9 محرم 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا أحب تعلم اللغات، وقد بدأت بتعلم اللغة التركية، لأسباب نفسية معينة، فاقترح عليّ والدي أن أجعل هدفي خدمة الدين، كأن أترجم الكتب من العربية إلى التركية وغيرها، لكن وجدت إشكالاً في عدم القدرة على الاستمرار، فبم تنصحونني؟

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

ابني الحبيب: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم، وشكر الله لكم ثقتكم في إخوانكم بموقع "المسلم"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلاً لثقتكم، وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًا..آمين ثم أما بعد:
فالحمد لله الذي جعلنا نتكلم باللغة العربية، لغة القرآن الكريم، كتاب الله الناسخ، ولغة الحساب، ولغة أهل الجنة، ورحم الله أحد الصالحين كان يوصي تلامذته ومريديه فيقول لكل منهم: "اجتهد أن تتكلم العربية الفصحى فإن ذلك من شعائر الإسلام"، فاحرص بني أولاً وقبل تعلم اللغات الأخرى أن تتعلم لغة دينك، فهي الأساس في تعلم كل اللغات.
واعلم بُنيَّ – زادك الله علمًا وفقهًا- أن حبك لتعلم اللغات الأجنبية أمر مندوب، خاصة في هذا الزمان، الذي تكالبت فيه الأمم على ديننا ونبينا وكتابنا ومنهجنا، فما أحوج هذه الأمة الثكلى إلى دفاع أبنائها عنها، وإن من أفضل سبل الدفاع والذود عن حياض هذا الدين، تعلم بل وإتقان اللغات الأخرى، حبذا الإنجليزية والفرنسية والصينية والهندية والروسية والألمانية، ... وغيرها من اللغات الأشهر، والتي يتحدث بها ملايين بل مليارات البشر.
ولا شك أن تعلم اللغات الأجنبية يعد من أهم أدوات الداعية إلى الله في دول العالم المختلفة، وربما يكون إتقانك للغة ما سبباً في دخول بعض غير المسلمين في دين الإسلام، خاصة إذا ما مَنَّ الله على حامل هذه اللغة بخلق قويم، وسلوك متين، وقدرة على الإقناع والشرح والتحليل، بيد أنه لا بد أن يسبق هذا كله ضبط مؤشر النية، بأن هذا الاتجاه إلى تعلم هذه اللغات هو العمل لنيل رضاء الله عز وجل، والفرار من معصيته في الدنيا وعذابه في الآخرة.
وقد روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه". رواه البخاري ومسلم. ومعلوم ان النية هي مفتاح قبول الأعمال، كما أن النية الصالحة تكثر العمل القليل، فضلا عن أنها تحول العادات إلى عبادات يؤجر عليها المسلم.
ابني الحبيب:
تقول في رسالتك (بدأت بتعلم اللغة التركية، لأسباب نفسية معينة)، ونحن نحترم اختيارك طالما أن هناك أسبابا محددة، ودوافع معينة، أنت تعلمها جيدًا، المهم ان يكون اختيارك ناتجا عن اقتناع ورغبة وحب، لأن الإنسان إذا عمل ما يحب فإنه يوشك أن يتفوق فيه، وأن يبدع في هذا العلم، وأن يكون له دور في تطوير وتنمية قدراته، عن طريق اكتساب خبرات متميزة، في هذا الفرع من العلوم.
وقد أحسن والدك عندما اقترح عليك أن تجعل هدفك "خدمة الدين"، وذلك لأنه يحب لك الخير، ومن ثم فإنه لا يريد منك ان تضيع سنوات من عمرك في عمل دون أن يعود عليك بالخير في الآخرة، وأن يكتب في صحيفة حسناتك يوم القيامة، فجزاه الله عنك خير الجزاء، وأكرم به أبًا يؤدي حقوق ولده عليه، وفي مقدمتها توجيهك وإرشادك إلى ما فيه الخير لك.
واقتراح والدك عليك أن تقوم بترجمة بعض الكتب من اللغة العربية إلى التركية، والعكس، هو مجرد اقتراح لك أن تأخذ به أو ترده، فهو ليس إلزامًا لك، بوجوب القيام بهذه المهام على وجه التحديد. أما وأنك قد وجدت إشكالاً في عدم القدرة على الاستمرار، ولا أدري إن كنت تقصد الاستمرار في عملية ترجمة الكتب العربية ألى التركية والعكس، أم أنك تقصد أنك لم تعد قادرًا على الاستمرار في تعلم اللغة التركية خاصة، أم انك أصبحت (لأسباب لا نعلمها) غير راغب في الاستمرار في تعلم اللغات بشكل عام.
غير أنه في كل الأحوال، يجب ألا يعمل الإنسان في شيء لا يحبه، وألا يستمر في أي عمل لا يرغب في مواصلته، لأن الإرادة القوية والعزيمة الصادقة والرغبة الجارفة شروط أساسية للاستمرار والإنجاز والإبداع.
أنصحك باستشارة أكثر من شخص ممن لهم خبرة حياتية وتخصصية في ذلك , ثم تجمع كل تلك الآراء , ثم أوصيك أن تجلس مع نفسك منفردًا، وأن توجه لنفسك مجموعة من الأسئلة بمنتهى الشجاعة، وأن تجيب عليها بمنتهى الصدق والشفافية،.. هل أنا كنت صادقًا في رغبتي بتعلم اللغات؟، وهل مازالت هذه الرغبة موجودة أم أنها فترت وضعفت؟، وهل ما زلت راغبًا في تعلم اللغة التركية على وجه التحديد؟، هل الأسباب والمبررات والدوافع لتعلم هذه اللغة ما زالت موجودة؟، وما هي الطريقة التي أحب وأرغب في التعامل بها مع هذه اللغة؟......إلخ. بعدها خذا لقرار الذي سيهديك الله إليه.
وختامًا؛ أسأل الله عز وجل أن يهديك إلى الحق، وأن يثبتك على طريق الخير، وأن يقدر لك ما فيه خيري الدنيا والآخرة، وأن يصبرك على تعلم اللغات، وأن يجعل علمك هذا في ميزان حسناتك يوم القيامة، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مسئول وأعظم مأمول.. وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.