14 ربيع الثاني 1437

السؤال

تزوجت أختي من ابن عم لنا، الذي عاش حياته مع أمه بعد أن طُلقت، عاشت أختي مع زوجها وأمه في منزل واحد، الزوج كان قد اشترى بعض لوازم البيت قرضًا، فبدأ يماطل في الأداء إلى أن ضغط عليه والدي ليؤدي ما بذمته، بعد مرور سنة كانت أختي حامل في شهرها السابع، تعرضت للضرب من طرف أم الزوج، فعادت إلى بيت والديها، وكان الاتفاق على أن يكون لها سكن مستقل، مرت سنتين الآن وأختي وزوجها معنا في البيت، الزوج مرة عندنا ومرة عند أمه، خلال هذه السنتين لا يساهم الزوج في مصروف البيت مع والدي؛ إلا حليب طفلته، قلنا لا بأس في ذلك، لعله يدخر شيئًا يساعده في الاستقلال بنفسه.
الآن إليكم المشكلة خلال هاتين السنتين، بين الفينة والأخرى يطرق باب بيتنا شخص دائن لزوج أختي يريد ماله، يسأله والدي عن سبب كثرة الديون، وعن سلوك المماطلة لديه فيختلق الأعذار، ونقول لا بأس، لكن الأمر طال وأصبحت هذه السلوكيات لا تحتمل، آخرها ذهاب هذا الزوج عند خطيب جمعة صديق لعم لنا، وسلك نفس السلوك الاستدانة ثم المماطلة.
ما العمل مع زوج كهذا وهذه تصرفاته؟. جزاكم الله خيرًا، ووفقكم لمساعدة خلقه.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من خلال عرضك لمشكلتك، أنَّك تشكو من تصرفات وسلوكيات زوج أختك، وطريقة تعاملاته المالية، وقلة مشاركته في مصروف البيت الذي يقيم معكم فيه، وإحراجكم مع صديق عمكم في استدانته منه ثم مماطلته في الأداء، كما أحرجكم بكثرة الغارمين له الطارقين لبابكم، يطالبونه بسداد ما عليه من ديون، وتطلب من إخوانك في موقع المسلم النصح والتوجيه في هذه المشكلة، وإخوانك سيبذلون لك النصح والمساعدة، وذلك من خلال النقاط الآتية:
أولاً: المماطلة في سداد الدَّين محرمة:
يجب أن يعلم زوج أختك، وجميع الذين يماطلون في سداد الدَّين، ويتلاعبون بأموال الناس، أن المماطلة في أداء الدَّين محرمة مع القدرة على الأداء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) متفق عليه.
يقول الإمام النووي رحمه الله: (والمطل منع قضاء ما استحق أداؤه، فمطل الغني ظلم وحرام) شرح النووي على صحيح مسلم: [ 4/174-175].
لذا فيحرم على الغني القادر أن يماطل بالدَّين بعد استحقاقه بخلاف العاجز، و(الغني المماطل يعدُّ فاسقاً عند جمهور أهل العلم، ويدل على ذلك: بأن منع الحق بعد طلبه، وانتفاء العذر عن أدائه كالغصب، والغصب كبيرة، وتسميته ظلماً يشعر بكونه كبيرة)
فتح الباري: [ 5/372 ].
وقال بعض العلماء: (إن مطل الغني بعد مطالبته، وامتناعه عن الأداء لغير عذر يعتبر من كبائر الذنوب) الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيتمي:[1/570 ].
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الغني المماطل مردود الشهادة، قال سحنون بن سعيد: (إذا مطل الغني بدين عليه لم تجز شهادته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه ظالماً).
الاستذكار:[ 20/270].
ثانياً: ابحث عن السبب الحقيقي.
يمكن حصر الأسباب الحقيقية لخلق المماطلة في أربع نقاط أساسية، وهي: العوامل السلوكية، ونقص المعرفة وعدم توفر المعلومات الكافية عن الهدف المراد تحقيقه، وظروف البيئة المحيطة التي تؤثر بالسلب على قراراتنا وخيارتنا، والعوائق الفسيولوجية كالإجهاد والتوتر والمرض، وإذا ما علمت هذه الأسباب بوضوح يمكنك أن تحدد أيها التي في شخصية زوج أختك، ثم تبحث عن العلاج المناسب لها، فيكون العلاج ناجحا وناجعا بشكل عملي ومنظم.
ثالثًا: تحذير الناس من إسلافه.
إذا كان هذا خُلُقاً فيه، فحذِّروا الناس من التعامل معه، وأعلنوا ذلك في الناس، وخاصة في الناس الذين يواصلهم ويجلس معهم، وكذلك في الأقرباء وأصدقاء العائلة، فلو انتشر التحذير من التعامل المالي معه، أدى ذلك إلى منعه وبعد الناس عنه، وفي ذلك علاج عملي لهذا الخلق المشين المؤذي فيه.
رابعًا: ابحثوا له عن فرصة عمل تكفيه.
من خلال معارف العائلة وعلاقاتها، ابحثوا له عن وظيفة يعمل بها، وتكون كافية لاحتياجاته وأسرته، ولو كانت قريبة ممن هو مطلع على خلقه فهو أحسن وأجود، حتى يظل تحت الملاحظة والمراقبة، كي لا يقع في مداينة جديدة، ومماطلة تزيد على مماطلاته.
خامسًا: دوام النصح والتوجيه له.
النصيحة واجبة على كل مسلم لأخيه المسلم، وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم ديننا بالنصيحة، وأولى الناس بنصحك الأقربون، فقد قال الله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) الحجر: 214. فلا تبخلوا على زوج أختك بالنصيحة، وتكون نصيحتكم له برفق وسهولة ولين، فالنفس البشرية مركبة على الممانعة والعند، ولكن بالرفق واللين يلين لك حتى الحديد، وقدموا له النصيحة بطرق متعددة، وأرسلوا له النصيحة عن طريق عدد من النصحاء والخبراء، ذكروه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)رواه البخاري. كما استعينوا بالله تعالى عليه بالدعاء له بالهداية إلى سبيل الرشاد، وأن يعينه الله تعالى على ترك هذا الخلق السيئ.
سادسًا: آخر العلاج الكي.
إن بذلتم كل ما سبق، وبقي على خلق المماطلة، فدعوا يد العدالة تأخذ مجراها فيه، فلو أتى إليكم أحد غرمائه يطلبه، قولوا له: اذهب إلى المحكمة واطلب حقك منه هناك، وليحكم عليه بالسجن ليتأدب، وليوقف عند حده، ولكن اجعلوا ذلك آخر العلاج، وبعد أن تحذروه وتنبهوه، أنكم لو أتاكم أحد غرمائه، وطرق بابكم فستوجهونه ليأخذ حقه من المحكمة.