لعل أبناء الجيل الحاضر، لا يعلمون أن الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، بعد كارثة اتفاقات كامب ديفيد مع العدو اليهودي، طلع على الأمة بمشروع هدام أطلق عليه اسم: الإخاء الديني!! التي جعلها جمعية بدلاً من جمعية إخوان الصفا التي ألغاها سلفه جمال عبد الناصر..
ولم يقف جنون السادات عند هذا الحد المفزع من محاولة تمييع الإسلام، وإنما سعى إلى إنشاء مجمع للأديان في وادي الراحة بسيناء..
وكان للدكتور محمد البهي رحمه الله (1323 هـ/ 1905م- 1402/1982م) موقف شجاع من هذه الفتنة العمياء، جاءت في هيئة بحث أصدره في كتيِّب، حمل عنوان: الإخاء الديني ومجمع الأديان.. سياسة غير إسلامية.
استهل البهي موقفه بسؤال منطقي عن المقصود بالإخاء الديني المزعوم،
هل هو إخاء على أساس تقريب المسيحية من الإسلام، وتقريب الإسلام من المسيحية وإبعاد فجوة الاختلاف بينهما؟. إن كان ذلك هو المطلوب فكيف يتم التقريب؟ أم هو إخاء على أساس طرح المسيحية والإسلام جانبًا بعيدًا عن الترابط بين الطرفين، ثم التصدي للشيوعية والإلحاد العلمي؟.
وبعبارة أخرى: هل الإخاء الديني جماعة علمية دينية؟. أم هي جماعة سياسية؟ تعمل باسم الإسلام والمسيحية ضد الإلحاد العلمي الماركسي وضد الشيوعية.
وإذا كانت جماعة علمية دينية: ماذا يصنع الطرف المسيحي في قول القرآن الكريم: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59]. فهو في القرآن إنسان بشر وليس إلهًا أو ابنًا للهِ.
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [آل عمران: 60] (وكون عيسى شبيهًا بآدم في بشريته وإنسانيته، هو الحق نطق به المولى - جَلَّ جَلاَلُهُ -، {فَلاَ تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [آل عمران: 60، 61] عن طريق وحي الله ببشريته {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61].
وإذا بقي الطرف المسيحي في جماعة الإخاء الديني على الإيمان بألوهية المسيح وبالتالي بقي على شركه بالله - جَلَّ جَلاَلُهُ -، فما هي صورة التقريب للإسلام، التي يقترحها هذا الطرف على الطرف المؤمن برسالة الرسول محمد - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -؟. إن الفجوة واسعة بين تأليه الإنسان والشرك بالله من جانب، وإخراج الإنسان كلية من إطار الألوهية وقصرها على الله وحده من جانب آخر.
وإذن بقاء الطرف المسيحي في جماعة «الإخاء الديني» على اعتقاده بألوهية المسيح يبعد هذا الطرف تمامًا عن أن تكون له أدنى مشاركة أو أدنى علاقة مع المؤمنين برسالة الرسول محمد بن عبد الله في أخوة إيمانية ودينية.
ثم يخلص الكاتب إلى أن القرآن الكريم هو الوحي المحفوظ من التحريف والعبث وأنه حجة على أهل الكتاب ومهيمن على كتبهم التي حرَّفها أحبارهم ورهبانهم فيقول: فرسالة القرآن تختلف عما هو في التوراة والإنجيل الآن، إذ ما في التوراة والإنجيل لم يعد معبرًا عن رسالة الله للإنسان. ولذا كان القرآن وحده هو الذي يعبر عن هذه الرسالة تعبيرًا صادقًا. ونيط به تصحيح ما اختلف فيه اليهود، والنصارى، عن رسالة الله {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} النمل: 76-77..
فبينما يعرف القرآن أهل الكتاب ما ابتعدوا فيه عن رسالة الله ينطوي في ذاته على الهداية الإلهية والرحمة للمؤمنين. وهذه وتلك مضمون الرسالة الإلهية للإنسان على هذه الأرض.
من كل مقدماته الموضوعية انتهى البهي إلى أن التآخي بين أتباع اليهودية والمسيحية والإسلام، يفقد الأساس المشترك في الإيمان. وإذن جماعة الإخاء الديني التي يُنادى بها من وقت لآخر في السياسة المصرية ليست جماعة علمية دينية. ولا تصح أن تقوم على مشاركة الإسلام فيها.
ويذكر الباحث قراءه بجمعية مماثلة سبق لمنصر أمريكي أن أنشأها في لبنان، ولم يتوقف خلال تضليلها حتى الهجوم البذيء على الإسلام ومقدساته!!
ويربط الرجل تلك المساعي الخبيثة بسياسات أمريكا لمواجهة التغلغل الشيوعي، بينما خذلت واشنطن حلفاءها من البلدان المسلمة كباكستان وأسلمتها لقمة سائغة إلى أعدائها من الروس والهنادك-سلخ باكستان الشرقية تحت اسم بنجلادش-!!
ثم يقول المؤلف في فقرة عنوانها صارخ الدلالة عما يريد بيانه:
وَادِي الرَّاحَةِ - وَالبَدِيلُ عَنْ القُدْسِ:
• أيضًا ما هو الهدف من «مجمع الأديان» الذي يعتزم إقامته في سيناء في وادي الراحة؟.
• هل الهدف منه إقامة معابد ثلاثة في مبنى واحد ترمز إلى الديانات السماوية: اليهودية.. والمسيحية.. والإسلام؟.
• أم الهدف من إقامته في سيناء ليكون بديلاً عن «القدس».. ويصبح مزارًا لأهل الأديان الثلاثة؟
وهو يجيب بجملة من الأسئلة الاستنكارية قائلاً:
واليهودي إذا اعتقد بسلامة العبادة التي يؤديها المسيحي في كنيسته والمسلم في مسجده، لماذا تؤسس إسرائيل على أساس ديني خاص باليهود وحدهم؟ ولماذا تغتصب القدس وتجعلها عاصمة موحدة خاصة باليهود دون غيرهم؟. ولماذا لا تسوي إسرائيل في القيمة الدينية بين أماكن العبادة لأهل الأديان الثلاثة في القدس، وتخرج هذه المدينة من دائرة نفوذها لتصبح لجميع اليهود والمسيحيين والمسلمين، ولماذا هذا النشاط المسعور للصليبية الدولية ضد الإسلام، وضد المسلمين؟ لماذا تباشر الصليبية الدولية في خفية العمل على إضعاف المسلمين بالتبشير عن طريق المستشفى أو العيادة الخارجية.. وبالتعليم في مدارس التعليم المتنوعة للذكور والإناث على السواء؟ ويحملهم في صورة أو في أخرى على تحديد النسل والحد من الخصوبة الجنسية؟. وعلى بث الفرقة في المجتمعات الإسلامية على أساس اختلاف الطائفية، والشعوبية، والعنصرية، والقبلية أو على أساس اختلاف اللغة أو اللهجة في اللغة الواحدة. ولماذا تسعى نوادي الروتاري.. والليونز - وهي مراكز النشاط الصليبية الدولية - إلى خلخلة الإسلام في نفوس المسلمين أصحاب الوظائف العالية والدرجات المرموقة في المجتمعات الإسلامية المعاصرة؟.. ولماذا تدفع الجمعيات النسوية باسم تحرير المرأة أو باسم الثورة الجنسية إلى إضعاف الأسرة المسلمة بتفكيك الترابط في الأحوال الشخصية على أساس من الإسلام بين الزوج وزوجته، وإلى استقلال المرأة في الولاية على نفسها؟.
ويختتم البهي كتابه /القنبلة في وقته بقوله:
وبعد معاهدة السلام تتحدث الصحف المصرية عن «المجتمع الديني» في وادي الراحة بسيناء، وتشير من وقت لآخر إلى المتبرعين للإسهام في إقامته.
فهل هناك صلة بين «العلمانية» و«الإخاء الديني».. و«مجمع الأديان».. من جانب. وتطبيق معاهدة السلام من جانب آخر؟ هل تسهم هذه الأمور الثلاثة في «تطبيع» العلاقات المصرية الإسرائيلية؟.. وهي تسهم، ولكن إسهامها عندئذٍ على حساب الإسلام. ويكفي أن يبعد الإسلام عن جوانب الحياة الإنسانية باسم العلمانية.. وأن يسوى بينه وبين المسيحية، كما - يسوى - بينه وبين اليهودية في «جماعة الإخاء الديني» مرة، وفي «مجمع الأديان» مرة ثانية. فالإسلام لا يعرف العلمانية. ثم لا يعرف عن رسالته إلا أنها مهيمنة على كل كتاب سبق أوحي به إلى رسول من الرسل. وإذن المساواة بينه وبين غيره انتقاص لرسالته وكفر بما أراده الله له. كما أن العلمانية كفر ببعض الكتاب وإيمان بالبعض الآخر.