الدمشقية يرد على حزب التحرير
28 صفر 1435
منذر الأسعد

عُرِف الشيخ عبد الرحمن الدمشقية بتركيزه على التصدي إلى التيارات المنحرفة في الساحة الإسلامية، إذ كان له –بعد الله- الفضل في فضح الأحباش الضالين الذين انتشروا في لبنان برعاية الاستخبارات النصيرية التي سيطرت على ذلك البلد ثلاثين سنة، وبمؤازرة علنية من الرافضة..

 

هنا نطالع أبرز الخطوط التي يتكون منها كتاب الشيخ عبد الرحمن:
(الرد على حزب التحرير-مناقشة علمية لأهم مبادئ الحزب ورد علمي مفصل حول خبر الواحد) الذي جاء في 168 صفحة،
وهو يبين تهافت حزب التحرير وأمثاله منذ سطور مقدمته، التي يلخص فيها بأمانة الظروف الموضوعية التي نشأت فيها أحزاب ترفع شعارات إسلامية، في مطالع القرن الميلادي العشرين، التي شهدت انهيار الدولة العثمانية... فقامت تنظيمات تدعو إلى استعادة الخلافة الإسلامية وأخرى تزعم أنها تسعى إلى تحرير الأرض من الغاصب الغريب، فلا الأرض استُرِدَّتْ ولا الخلافة عادت.. والسبب في رأي المؤلف: (غير أن هذه الحركات تجاهلت تراجع الأمة في دينها والذي بسببه تراجعت في دنياها وفقدت من القوة والأرض والسؤدد والكرامة بقدر ما فقدت من دينها. وتخلفت عن الدور الحضاري كنتيجة طبيعية لتخلفها عن الدين، وأكمل الكفار طريق العلم الذي وقفت عنده هذه الأمة، وغدا ضعفها وتخلفها فتنة لأمم الكفر الذين وظفوا تقدمهم العلمي لصالح دينهم وجعلوه علامة على صحته.

 

وتأصلت هذه الحركات على أصول الحماس والعاطفة. وتقلد رايتها أشخاص تعلموا الرغبة والحماس ولم يتعلموا العلم، فتخبطوا وتخبط وراءهم من تبعهم، واستفاد عدو المسلمين من هذا التخبط وهذه العشوائية. وغلب عليها اعتماد وسائل مرتجلة آلت بالمسلمين إلى زيادة ضعف ومنحت عدو المسلمين الذريعة وراء الذريعة.)...

 

ويكمل الكاتب تعريته للخلل المنهجي لدى هذه الجماعات فيقول: (وصار العمل الدعوي مرهوناً موقوفاً، تعطله المواقف السياسية فلا دعوة حتى تعود الأرض وحتى يعود الحكم!! ولكن لم تسترد الأرض ولم تسترد الخلافة، ومات كثيرون على ملل الكفر، وتحملت الأمة إثم تركهم بلا دعوة وخسر الإسلام أعداداً هائلة ممن ماتوا على غيره من الملل.

 

ولا يجوز تعطيل الدعوة لأي سبب كان سياسياً أو غيره، فلو كان شعار الأرض أقدس من شعار الدعوة لما خرج النبي من مكة وأمر بالخروج منها. ولا يجوز أن تكون مشكلة الأرض سبباً في تعطيل الدعوة. فبالدعوة انقلب رجال من أعداء لهذا الدين الى أنصار له بعد دعوتهم كما في غزوة الخندق. وبدعوة مصعب اعتنق أهل المدينة الإسلام. فعامِلُ الدعوة له أكبر الأثر على تغيير سياسة الأمة وخروجها من المآزق السياسية التي نعاني منها ولكن السياسيين لا يولون هذا العامل حقه.....).

 

ويلاحظ الدمشقية-بحق-عناية هؤلاء وأشباههم بكشف الآثار السلبية الناتجة عن الغزو الثقافي الغربي لأمتنا، لكنه يقرِّعهم على غزو قديم كان أشد خطورة على المسلمين متمثلاً في تسلل الغلو الصوفي وعلم الكلام ذي الخلفية الوثنية الإغريقية إلى الأمة بل إلى علوم دينها!!! ويربط الباحث بحنكة بين جذور الانحراف تلك، وأسباب تشبث مؤسس حزب التحرير برفض حجية خبر الواحد وإنكار عذاب القبر، وذلك بتأثير الأشعرية والماتريدية المشبعتين بتركة علم الكلام الطارئ الغريب على أمة الإسلام.

 

ولا يملك القارئ المنصف إلا أن يشيد بنزاهة الدمشقية وأمانته وحرصه على إنصاف حزب التحرير، بالرغم من نقده الشديد لأخطائهم الكبرى كإهمالهم كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في أدبياتهم، التي ينشِّئون عليها كوادرهم، بينما يهتمون غاية الاهتمام بالجدل العقلي العقيم ويبالغون كثيراً في متابعة الأحداث السياسية، ويُفْرِطون في تحليلها بمنطق مؤامراتي عجائبي بلا بيِّنات ولا براهين...

 

الكتاب جدير بالقراءة وبخاصة أن حزب التحرير لم يعد اليوم مغموراً، بعد التقدم الهائل في وسائل الاتصال ونقل المعلومات، وبات حضور بعض قادته إعلامياً واضحاً، الأمر الذي يجعل من تبيان مكامن الخلل لديه ضرورة في نطاق المقاييس الشرعية، وهو ما فعله الدكتور الدمشقية بجدارة فجزاه الله خيراً...