ملامح الحل الدولي لأزمة سوريا (1)
1 جمادى الثانية 1434
أمير سعيد

تحريراً للعنوان؛ مفهوم الحل يعني فك أزمة الغرب والشرق في سوريا، ولا يعني بالتأكيد عملاً تطوعياً غربياً أو شرقياً لمساعدة الشعب السوري على تحقيق مطالب ثورته البطولية، وحل مشكلته بما يرتئيه ويرتضيه لنفسه.

 

والتعبير عن الغرب يشمل تحديداً الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا.. كذلك الكيان الصهيوني.. والشرق يقصد روسيا والصين وإيران.. وكلا الفريقين تتقاطع وتتعاكس مصالحه وبالتالي فيمكننا أن نتصور أن ثمة مرتكزات محددة في كل سياسات تلك الدول، تجمع القاسم المشترك لها، قبل الحديث عن افتراقها عند نقاط الخلاف، فالمرتكزات التي تقوم عليها تلك السياسات، هي الحفاظ على "أمن إسرائيل"، وإدامة التوازن الإقليمي الاستراتيجي، وكبح جماح التغيير في المنطقة، العمل على إجهاض قيام أنظمة أو أحلاف مستقلة في الإقليم، وضمان ديمومة احتفاظ الأقليات بنفوذها الاعتيادي.
وفي التفاصيل، أن تحديات الدول ذات النفوذ في الإقليم تتمثل في ضرورة بقاء المعادلة الحاكمة للعلاقة بين سوريا و"إسرائيل" في إطار ما يحكم حالة الهدنة في الجولان (1974) والضم "الإسرائيلي (1981)، وهو حالة تمنح طرفي المعادلة، "إسرائيل" بجميع مكوناتها البشرية، وسوريا بنظامها وحده الاستقرار على أرضية أداء الدور الوظيفي بحماية "إسرائيل" تحت غطاء البعثية والعروبة، وبتوفير حكم أقلوي يأرز إلى الطائفية كضمانة لاستمراره؛ فيما تتمتع "إسرائيل" بالأمن بتوفير مقومات بقاء حكم الأقلية العلوية تحت ضغط الغالبية..

 

الخطر "إسرائيلياً" أن حكم الأكثرية ناقض لهذه التركيبة، ويمنح الحكام الجدد هامشاً واسعاً وظهيراً جماهيراً ممكناً في حال قيام دولة سورية ثورية مستقرة لا يلجئهم إلى تسول "الشرعية السلطوية" من الآخر على الجانب الغربي من الجولان المحتل، كما أنه من زاوية أخرى تدرك القوى العالمية أن فكرة تمييز الأقليات في المناطق المحتلة أو ذات النفوذ "الاستعماري" ضمانة لاستمرار التدجين والإخضاع للدول التي توضع تحت ظرفية استثنائية من اختلال مفهوم المواطنة "الحديث" أو العدالة "الإسلامي"، حين يكون اللجوء إلى التمييز الإيجابي سلماً للتطويع الدولي أو الإقليمي، ومن زاوية ثالثة؛ فإن انهاء حكم الأقلية في سوريا يؤدي بالضرورة إلى إخلال بالتوازن الإقليمي الذي بني قبل الربيع العربي على كفتي "الاعتدال" و"الشر" الافتراضيين، الذين كانا يقدمان معاً في الجملة فرصة سانحة للقوى الغربية والشرقية للاستنزاف الثروات عبر سباق التسلح المحموم، علاوة على ما يلزم به من إيجاد قواعد أو حمايات أجنبية في المنطقة، وكذلك ما يترتب على ذلك عن توجيه الاستثمار المحلي والبيني العربي والإقليمي، ومن زاوية رابعة؛ فإن انتهاء الثورة "نهاية شعبية سعيدة" يترجم تلقائياً إلى استئناف قطار الربيع العربي بعد توقفه قسرياً بسبب التعويق الحاصل في دول الربيع سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وفي قلبه الثورة السورية التي لا تعد من حيث فداحة فاتورتها البشرية والمادية مشجعاً على تكرارها في المنطقة، وفي آخر الزوايا فإن تعويق الثورة السورية يفضي إلى أغلاق شهية الراغبين في صناعة أحلاف إقليمية مستقلة في المنطقة، لاسيما الإدارة المصرية الحالية الراغبة في إقامة علاقات وثيقة بدول مؤثرة في المنطقة خارج السياق النمطي التي اعتادته أو ترغب به الدول الكبرى.
وإن ما تقدم، يفرض على صناعة القرار في عواصم التأثير الدولية البحث عن صيغة إما تضمن بقاء النظام الحالي، أو تطعيم النظام الجديد بعناصر مؤثرة كثيراً من النظام الآخذ في الذبول..

 

والشرق، وإن كان مصراً في وقت سابق على المضي قدماً في دعم نظام بشار حتى الرمق الأخير؛ فقد أيقن الآن أنه لابد له من السير في "الطريق الواقعي" الغربي بتغيير رأس النظام والاستعانة بمراكز قواه داخل النظام الجديد، وهو ما بدا أنه قد استقر إليه الأمر في نهاية المطاف.

 

ومن نافلة القول، أن قمة الدوحة قد كشفت عن أن بقاء بشار الأسد في دمشق تحديداً كرئيس لسوريا كلها قد صارت مستحيلة مع نزع الشرعية عنه عربياً والتلويح بها دولياً، كما أن الأوضاع الميدانية تؤكد بجلاء على هذا المعنى، لا من حيث الانتصارات العسكرية التي يحققها الثوار لاسيما في الجنوب مؤخراً وريف دمشق فحسب، وإنما أيضاً في التكتيك العسكري والعتاد الذي تغير نوعاً ما في الجنوب والشمال ليصبح مؤهلاً للقيام بدوره النهائي على مدى الأسابيع أو الشهور القليلة جداً،القادمة.

 

وإذا كان هذا قد استقر في أذهان حكومات الدول المؤثرة ـ أو هكذا يفترض ـ فإنه يؤشر على أحد  أمرين، إما أن تطوراً دراماتيكياً قد جرى على الأرض دون تدخل دولي وإقليمي، وهذا مستبعد أو حالم نوعاً ما، أو أن هذه الدول قد بدأت تحسم خيارها وتنفذه بالفعل، وتنفيذه لا يعني رغبة "ضمائرية جوفية"، وإنما تطبيق ميداني يجد طريقه لتغيير قواعد اللعبة في الداخل السوري.

 

والخيار الثاني هو المتوقع دوماً لكن من دون التغاضي عن أن نجاحات الداخل ليست عفوية كلياً، وليست مبرمجة أيضاً، وإنما خليط من هذا وذاك..
ولذا؛ فإن تغيير قواعد اللعبة هو ما يتم اللجوء إليه لتجاوز استحقاقات معينة تتعلق بملفات عديدة، وهو ما يحتاج لتفصيل في جزء تالٍ، بإذن الله..