هنالك شنشنةٌ شاعت في الساحة الإسلامية في الفترة الأخيرة، تتخذ من أخطاء وقعت فيها بعض الجماعات الإسلامية بعامة والسلفية منها بخاصة، منطلقاً لتساؤل ذوي النيات الطيبة ولمكر الموتورين والمشككين لغاية قبيحة يخفونها عن الناس-ظنوا-وهي مكشوفة.
فالثقافة الإسلامية الحقة تتسم ببعض الخصائص الفريدة، وعلى رأسها قاعدة: أن الحق لا يُعْرَفُ بالرجال وإنما الرجال يُعْرَفون بالحق، تجسيداً سليماً لحقيقة أنه لا معصوم بعد نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
قبل الخوض في مسألة السلفية، نناقش جهة إسلامية لها خصوصيتها، هي الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية وإن كان مقرها الرئيسي بباكستان، والتي أسسها أبو الأعلى المودودي رحمه الله قبل 72 سنة، قبل استقلال باكستان عن الهند -1947م-، وهي أقرب إلى جماعة (الإخوان المسلمون) كما تقول موسوعة الأديان والمذاهب الصادرة عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي:
(هناك عملية تأثُّر وتأثير بين دعوة الإخوان المسلمين ودعوة الجماعة الإسلامية هذه، وكُتُبُ كلٍّ منهما تُدرس في مناهج الأخرى، وقد وجد حسن البنا في كتاب الجهاد في الإسلام الذي ألفه المودودي تطابقاً بينه وبين أفكاره التي يحملها عن الجهاد وأبدى إعجابه به).
وبالرغم من أن أهل العلم أخذوا على المودودي رحمه الله عدم اعترافه بحكم المحدثين على الحديث! وقبوله الحديث بحسب الذوق الشخصي على صحته، وإن لم يكن إسناده صحيحًا!، فهو يمجد (الدراية) على حساب (الرواية)؛ ولذا فهو يرد بعض الأحاديث في البخاري التي لم يقبلها عقله أو ذوقه. (انظر للمزيد: زوابع في وجه السنة قديمًا وحديثًا، للدكتور صلاح مقبول).
ولاتخلو الجماعة من انتقادات؛ كرأيها في السنة تبعًا لمؤسسها، وإغراقها في العمل السياسي على حساب نشر العقيدة السلفية والدعوة إلى التوحيد الخالص الذي يحتاج إليه المسلمون في الهند والباكستان، وتربية الناس على ذلك.
لكن الجماعة-مع كل تلك المآخذ-كانت صلبة في مواجهة السفه التغريبي الذي أراد الجنرالات الانقلابيون فرضه على شعب باكستان، الذي ضحى كثيراً لكي ينفصل عن الهند حرصاً على دينه..كما اشتهرت الجماعة بتصديها للتغلغل المجوسي الجديد على أيدي الرافضة، بالرغم من وفاة المودودي في سنة 1979 م التي تم الأمر فيها للهالك الخميني!!
لكن المفارقة الكبرى الآن تتمثل في المظاهرات الضخمة التي تحشد لها الجماعة أنصارها، لتأييد طاغية الشام بشار الأسد!! متجاهلةً عقيدة الولاء والبراء بل متناسيةً الحد الأخلاقي الأدنى الذي يوجب الإسلام علينا التزامه، وهو الوقوف مع المظلوم ضد الظالم، فكيف والتهديد الصفوي في وقتنا الحاضر لباكستان ولمجالها الحيوي وظهيرها الإستراتيجي أفغانستان، أصبح مكشوفاً حتى لعامة الناس!!
يحلو للبعض من غير المطلعين، أن ينسب الخلل الفادح في رؤى الجماعة، إلى غياب مؤسسها المودودي، وهو تفسير قاصر، لأن الرجل على ثباته وقوة شكيمته، أخطأ خطأً جوهرياً عندما غض النظر عن تعميق عقيدة التوحيد النقية في صفوف أتباعه، فذلكم هو الشرط الأساسي للفلاح في الدنيا والآخرة، وكان من شأنه أن يمنع كارثة كالتي تغوص جماعته اليوم في مياهها الآسنة..
سيقال: فما الفرق بين الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية وحزب النور السلفي، الذي لم يعصمه نقاء التوحيد من مناصرة انقلاب طاغوتي تفوح منه روائح العداء الخفي والمعلن لدين الله تعالى-باعتراف بعض رموز الحزب اعترافاً جزئياً بذلك مع حرصهم على التهوين من تلك الطوام بوضعها في سياق الخطأ!!-؟
ما يفوت الذين يعقدون مقارنة جائرة كهذه، أن جمهور الدعوة السلفية وقياداتها العلمية الرشيدة تقف في الخندق الآخر، وبقي حزب النور نشازاً عنها..بل نشازاً عن جميع القوى الإسلامية في مصر.
كما أن الحزب الذي شذ عن منهج السلف وعن التيارات الإسلامية جملة، يتوارى في سلوكه خلف تبريرات فقهية مقلوبة، فيتحدث عن المصلحة والمفسدة حديثاً غير سليم علمياً، وعن موازنة مزعومة بين الضررين لاختيار أخفهما، بينما يضج الواقع بنسف دعاواه لأن الضرر الذي جاء مع الانقلاب شامل وشبه مطلق، ولا يجوز قياس الضرر الآخر به البتة.
ولا يخفى أن كثيراً من أهل العلم والدعاة هاجموا مواقف حزب النور منذ اليوم الأول لوقوفه مع الانقلاب، وعرضوا أدلة قوية تؤكد أنه خرج عن جميع الأسس الشرعية التي يتم اتباعها في مثل هذه الأحوال.
وأما جماعة باكستان فلم ينكر عليها إخوان سوريا، الذين يجب ألا يصمتوا على مواقفها المنحازة إلى الطاغية.
مما سلف، نخلص إلى أن الإشكال الثقافي في الساحة الإسلامية هو نتيجة خلل عقدي في جوهره، وكل سعي إلى علاجه بالمسكنات التي تتجاهل أصل الداء، تفاقم من شروره ولا تعالجها.