هذا الكتاب الذي ألّفه الأستاذ: وليد بن صالح الرميزان، عبارة عن تطوير لرسالة ماجستير للباحث المذكور عنوانها: الخطاب الليبرالي الخليجي 1991-2005م /دراسة تحليلية نقدية.
وللرسالة المشار إليها قصة يرويها المؤلف وهي تلخيص مكثف لسيطرة الليبراليين المفزعة حتى على مراكز العلم والبحث العلمي، فقد عانى الرجل معاناة طويلة وبشعة من هؤلاء، الذين عرقلوا بحثه للماجستير بأساليب ووسائل ملتوية، لكنها تقطع بأنهم إذا تحكموا في مفاصل الحياة احتكروها ومارسوا على مخالفيهم إقصاء مخيفاً. وما انتهى المؤلف إلى اعتماد رسالته إلا بعد شكاوى متكررة ومماطلات تعطيلية مُضْجِرة، وبعد اضطرار الباحث إلى إدخال تعديلات على خطة البحث، بصورة غير مألوفة في الجامعات الرصينة!! والأعجب أن إيذاء تجار الحرية هؤلاء نال المشرف على الرسالة كذلك!! وأن أحد المسؤولين في القسم صارح الباحث على انفراد بأنه لن يسمح بمرور رسالة تتناول أفكار تركي الحمد، علماً بأن الرسالة تناقش الأفكار لا الأشخاص، وأن اسم الحمد لم يكن وارداً فيها أصلاً.
المهم أن الكتاب في وضعه الراهن تجاوز تلك القيود ليبحث في تعريف الليبرالية ونشأتها ومجالاتها ومراحل تطورها ومجالاتها، والقيم والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها. ثم يبحر المؤلف في رحلة تعرض تطور الليبرالية في عالمنا العربي المنكوب بالتغريب بعامة وبها بخاصة، مع بيان أبرز مظاهر الليبرالية في بلاد العرب، ليلج البحث بعدها إلى نشأة الليبرالية في منطقة الخليج العربي وتطورها فيها، مع تجلية أهم "مُسَلّماتها" مثل حتمية اللحظة الليبرالية وحصر التخلف في نطاق الثقافة لأسباب مراوغة، وضرورة العلمنة ونسبية الحقيقة واعتماد الغرب أنموذجاً معيارياً فالحضارة هي ما يقره هذا الغرب والتخلف كل مايرفضه!!
وفي قضايا الليبرالية في الخليج العربي يُعَرّج المؤلف على قضية الديموقراطية والإصلاح السياسي، وقضية الثقافة والدين والتراث، وقضية المرأة، وقضية التعليم.
ثم نطالع رؤية نقدية متمكنة تعبر عن شخصية الباحث وقدرته على المحاججة العلمية القوية، إذ يأخذ على الليبراليين الخليجيين-بسبب قربهم الجغرافي واتصال نشاطهم الهدام بالتأثير في بيئة الباحث وإلا فهم ليسوا سوى نسخة مسخ من الليبرالية الأم بشرورها ورزاياها القاتلة-، يأخذ عليهم توهمهم أنهم يحتكرون الحقيقة-من المفارقات أن احتكار الحقيقة هو الاتهام السائد لدى الليبراليين في حق كل من يخالفهم-وتعاملهم العملي مع الليبرالية كنسق فكري مكتمل ومغلق-وهم يزعمون النقيض تماماً-كما يسجل الرميزان عليهم ما يصفه بالـ"التمويه" وهي كلمة مهذبة لا تكفي لبيان مدى خداعهم!!....
فالكتاب قَيّمٌ حقاً ويستحق القراءة المتأنية، وبخاصة أن لا يكتفي بالسرد التاريخي والتوثيق -على أهميتهما-وإنما يناقش ويواجه البهتان بالدليل المفحم.
ولأن الله تعالى أبى أن يكون الكمال لغير وحيه سبحانه، فإنني لاحظتُ على المؤلف الفاضل عثرة غير متعمدة بكل يقين، إذ أدرج بين دعاة التغريب في مصر اسم محمد حسن الزيات وهذا غير صحيح وربما كان يقصد الأديب المصري المعروف أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة، وهنا ننتقل من زلة عابرة إلى اتهام جائر في حدود اطلاعي المتواضع، فأحمد حسن الزيات رجل محسوب على المحافظين من قبل ومن بعد.
كما وقع الرميزان في غلطة أخرى عفوية، تتعلق بواحد من تغريبيي الخليج الفاقعين القَطَري عبد الحميد الأنصاري الذي يبشرنا بديموقراطية القاذفة الأمريكية بي 52 بعد الغزو الصليبي لكل من أفغانستان والعراق 2001 و2003م لكن المؤلف يخلط اسمه في هامش الصفحة 117 ليصبح عبد الحميد محمد جابر الأنصاري والواقع أن محمد جابر الأنصاري كاتب بحريني.
وكنتُ أتمنى أن يخلو كتاب مفيد كهذا، من الأخطاء اللغوية الكثيرة ومن الركاكة في بعض العبارات مثلما نجد في الصفحة 179:.....ومن هنا يرى أن على الواقع الخليجي –في كونه عدم وجود تلك القيم والمبادئ في بنيته الثقافية-لا مجال أمامه.....!! فحبذا أن يعهد المؤلف بهذه المهمة إلى مدقق لغوي متمكن، فسلامة العربية من أبرز نقاط صراعنا الجذري مع التغريبيين لأنها لغة القرآن الكريم والسنة النبوية وتراثنا الغني الذي نعتز به.