هي التي تساعد على الصبر ، وعلى النصر ، وفي زمن عز فيه البطولات تتطلع الشعوب إلى شجعان يقولون الحقيقة عارية واضحة ، فهذه الشجاعة الأدبية تشفي أمراض الفساد ، وتبعد الخوف الذي يجعل بعض الطغاة يحكمون الناس وهم في قبورهم .

 

الشجاعة مطلوبة وخاصة في هذه الأيام ، وفي الظروف السيئة التي تحيط بالمسلمين في كل مكان .

 

الشجاعة تؤدي إلى قرارات حاسمة ويمكن أن يقال فيها لا . والرفض هنا ليس سلبياً ولا هو عناداً ولكن (لا) تأتي بعد الدرس والتمحيص ، ولأن وراءها (نعم) لما يُراد وما يُبتغى ، ومن أعظم الأمثلة على هذه الشجاعة ما قام به الصديق رضي الله عنه حين أصر على مقاتلة المرتدين رغم معارضة بعض الصحابة ، وكان موقفه هو الصواب .

 

بعض السياسيين عندنا لا يدركون أهمية ( لا ) في الوقت المناسب ، وأنها رفض لواقع سيء ، وقد يكون هذا رادعاً للعدو مرضياً للصديق .

 

بعض السياسيين في بلادنا يملكون أوراقاً كثيرة ولكنهم لا يستفيدون منها في مواجهة الآخرين ، أو لا يستفيدون منها في تقوية جانبهم وتثبيت دولهم وذلك لأنهم مقيدون بسلاسل الخوف ، لماذا لا يقول الائتلاف السوري (لا) لجنيف (2) وما بعده ، ويقولون للغرب وللعالم ، لا نقبل هذه المراوغة والمراوحة والشعب السوري يقتل كل يوم آلاف المرات .

 

ولماذا لا تقول المعارضة السورية للذين يسمون أنفسهم أصدقاء سورية أين أنتم ، وماذا فعلتم للشعب السوري ولماذا لا يكون عندكم شجاعة لقول الحق ، أليس هذا أفضل من كثرة الاجتماعات بلا طائل .

 

إنّ شر ما في الإنسان أن يكون بخيلاً وجباناً ، كما جاء في الحديث ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( شرما في المرء شحٌ هالع وجبنٌ خالع ) والجبن الخالع هو الذي يزلزل القلب ، وعندئذ يضيع تدبير العقل وتوضع الأمور في غير مواضعها . والخوف يأتي من حب الحياة ورغد العيش وهو ما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم ونعت به هذا الصنف من المسلمين بأنهم غُثاء كغثاء السيل .