الإعلام المصري وغياب تقاليد المهنة!!
19 شعبان 1434
علا محمود سامي

يجد الناظر إلى أداء أجهزة الاعلام المصري –بشقيه: العام والخاص- قاسماً مشتركاً بينهما، هو غياب المهنية، على الرغم من أن الفارق بينهما ينبغي أن يكون شاسعا، إذ إن الاعلام العام –أو الحكومي-ينبغي أن يكون إعلاماً معبراً عن الدولة بكل مكوناتها، فضلاً عن كونه إعلام الخدمة العام، بينما يباح للإعلام الخاص أن يكون أكثر تحرراً من الالتزام بهذه الخدمة.

 

ولأن الإعلام هو لمن يملكه ويموله، فإن الإعلام العام ينبغي أن يكون معبراً عن مالكيه، وهم الشعب في الحقيقة، ، بينما يعبّر الإعلام الخاص عن القطاع الخاص الذي يملكه، ويسيطر عليه.

 

وإذا كان هذا الأخير بالفعل يعبر عن ملاكه من القطاع الخاص، فإنه في حالة مصر بعد الثورة يبدو مشغولاً بمحاولة السيطرة على المتلقي وفرض رؤاه عليه، الأمر الذي جعله بوقاً دعائياً أكثر منه وسيلة هادفة للمتلقي .

 

وأمام هذا الدور افتقر هذا الإعلام إلى كثير من المعايير المهنية، ما جعله مسخاً وليس إعلاما بالمعنى المتعارف عليه حيث يجب عليه النهوض بواجب التوجيه الإيجابي والإرشاد ولذلك تحول هذا الإعلام من أداة للبناء، الى أخرى للهدم، ينظر إلى السلبيات ويضخمها، ولا يتطلع الى الإيجابيات ويبخسها قدرها.

 

على هذا النحو فَهِمَ هذا الإعلام الخاص دوره، مغلباً المصلحة الضيقة والآنية على حساب المصلحة الوطنية العليا، مع أن المفترض فيه أن يكون أنموذجاً لإعلام هادف لتحرره من تدخل الحكومة، ومن سيطرة البيروقراطيات عليه غير أن هذا الإعلام لم يكن على هذا السياق، وفق المشهد الذي يبدو حالياً في مصر، فهو الآن بمثابة المحرض على أعمال العنف، والساعي الى اثارة الفتنة، والترويج للشائعات، ما أفقده كل مهنية وصدقية.

 

إن الإعلام الخاص في مصر منذ انطلاق باكورته في العام 1997م ظل في معية النظام المخلوع بصور مختلفة، إلى الدرجة التي جعلته ينفذ العديد من الخطط لتشويه الإسلاميين على امتداد أربعة عشر عاماً. لكن المفاجأة الكبرى مثلت في اسمرار الإعلام الخاص بممارسة الدور السلبي نفسه بعد ثورة 25 يناير، عن طريق التشويه والتدليس، والترويج للشائعات والأكاذيب.

 

فهذا الاعلام يحرص منذ الثورة، وتحديداً بعد صعود الإسلاميين إلى رئاسة الجمهورية عقب انتخابات نزيهة وحرة، يحرص على افتعال العديد من الأزمات، مستغلاً في ذلك حجم التحديات التي تتعرض لها مصر، الوطن والشعب، وغياب ما هو أبرز وهو الضمير المهني، الذي يبدو أنه ضل طريقه لدى هذا الإعلام فلم يعد يفرق بين الخبر كعنصر مكتمل الأركان في عملية الاتصال، وبين إبداء الرأي، وإقحامه في سياق المقالات أو التحليل، الأمر الذي الى أسفر عن خلل في هذه العملية، لتصبح فاقدة المضمون، معتمدة في كثير من الأحيان على المعلومات غير المدققة، أو تبني لون واحد من الرأي، دون الآراء الأخرى.

 

وبالمقابل، ظل الاعلام الرسمي أو الحكومي على النهج ذاته، حتى أصبح الاستثناء في النمطين الاعلاميين، أن الإعلام الخاص حريص كل الحرص على مصالح ملاكه، وأن الاعلام الرسمي لا ينظر بكثير من الاهتمام لصالح ملاكه، وهو الشعب، فضلاً عن غياب المهنية في كليهما، حتى أصبح السبق دائما على حساب الموضوعية والتثبت من صحة الوقائع وتفاصيلها.

 

وربما كان استشعار الاعلام الخاص بأن ملاكه هم الأكثر حرصا على استمراره وفق ما يحقق لهم من مكاسب مادية أو يدعم غرضا فكريا، هو الدافع وراء ما يؤديه من ألوان وفنون إبداعية ما يجعله جذبا للمشاهدين، على خلاف الاعلام الحكومي، الذي لا يرى عاملوه مثل هذا الاهتمام، ومن ثم يعزفون عن القيام بدورهم، ولذلك تبدو شاشته دون المستوى، خلاف عناصر الكفاءة والمهنية.

 

إلا أنه مع ذلك، فإن الطرفين يعانيان من أزمة الحضور الجماهيري، خاصة بعدما فقدا شعبيتهما في البلاد، وأصبح المواطن المصري يتطلع الى ما هو أفضل منهما، غير أن الواقع يؤكد أنه ليس هناك بديل ثالث حتى الآن.

 

ومن المؤكد أنه لو كانت هناك أجهزة محاسبة شفافة تتابع أداء الفضائيات العامة والخاصة، لعملت هذه الأجهزة على تصويب أداء هذه المحطات في إطار من الالتزام بتقاليد المهنة الإعلامية واحترام أسسها ومعاييرها، وفق ما هو معمول به في دول العالم، غير أن "رخاوة الدولة" في ظل ما تعانيه من تحديات كان عاملاً لعدم تحقق هذا الوضع. وربما يكون إنشاء مجلس أعلى للإعلام والصحافة وفقاً للدستور الجديد بمثابة انطلاقة جديدة للإعلام المصري، وتوديعاً في الوقت نفسه لحقبة إعلامية مريرة، وصولاً إلى تصويب بوصلة الإعلام المصري برافديه، ليصبح إعلاما بنَّاء، يجمع ولا يفرق، يدرك تحديات واقعه، وما تخطط له الثورة المضادة.