27 صفر 1440

السؤال

لي ابن يبلغ من العمر ستة شهور، وزوجتي موظفة، وتقوم مع وظيفتها بتربية ورعاية ولدي، وهي تتعب معه فعلاً، ولكن المشكلة!! أنها على يقين أن الابن لا بد وأن يسكت معي مثلما يسكت معها، وإذا جلست أداعب الولد، وبكى بعد وقت قصير تظن أنه تقصير مني في اللعب معه، أو محاولة مني للتخلص من الجلوس معه أو تحمُّله، مع أنني أبذل قصارى جهدي معه لمداعبته كي يسكت فترة طويلة؛ لعلها تنام في هذا الوقت مثلاً، وحاولت أكثر من مرة أن أوصل لها أن عاطفة الأمومة في هذا السن للطفل تختلف كثيرًا عن عاطفة الأب، بمعنى أنه لن يسكت معي مثلما يسكت معها، ولن يلعب معي مثلما يلعب معها، ولن يكون معي فترة طويلة ساكتا مثلما يكون معها، وهي تعتقد أن هذا تقصير مني أو تهرُّب. أرجو الرد بأسرع وقت ممكن.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أخي الفاضل: بداية أرحب بكَ أجمل ترحيب في موقع المسلم، وأشكركَ على ثقتكَ، بموقع المسلم، ومتابعتكَ له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم.

 

أخي العزيز: ذكرتَ في معرض الحديث عن مشكلتكَ وجود اختلاف بينك وبين زوجتك في الأدوار المنوطة بكل منكما نحو طفلكما الصغير، وتبحث عن آلية للتعامل مع هذه المشكلة، فلا تقلق أخي الفاضل، فقد وصلتَ إلى برِّ الأمان، فإخوانك في موقع المسلم عندهم العلاج الناجع – بإذن الله - لمشكلتك، والتي يمكننا معالجتها بإتباعك للإرشادات والتَّوجيهات الآتية:
 

أولاً: تربية الأبناء مسؤولية مشتركة بين الأبوين.

فتربية الأبناء مسؤولية مشتركة بين الوالدين، فقد ولَّاهما الله سبحانه وتعالى حفظ هذه الأمانة، كل بحسب موقعه وقدرته، ولا ينبغي حصر هذه المسؤولية العظيمة في واحد منهما دون الآخر.
 

عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ) رواه البخاري برقم: 853 ، ومسلم برقم: 1829.
 

فتأمل كيف نص الحديث على مسؤولية كل واحد من الأبوين، ليؤكد استقلال كل واحد بهذا التكليف، وفي حديث الفطرة يظهر أيضًا كيف أن التوجه الديني للأبناء مبني على توجه أبويهم معًا، وليس واحداً منهما فقط.
 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ ) رواه البخاري برقم: 1292، ومسلم برقم: 2658.
 

وفي أداء المسؤوليات المشتركة جاءت الشريعة بالأمر بوسيلة تؤدي في الغالب إلى أكمل النتائج وأحسنها، وذلك من خلال " الحوار والمشاورة "، ولعل هذه القيمة أعظم سبب لسعادة الأسرة ونجاح التربية، وقد جاء الأمر بالشورى في المسؤوليات المشتركة في قوله تعالى : ( فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا )البقرة: 233.
 

قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - : " فإن اتفق والدا الطفل على فطامه قبل الحولين، ورأيا في ذلك مصلحة له، وتشاورا في ذلك، وأجمعا عليه: فلا جناح عليهما في ذلك، فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر، قاله الثوري وغيره، وهذا فيه احتياط للطفل، وإلزام للنظر في أمره، وهو من رحمة الله بعباده حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه ". [ تفسير القرآن العظيم: 1/380 ].
 

ثانيًا: اتفِقا على أسلوب التربية وتقاسم الأدوار.
الزواج هو كناية عن فريق عمل متكامل، يسند الأب فيه الأم، وتسند الأم فيه الأب، فعلى الأب أن يعرف كيف يعطي من وقته وعاطفته, وهي تجد في ذلك راحة نفسية وعاطفية تسمح لها أن تعطي أولادها أكثر.

 

ولذا يجب الاجتهاد في أن تكون بيئة الطفل الصغيرة (الأسرة) بيئة سعيدة وآمنة وداعمة للطفل - فبعض علماء النفس يعتقدون بأن شخصية الطفل تتشكل خلال الخمس سنوات الأولى من عمره - فعندما تكون العلاقة إيجابية وحميمية، وتتصف بالحب والاحترام المتبادل بين الوالدين، فإن ذلك ينعكس بصورة إيجابية على نفسية الطفل وسلوكه, فيبدو الطفل أكثر تفاؤلاً, وأكثر سعادة, وأكثر ثقة في نفسه, وأكثر شعورا بالأمن, والعكس صحيح تمامًا, فالخلافات وعدم التوافق بين الأب والأم ينعكس سلبيًا على نفسية الطفل، وعلى تحصيله الأكاديمي، فلا بد للوالدين من العمل على تحسين نوعية العلاقة بينهما.
 

وتربية الأم لولدها خصوصًا في السنوات الأولى من عمره مقدم على أي عمل مهما كان، فولدك ثروة كبيرة وأمانة عظيمة يجب عليك اغتنامها.
 

ثالثًا: لماذا يبكي الطفل ؟.
في أول عامين من عمر الطفل يكون البكاء هو وسيلة التعبير عن الجوع، أو الحر، أو الضيق، أو الرغبة في تبديل الملابس، أو ربما حتى الاشتياق عند غياب الأم والأب، لكن بعد تمام العام الثاني يكتسب الطفل أدوات تعبيرية مختلفة مثل الكلام وغيره، ويصبح لديه شخصية أكثر استقلالًا، لذا فإن استمرار الطفل على حل مشكلاته بالبكاء بعد عمر العامين يُعد مشكلة سلوكية يجب تقويمها.

 

في هذا الموضوع سأستعرض لك أهم أسباب بكاء الأطفال، مع عرض اقتراحات ربما تساعد في التقليل من هذه المشكلة، خصوصًا مع الأم حديثة التجربة مع الأطفال.
 

إن موضوع بكاء الطفل ليس بالأمر السهل، خصوصاً الأطفال الرضع، وكثير ما يحتار ذوو الطفل بسبب بكائه مما يحملهم على مراجعة الطبيب، وعلينا أن ندرك أن بكاء الطفل لابد وأن يكون لسببٍ ما، وأسباب بكاء الطفل، يمكن تلخيصها بما يأتي:
 

1. الجوع: هو السبب الأكثر شيوعاً لبكاء الطفل وخصوصاً في الأسابيع الأولى، حيث يكون الطفل بحاجة الى رضعات متكررة، وأغلب المشاكل التي تواجه الأمهات هي رضاعة الطفل بالحليب الاصطناعي، فقد ثبت وبالممارسة العملية أن غالبية الأمهات لا يعرفن الشروط المطلوب توفرها للرضاعة الاصطناعية، كالحرارة المعتدلة للحليب، وسرعة نزول قطرات الحليب من حلمة القنينة، ومن الأمور التي يجب أن يعرفها ذوو الطفل أن عمر ستة أشهر هو العمر المناسب لبدء إطعامه بمواد غذائية أخرى عدا الحليب.
 

2. تبديل الملابس والاستحمام: أغلب الأطفال وخصوصاً الرضع منهم يبكون بمجرد تغيير ملابسهم أو تغسيلهم؛ لأن أجسامهم ستلامس الماء، وهو جسم غريب بالنسبة له.
 

3. البلل: أغلب الأمهات يستخدمن الحفاضات، وحينما يتبول الطفل أو يتغوط؛ فإن ذلك يصبح مصدر إزعاج له، إضافة إلى ذلك فإن الغالبية العظمى من الأطفال سيعانون من الطفح الجلدي المؤذي.
 

4. الملل: أغلب الرضع بعمر ستة أشهر فما فوق يحسون بالوحدة، فينتابهم الشعور بالملل، وبعض الأطفال يبدؤون بالبكاء حينما ينتابهم النعاس أو الرغبة بالنوم.
 

5. الخوف: كل إنسان له رد فعل إزاء أي أمر مفاجئ، ورد الفعل هذا هو شعور لا إرادي كجزء من حماية الفرد لنفسه، لذا فإن الصوت أو الحركة المفاجئة تجعل الطفل يبكي كرد فعل.
 

6. الآلام: أغلب الحالات التي يبكي الطفل بسببها هي المغص الناتج عن الغازات، وخصوصاً خلال الأشهر الثلاثة الأولى، كون كبد الطفل يكتمل نموه بعد عدة أسابيع من الولادة إضافة إلى أن جهازه الهضمي غير قادر على التعامل مع المواد الرئيسية الموجودة في الحليب، ومن الحالات الأخرى، آلام التسنين وهي المرحلة التي تسبق ظهور السن، فالآلام تكون قوية بالفم مما تدفع الطفل إلى البكاء والعزوف عن تناول الطعام أو الرضاعة.
 

7. الشعور بالبرد أو الحر أو الضيق: لا يمكن للطفل أن ينام مرتاحاً إذا لم تتوفر له ظروف نوم مريحة، فيجب أن يكون جو الغرفة معتدل، إضافة إلى أن عادة " القماط " تسبب الإزعاج لأنها تحدُّ من حركة الطفل. نصائح وتوجيهات:
 

1. عدم إهمال أي حالة بكاء تنتاب الطفل، وخصوصاً البكاء المفاجئ وعلى ذويه أن يخلعوا ملابسه فوراً، والبحث في ثنايا ملابسه، ومن ثم يبدؤون بالتفكير بالأمور الأخرى.
 

2. الأشهر الثلاثة الأولى من حياة الوليد تمتاز ببكائه خلال ساعات الليل، وغالباً ما يكون السبب هو الشعور بالجوع.
 

3. البكاء لا يعني دوماً أن الطفل جائع.
 

4. الطفل الذي يتقدم بالعمر تتخصص في مخه مراكز الإدراك والذاكرة، لذا يجب التعامل مع الطفل بعمر ثلاث سنوات بمسؤولية.
 

5. عدم استخدام أسلوب العقاب(سواء الزجر أو الضرب) مع الأطفال، فإن ذلك يكون بحد ذاته سبباً في بكائهم.
 

6. عدم إهمال الطفل حينما يولد طفل أخر في العائلة، أو يتواجد طفل آخر غيره حينما تتزاور العوائل فيما بينها.
 

7. تنمية مواهب الطفل، وتوفير وسائل التسلية التي تثيره، فهي الوسيلة التي تجعل الطفل يبتعد عن أسلوب البكاء.
 

أخيرًا: ضعَا قانونًا للبيت. وضْعُ قانونٍ للبيت يحدِّدُ الحقوق والحدود أمر مهم في معالجة المسائل التي يختلف فيها الأبوان، فتعاونا على تربية هذا الملاك الجميل، واستعينا بالله وأكثرا من الدعاء لولدكما بالصلاح، وتذكرا نعمة الله عليكما بالولد فكم حرمها من البشر!!.
 

كما أوصيكم بقراءة كتب تربية الأطفال، وهي كثيرة ومنتشرة، حتى تتكون لديكم الثقافة المناسبة لتربية الأولاد. نوَّر الله قلبكما، وسدد خطاكما، ورزقنا وإياكما حسن الصلة بالله سبحانه وتعالى.