29 شعبان 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إنني مررت بفترة جامعية سيئة، وبفضل الله تخرجت الآن، وحصلت على عمل مناسب، ولكن! في كل مكان أذهب إليه تلاحقني الأحداث التي مرت بي في فترة دراستي للجامعة، ما الحل ؟ أريد أن أخرج من هذه الدائرة المغلقة، أريد أن أعيش حياتي بعيدًا عن تلك الذكريات المؤلمة.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من خلال عرضك لمشكلتك، أنَّك تعاني من مشكلة تذكر وتخيل ما جرى منك من معاصٍ وذنوب في الزمن الماضي، وخاصة في فترة دراستك الجامعية، وتذكرك لها يجلب لك الهم والحزن، ويطرد عنك العيش السعيد والهادئ، وتطلب من إخوانك في موقع المسلم أن يحيطوك بالنصح والتوجيه والإرشاد، أبشر أخي بما يسرك ويعطيك الرأي السديد الحصيف لحل مشكلتك، ألخِّصُ لك أخي جواب استشارتك من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: كلنا خطَّاء، وخير الخاطئين التوابون.
إنَّ الخطأ واردٌ من البشر؛ فنحن لسنا كاملين منزَّهين، لكنَّ طريقة علاجنا له أمرٌ مهمٌّ جدًّا، فصحيح أن ما فعلته في فترة دراستك الجامعية كان أمرًا عظيمًا، والحدود التي تجاوزتها من الكلام والأفعال أمرٌ كبير جدًّا، لا يقبله الشرْع أو العُرف، ولكن ما زال هناك مُتَّسَع للتوبة والاستغفار، والبَدء من جديد.
روى البخاري في صحيح الجامع أنَّ رجلاً أصاب من امرأة قُبلة، فأتى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبرَه، فأنزل الله: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾هود: 114. فقال الرجل: يا رسول الله، ألِي هذا؟ قال: (لجميع أُمَّتي كلهم).
ثانيًا: أكثر من ذكر سيِّد الاستغفار.
عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ: ( سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ. منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ) رواه البخاري.
ثالثًا: عليك بدعاءٍ يُذهب الهمَّ والحَزن.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُك،َ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ:"أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ". رواه أحمد، وصححه الألباني.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قال: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ: " يَا أَبَا أُمَامَةَ مَالِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وقْتِ صَلاةٍ. قال: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي ودُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قال: " أَفَلا أُعَلِّمُكَ كَلامًا إِذَا قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ وقَضَى عَنَّكَ دَيْنَكَ " ؟ قال: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قال: " قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ والْحَزَنِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ والْكَسَلِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ والْبُخْلِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وقَهْرِ الرِّجَالِ. قال: فَقُلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ هَمِّي، وقَضَى عَنِّي دَيْنِي. رواه البخاري.
رابعًا: الماضي لا يعود، وتذكره يضرُّ ولا يفيد.
قال الحسن البصري رحمه الله: ( الدنيا ثلاثة أيام: أما أمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل).
ويقول الشيخ مصطفى السباعي - يرحمه الله - في كتابه هكذا علمتني الحياة: (لا تثقل يومك بهموم غدك، فقد لا تجيء هموم غدك، وتكون قد حرمت سرور يومك ).
فعليك أخي الكريم أن تصبر، وأن يستعين بالدعاء والابتهال لله تعالى، وعليك بالتفاؤل، وأخذ الأمور ببساطة ويسر.
فحياتنا الدنيا على اسمها "دنيا" لا يثبت فيها حال الإنسان بل يتقلب فيها بين ما يحبه وما يكرهه، والعاقل إذا تأمل فيها وجد أنه محتاج لأن ينظر إليها نظرة المتفائل، ويقضي على الهم والحزن الذي طالما كدر صفوه ومزاجه، والذي يُريد به الشيطان أن يُحزن المسلم.
ابتعد عن الأماكن التي تشعر بأنها تثير فيك كوامن الهم والغم وتجدد فيك الأحزان، واجتنب قراءة الكتب التي تحمل طابع المأساوية، ولا تجالس أصحاب الهموم ولو بغرض المواساة، طالع في الكتب المفيدة التي تبعدك عن الهموم والغموم ككتاب " لا تحزن " للشيخ عائض القرني، وإذا شعرت بالضيق والحزن لا تجنح إلى الصمت والتفكير والبحث عن الانفراد، بل اختلط بالناس وتفاعل معهم.
التفكير بالماضي يجلب لك الحزن، والتفكير بالمستقبل يجلب لك الهم، فعش في حدود يومك باسمًا سعيدًا، فتح الله عليك، وفرج همك وغمك.