تتعرض الأمة الإسلامية إلى جميع أنواع الحروب العدائية الظالمة، ومنها الحرب الثقافية الممنهجة، التي تستهدف جانب كبير من تاريخها. إذ إن هناك خطة لإظهار التاريخ الاسلامي القديم منه والحديث بشكل سلبي، وذلك لقتل روح الاعتزاز بالتاريخ لدى المسلمين، من خلال اختلاق تاريخ مُوازٍ يهدف لازدراء المسلمين لتاريخهم ولا سيما الرجال الذين صنعوا الملاحم والبطولات وحققوا الأمجاد التاريخية مثل السلطان سليمان القانوني،الذي عرف في أوربا باسم سليمان العظيم.
تشويه التاريخ:
سقط اللوم الذي يتم توجيهه للمسلمين بدعوى أنهم يعيشون في التاريخ، وانشغالهم بأمجاد الماضي وليس صنعها في الوقت الراهن، وتبين تهافت ذلك القول، حيث تولى صدارة الحكم والتوجيه الثقافي من خلفوا الاستدمار الغربي، كوكلاء لا أكثر، ومنعوا استئناف الدورة الحضارية على أسس الإسلام دهرا.
وعندما بدأت الأمة تعي دورها وتصنع ثورتها وتدفع برجالاتها للحكم، نسي أعداء الأمة ما كانوا يعيرون به الأمة من العيش في التاريخ، وطفقوا يشوهون ذلك التاريخ حتى لا يكون للأمة سابقة حضارية تشجع أجيالها وتحيي الأمل في استعادة مجدها الغابر، وطاقاتها المعطلة، وتتجاوز حالة العطالة التي تعاني منها في ظل الاحتلال وتلامذة الاحتلال الذين تصدروا المشهد عقودا من الزمن.
والحقيقة هي أن تشويه التاريخ الإسلامي، كان أحد أكبرأهداف الاستشراق الغربي، بدءا بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة، والخلفاء، والتاريخ الإسلامي الممتد حتى اليوم. لكن الأهداف تضاعفت في المدة الأخيرة، وتحولت إلى مشاهد من خلال المسلسلات التاريخية، وانتقلت من بطون الكتب إلى المنازل واقتحمت على الناس مجالسهم. ومن ذلك مسلسل" حريم السلطان، سليمان القانوني، وهو من أعظم القادة المسلمين من بعد القرون الثلاثة المفضلة فبعد فتح محمد الفاتح للقسطنطينية عاصمة بيزنطة، جاء من بعده سلاطين عظام منهم بايازيد، وسليمان القانوني، وفتحوا عواصم أكثر من 8 دول في أوربا منها صربيا بعد موقعة 1389م، والمجر، ويولندا، وبلغاريا، ومقدونيا، ورمانيا، واليونان، وألبانيا، وجزءا من روسيا.
وكان لتركيا دور كبير، في حماية بلاد المسلمين، من البرتغاليين الذي أرادوا احتلال الخليج العربي، والاسبان الذين حاولوا احتلال المغرب الاسلامي الكبير وغيره، ولم يتمكنوا من ذلك إلا بعد أن سقطت الخلافة بتآمر طوراني، وعربي، صدق وعود الانجليز الزائفة ووعود الفرنسيين الغادرة.
حريم السلطان:
عنوان المسلسل، يكفي للدلالة عليه، فهو يختصر حياة قائد عظيم، في مجموعة من النساء، ومن الجواري، وكؤوس الخمر التي لم يكن السلاطين العثمانيين يتعاطونها، وخضوع الرعية للسلطان فيما يشبه العبودية، وكلها من نسج خيال مؤلفة المسلسل، التي ماتت بالسرطان. وقد حاولت ترسيخ تصورات الغربيين عن المسلم وهي صورة الشهواني، والغارق في مباذله، ونزواته، وهي صورة ملوكهم التاريخيين رموا بها سلاطين وحكام المسلين العظام، وهي أقرب لحياة عملائهم منها لأولئك الأبطال الذي سطروا أمجاد الأمة وحققوا حقيقة الاستعلاء الحضاري. سواء في تعاملهم مع الأقوام الذين فتحوا أراضيهم حيث آمنوهم على ممتلكاتهم ودور عبادتهم، وأعراضهم، وهو ما لا نجد له نظير اً في الجانب الغربي عندما غزوا أراضي المسلمين في القديم وفي الحديث. سواء الحروب الصليبية المعروفة، أو العدوان الذي تعرضت له الامة الاسلامية باحتلال أراضيها واستعباد أهلها، وتركها نهبا للتخلف والاستبداد الذي لا تزال تعيش آثاره حتى اليوم.
لقد تعرضت الخلافة العثمانية، للكيد والمكر من الداخل والخارج، ولعبت الأطماع النسوية، دورا في سقوطها بعد سالف العظمة. وحصلت هناك مؤامرات هدفها الاستيلاء على الحكم،أو توسيده لابن من أبناء نساء السلطان، وحصلت جرائم بسبب المكر والكيد، ولا سيما بعد تزوج السلطان من روكسلانا الروسية، التي اشتغلت بالدسائس وساهمت في هزيمة العثمانيين في معاركهم ضد بلدها روسيا. وساعدها على ذلك الصدر الأعظم رستم باشا، ودفعت السلطان لأن يقتل ابنه يزيد، الذي كان على جبهة محاربة الدولة الصفوية، بعد أن أوهمته بأن ولده يريد الاستيلاء على الحكم.
من هو سليمان القانوني:
هو سليمان خان الأول بن بايزيد بن محمد الفاتح، كان عاشر السلاطين العثمانيين (1520/1566م) وكانت تركيا في عهده في قمة المجد العسكري، والاقتصادي، والسياسي، وكان ملوك أوربا يهابونه، ويعقدون معه التحالفات، كما فعل ملك فرنسا،شارل الخامس، وفي عهده سيطرت البحرية العثمانية على البحار ولاسيما البحرين: الأحمر، والأبيض المتوسط، والخليج العربي.
كان سليمان القانوني أديبا وشاعرا وناقدا، ومولعا بفن العمارة التي ازدهرت في عهده وراعيا لكل ذلك. علاوة على إتقانه عدة لغات منها العربية، والفارسية، والصربية الجغائية، وهي من مجموعة اللغات التركية، ومرتبطة بالأوزبكية (أوزبكستان) والإيغورية، التي يتحدث بها سكان تركستان الشرقية، المحتلة من قبل الصين حتى اليوم.
نجح سليمان القانوني، في الحفاظ على الدولة العثمانية، وساهم في توسيع رقعتها فضلا عن فرض هيبتها في الداخل والخارج، وهو لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره. وكانت الخلافة العثمانية من القوة والمنعة حداَ جعل فرنسا تطلب مساعدة سليمان القانوني في حربها مع المجر، رغم قوة فرنسا آنذاك وسيطرتها على جزء كبير من أوربا بما فيها أهم المقاطعات الألمانية اليوم.
وشهدت البحار انتصارات للاساطيل العثمانية، على نظيراتها الايطالية والاسبانية وسيطرة مطلقة قبل أن تنحدر الدولة تحت ضربات الداخل بما في ذلك دائرة القصر والأقاليم، وتمرد الأراضي المفتوحة الشاسعة في آسيا وأوربا الشرقية، وعلاوة على عداء الدولة الصفوية، التي هاجمت الدولة العثمانية عندما كانت الجيوش الاسلامية تحاصر فيينا.
كما لا ننسى محاولات الانفصال في الشام ومصر تغذيها أطراف خارجية بما فيها بريطانيا للثورة على الخلافة العثمانية، وما إن حلت عشرينيات القرن العشرين الميلادي حتى اتفقت بريطانيا وفرنسا على تقسيم تركة الدولة العثمانية في الاتفاق الشهير بين وزيري الدولتين والمعروف باسميهما "سايكس بيكو".
في عام 1463 م فتحت الدولة العثمانية، البوسنة على يد محمد الفاتح، وفي 1521 م فتحت بلغراد على يد سليمان القانوني، أي بعد موقعة كوسوفا في 1389 م. وفي 1526 م انتصر الجيش المسلم على الجيش المجري، وتسلم سليمان القانوني مفاتيح العاصمة بود، وجارتها بست التي تعرف حاليا باسم بودابست. وفي أوج قوة الدولة العثمانية أرسل سليمان القانوني قوة عسكرية لطرد البرتغاليين من أندونيسيا التي أرسلت نداء استغاثة للسلطان. وفي 1538 م انتصر خير الدين برباروس، على الأسطول الإسباني، وأصبح المغرب الاسلامي ضمن الخلافة العثمانية.
ولم يكن سليمان القانوني مقاتلا شرسا، وعارفا بالقانون فحسب، ولا أديبا شغوفا بالثقافة فقط، بل كان مهتما بالمعمار والبناء والتشييد ومساجد تركيا، وجسور أوربا الشرقية خير شاهد على ذلك. كما عرف فن الخط والنمنمات نموا كبيرا في كنف رعايته، والتي أرخت للاحداث ولاسيما الملاحم العسكرية في عهده. ومن أشهر الشخصيات في عهده، المعماري الكبير سنان آغا، والخطاط حسن أفندي القرة حصاري، الذي تعود أصوله إلى البوسنة والهرسك. والمفسر الكبير أبو السعود أفندي صاحب التفسير المعروف باسم "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم".
توفي سليمان القانوني، والخلافة العثمانية في أوج قوتها، وأراضيها مترامية الاطراف من أواسط آسيا شمالا إلى شمال افريقيا ووسطها جنوبا ومن أوربا غربا إلى الدول العربية شرقا بما فيها فلسطين. وقد ذكره وليام شكسبير في مسرحية تاجر البندقية، وامتدحه المفكر الفرنسي جان دي تيفينوت، وذكر مناقبه على مستوى التخطيط الداخلي للدولة. ويعتبر عهده، العهد الذهبي للخلافة العثمانية، ولا تزال آثار القانوني حاضرةً إلى اليوم ومنها مسجده المعروف باسمه في تركيا وهناك مساجد ومواقع معروفة باسمه إلى اليوم.
هذا غيض من فيض مما قدمه سليمان القانوني، الذي لم يكن زير نساء، ولا مدمن خمر، ولكن الصغار عملاء الاستعمار يريدون أن يقدموه لنا كذلك،فلا نامت أعين الجبناء.