9 جمادى الثانية 1441

السؤال

أنا تزوجت بعد تعب في حياتي، وبعد انحراف ومعاصي، وكنت أغازل وأقابل بنات، وتبت إلى الله وتزوجت، ودعوت الله أن أبدأ حياة جديدة، فأنا أرعى وأصرف على أخواتي بعد وفاة أبي -رحمه الله- وقد بيَّنت هذا لخطيبتي وأهلها، وبعد الزواج بخمسة أيام، اكتشفت أنَّ زوجتي تغازل شباب، وكرَّرت ذلك عدَّة مرات، كما أنَّها تكره أمي، التي تسكن في بلد بعيد عنِّي، فغضبت منها، وأرجعتها لأهلها، ولم أطلقها، وبعد ثلاثة أشهر أرجعتها، وأصبحت معتدلة في تعاملها مع أخواتي، وتعاملهن بالطِّيب، والآن رجعت لطبعها القديم في تعاملها مع أخواتي، فلا تقوم باستقبال المتزوجات منهن، والآن تبحث عن عريس وخاطب لأختي من أجل أن تعيش معي بمفردها، علمًا بأنَّ أختي لم تطلب منها ذلك، أو تعمل لها شيئًا، أنا محتار ما العمل معها؟. مع العلم أنَّ زوجتي تبلغ من العمر عشرين عامًا.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.

 

أخي الكريم: فهمت من عرضك لمشكلتك، أنَّك تشكو من سوء تصرُّفات زوجتك السُّلوكيَّة تجاه أهلك، وانحرافها الأخلاقي بمغازلتها لشباب أجانب عنها، وحرصها على إبعادك عن أخواتك، والسَّعي في تزويج أختك، لتنفرد بك لوحدك في البيت، ولتصرُّفاتها السَّيئة تجاه أهلك، رددتها إلى أهلها لمدَّة ثلاثة أشهر، واعتدل سيرها فترة ثمَّ عادت لعوائدها، كما ذكرت أنَّك كانت لك علاقات قبل الزَّواج غير طيبة، وممارسات ومعاصي لا ترضي الله، ثمَّ تبت وتزوَّجت، وعاهدت ربَّك على الالتزام بشرعه ودينه، لا تقلق أخي فقد وصلت إلى برِّ الأمان، فإخوانك في موقع المسلم لا تعدم منهم من النُّصح والتَّوجيه لما فيه الخير لك في دينك ودنياك، ألخص لك أخي جواب استشارتك من خلال النِّقاط الآتية:
 

أولاً: الزِّنا دَين على فاعله.
قال الإمام الشَّافعي –رحمه الله-:

من يزْنِ في قوم بألفي درهم *** في أهله يزنى بربع الدِّرهم
إنَّ الزِّنا دين إذا استقرضته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

حكمة بالغة، وجزاء من جنس العمل، وأثر للمعصية ولو بعد حين، ولذلك عليك أخي أن تعالج سلوك زوجتك ومعاكساتها للشَّباب بأسلوب هادئ، وطريقة متَّزنة، وأقترح عليك أن تسمعها أنت كلامًا عاطفيًا يشبع عاطفتها، وتغنيها بالحلال عن الحرام، فالمرأة عاطفيَّة تحتاج إلى الدِّفء والحنان، وإلى دغدغة عواطفها بكلام معسول منمَّق، فأشبع فراغها العاطفيَّ، حتَّى لا تبحث عنه عند اللُّصوص البشرية، وما أفسد النِّساء، وجعلهنَّ يطلبن الحرام إلا بانشغال الأزواج بالمهم عن الأهم، وقضاء معظم الوقت مع القرناء والأصدقاء والنُّدماء، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت وحلم وأناة وروية، خوِّفها بالله، وبأنَّ فعلها هذا سيسري على بناتها في المستقبل-لا قدَّر الله تعالى- لعلَّها ترعوي وتتعظ.
 

ثانيًا: حبِّب زوجتك بأهلك.
زوجتك إنسانة، لها أحاسيس ومشاعر، وبتعاملك الحسن معها، وتودُّدك لها، يجعلها كاللُّعبة بين يديك، تتصرَّف بها كيف تشاء، املك فؤاد زوجتك، وتحبَّب لها، تجد منها كلَّ تعامل طيب، ومعاملة حسنة، واعمل على تحبيب أخواتك بها، عن طريق تقديم هدايا لهن، بحيث تشتري أنت لأخواتك هدايا، واطلب من زوجتك تقديمها لهن، فالنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "تهادوا تحابُّوا" رواه البخاري. بالمقابل اطلب من أخواتك أن يعاملن زوجتك برفق ولين، فالدُّنيا أخذ وعطاء، وكيفما تعامل النَّاس يعاملوك.

 

ثالثًا: كفى بالموت واعظًا.
الموت باب، وكلُّ النَّاس داخله، فيا ليت شعري! بعد الباب ما الدار؟ خوِّف زوجتك من الموت، وقل لها: كلُّنا سنموت، الصَّغير والكبير، الأمير والوزير، العزيز والحقير، والغني والفقير، ولا يبقى في الوجود غير ذي العزَّة والجبروت، قال صلَّى الله عليه وسلم: (أكثروا من ذكر هادم اللذات)رواه الترمذي. وقال الحسن البصري-رحمه الله-: فضح الموت الدُّنيا، فلم يترك لذي لبٍّ فيها فرحًا، وما ألزم عبد قلبه ذكر الموت إلا صغرت الدُّنيا عليه، وهان عليه جميع ما فيها. وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطَّير، وكان يجمع كلَّ ليلة الفقهاء، ويذكرون الموت والقيامة، ثمَّ يبكون حتى كأنَّ بين أيديهم جنازة، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد كتب على فصِّ خاتمه: كفى بالموت واعظًا يا عمر. قل لزوجتك: خافي الله، واتركي معصيتك، وأحسني التَّعامل مع الغير، فالموت أقرب إلى أحدنا من شراك نعله.

 

رابعًا: آخر العلاج الكي.
بعد الوعظ والإرشاد والتَّوجيه، وبعد التَّأنيب والتَّقريع، وبعد الهجر في المضجع، واستنفاد كافَّة الطُّرق الشَّرعيَّة الممكنة بينك وبينها، هدِّدها بأنَّك ستفتح ملفَّها بالكامل أمام أهلها، وسيتم نقل الملف إلى خارج المنزل، فإن لم تنته فابعث حكمًا من أهلك، وحكمًا من أهلها، لمناقشة انحرافها، وبناء على رأي الحكمين تصرَّف التَّصرُّف الأمثل والأرشد لك ولها، والله يعينك ويتولاك.