24 ذو الحجه 1440

السؤال

أنا شاب متزوج مند 5 سنوات، ولدي ولدان، مشكلتي هي أن أم زوجتي دائمة التدخل في حياتنا، لكن بطريقة غير مباشرة؛ حيث إنها تفرض رأيها على ابنتها، ثم تأتي زوجتي لتفرضه عليَّ، وإن رفضت تبدأ المشاكل، وتظل أمها تشجعها لتكمل تحقيق هدفها، حتى أصبحت لا أتحمل.
فمثلاً زوجتي تخاصمني مند شهر، والسبب أنها تريدني أن أبحث عن عمل إضافي، مع العلم بأنتي أعمل في شركة، والحال مستور، والحمد لله، ولكنها تبحث عن الغنى، ولم أجد الحل... أرجو أن تساعدوني... وشكرًا.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الكريم:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
فإن ما تشكو منه ليس جديدًا، وإنما هي شكوى غالب المتزوجين حديثًا، فهي ليست مشكلتك ولا مشكلة زوجتك حسب، وإنما مشكلة جيل من الشباب، من الرجال والنساء، الذين يحسنوا الاختيار، ولم يدققوا النظر قبل الزواج، بل إنها مشكلة جيل لم يمتثل لنصيحة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، والتي لخصها في كلمة "فاظفر بذات الدين تربت يداك".

 

وقد أرشد الإسلامُ، المسلمَ الراغب في الزواج، إلى اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين القويم، والخلق الكريم، والمنشأ الطيب، الودود الولود، وروى أبو هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "تُنكح المرأةُ لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" (أخرجه البخاري ومسلم).
 

والمقصود بذات الدين، الفتاة التي تربت على الالتزام بآداب وتعاليم وأخلاقيات الدين الإسلامي الخاتم، فتراها حريصة على إرضاء ربها، وطاعة زوجها، وإعطاء كل ذي حق حقه، ومن ثم فهي تعرف حقوق زوجها عليها، فلا تقصر في أدائها، فإذا رأها سرته، وإن غاب عنها حفظته في عرضه وماله وولده، لا تفشي سره، ولا تدخل بيته من يكره، بل إن الإسلام كره للمرأة أن تصوم "نافلة" وزوجها حاضر إلا بإذنه، وألا تنفق من ماله إلا بإذنه،.. إلخ.
 

وذكر الإمام ابن القيم (يرحمه الله) من مناقب أم المؤمنين السيدة رملة بنت أبي سفيان، زوج النبي (صلى الله عليه وسلم)، أنها أكرمت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يجلس عليه أبوها لما قدم المدينة لعقد الهدنة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين قريش ومنعته من الجلوس عليه لأنه كان يومئذ على الشرك ولم يكن قد أسلم.
 

وقد جاء في وصية أمامة بنت الحارث، لابنتها عند زفافها إلى ملك كندة: "يا بنية احفظي منه خصالا عشرا، تكن لك دركا وذكرا: أما الأولى والثانية: فالصحبة له بالقناعة، والمعاشرة له بحسن السمع والطاعة. فإن في القناعة راحة القلب، وفي حسن السمع والطاعة رضي الرب. وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لموضع أنفه، والتعاهد لموضع عينه. فلا تقع عينه منك على شيء قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح. وإن الكحل أحسن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود".
 

وتواصل "وأما الخامسة والسادسة: فالتعاهد لموضع طعامه، والتفقد له حين منامه. فإن حرارة الجوع ملهبة، وإن تنغيص النوم مغضبة. وأما السابعة والثامنة: فالإرعاء على حشمه وعياله، والاحتفاظ بماله. فإن أصل الاحتفاظ بالمال حسن التقدير، والرعاء على الحشم والعيال حسن التدبير. وأما التاسعة والعاشرة: فلا تفشي له سرا، ولا تعصي له في حال أمرا؛ فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره".
 

ثم تختتم نصائحها لابنتها فتقول لها: "ثم اتقي يا بنية الفرح لديه إذا كان ترحًا، والكآبة إذا كان فرحًا، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير. وكوني أشد ما يكون لك إكراما أشد ما تكونين له إعظاما. وأشد ماتكونين له موافقة وأطول ما تكونين له مرافقة. واعلمي يا بنية أنك لن تصلي إلى ما تحبين منه حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت وكرهت..".
 

وأنصحك- أخي الفاضل- ببعض الأمور، وهي:-
1) استعن بالله، والجأ إلى الله، وأكثر من الاستغفار، وتوضأ بالليل وصلِّ ركعتين من دون الفريضة، وبعد السلام توجه إلى الله بالدعاء، والتمس منه أن يصلح لك زوجك.

 

2) اجلس مع زوجتك، جلسة خاصة، منفرديّن، بعيدًا عن كل الناس، داخل البيت، فإن تعسر فخارج البيت، واجعلا هذه الجلسة للمصارحة والمكاشفة، ضعا أيديكما على أصل المشكلة، وناقشا سويًا الحلول المطروحة، والصعوبات التي تحول دون إيجاد حل نموذجي للمشكلة.
 

3) علمها– دون تعالٍ- أحكام الشرع الحنيف، فيما يخص علاقة الزوج بزوجته، وعرفها بحقوقها وواجباتها، وبيّن لها عظيم أجر طاعة الزوجة لزوجها (في غير معصية الله)، وأوضح لها ما ينتظر الزوجة العاقة لزوجها من غضب الله وعقابه.
 

4) تداولا سويًا ما ينتظر ولديكما من مصير سيء، حال وقوع الخلاف بينكما، أو لا قدر الله حال انفصالكما، وتذكرا سويًا أحلامكما الجميلة، والأيام الحلوة التي قضيتماها معًا، وأظهر لها أنك تحبها، وأنك حريص على استمرار حياتكما الزوجية.
 

5) اتفقا على أن تنسيا الماضي بمشكلاته وخلافاته، وأن يصفح كلٌ منكما عن الآخر، وأن تبدءا صفحة جديدة، ملؤها الحب، وملاطها الاحترام، وحوائطها الصفح الجميل، والأمل في المستقبل، والثقة في رحمة الله.
 

6) تعاهدا في نهاية المطاف على ألا تسمحا لأي أحد – مهما كانت قرابته- أن يتدخل في حياتكما الخاصة، بل اجلسا سويا وخططا لحياتكما، احصرا المطلوبات، ورتبا الأولويات، وفقًا للظروف والإمكانات، وافصلا حياتكما الخاصة ومشكلاتكما عن الناس، مع إمكانية مشاورة بعض من تثقون فيهم لخبرتهم او تخصصهم أو قدرتهم على تقديم النصح في بعض ما يعن لكما من مشكلات، تحتاجان فيها للمشورة من الغير، على أن يتم ذلك بالاتفاق بينكما.
 

7) احرص على بر أهلها، وخاصة أمها، لتوصل لها رسالة مؤداها أنك تحب أمها وتحترمها، من باب برك بزوجتك، وبمثل ما تحبها أن تفعل مع أهلك وخاصة أمك، دون أن تسمح لأحد حتى لو كانت أمك أن تتدخل في حياتكما. فقد أوصى الله المسلم أن يحرص على بر والديه، ومصاحبتهما، حتى وإن جاهدا على الشرك بالله عز وجل، قال تعالى: [وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] (لقمان/ 13- 15).
 

8) لا أرى حرجًا فيما تطالبك به زوجتك من البحث عن عمل إضافي، تزيد به دخلك، طالما أنه عمل حلال، إذا كان لديك وقت لا تستثمره في شيء نافع مفيد، أو إذا كان دخلك لا يكفي نفقات بيتك، أما إذا لم يكن لديك وقت بعد عملك الأساسي، أو إذا كان الله قد وسع عليك من رزقه، فعرف زوجتك أنك لست بحاجة للعمل الإضافي، وأنك تفضل أن تقضي هذا الوقت مع زوجتك وأولادك، وهناك حلٌ وسط، أقترح عيك وهو أن تفكرا سويًا في عمل مشروع تجاري أو صناعي صغير، في بيتكما أو محل بالقرب من منزلكما، المهم أن تعتمدا الحوار الهادئ والنقاش المفيد، وأن تتبادلا الرأي سويًا، فهو الحل لكل ما تعانيه أسرنا من مشكلات.
 

وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يصلح لك زوجك، وأن يصرف عنكما كيد الشيطان ومكره، وأن يرزقكما الحكمة، وأن يبارك لك في زوجتك وولديك. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.