عندما يبكي صدام حسين ولا نتعلم
17 جمادى الأول 1434
أحمد عجاج

رئيس تحرير صحيفة القدس العربي، عبد الباري عطوان، كتب في افتتاحية عنوانها " عندما يبكي اعداء صدام حسين ندما"، يقول فيها انه كان قد تنبأ بأن الشعب العراقي لن يسكت على الغزو الامريكي، وان الديمقراطية لن تحل في ربوع البلاد، وان الذين تآمروا على العراق يشعرون بالندم، وان صدام حسين، رغم ديكتاتوريته، مات شجاعا، ووحد العراق ووفر الامان. لا احد يختلف مع هذا التوصيف في المطلق، ولكن ما نختلف حوله: لماذا انفرط عقد العراق بعدما وحده صدام حسين، ولماذا هاجمت امريكا العراق، ولماذا تعاون المالكي وامثاله مع الامريكان، وكيف نتخلص من هذه الدوامة التي وقعنا فيها حيث اصبحنا نبكي على عهد المستبدين؟ هذه اسئلة مشروعة جدا، ولا بد من الاجابة عليها، وإلا لسرنا في الوجهة الخاطئة، ولكررنا، كما يحدث دوما، مآسينا، بدم بارد، وخسائر فادحة.

 

لنعد للبداية لنرى ان صدام حسين لم يكن مُخلصا، ولم يكن حاكما عادلا، ولم يكن يوما يستحق الحكم؛ هذا الرجل إذا ما راجعنا تاريخه، لن نجد فيه ملامح الحاكم الذي يريده الشعب، بل هو رجل جاء عبر التآمر، واستخدم القوة، والتعذيب بأبشع حدوده، من اجل ضمان بقائه في السلطة، وخاض حروبا بالوكالة، وحربا مباشرة، لم يجن منها الشعب العراقي ولا العربي اية فائدة. لقد اثبت حكم صدام انه حُكم  الطبقة الاوليغارشية المتسلطة، والتي تخطط للشعب ما تراه هي مناسبا، وتتحكم في كل مفصلة من مفاصل حياته، وتؤله الزعيم، وترفعه  الى مصاف اقرب الى الانبياء، إن لم نقل اكثر. ورغم كل اخطاء صدام حسين، ورغم كل مغامراته السابقة على غزو الكويت، فإنه ارتكب الخطأ الاكبر عندما لم يفهم، وهذا شأن المستبدين، مخاطر الاضرار بالمصالح الامريكية، والمخاطر المحدقة به بسبب تسلحه المفرط، وقدرته على الصناعة العسكرية، ولو انها في مراحل بدائية.

 

قد يقول قائل ان قيادة الكويت دفعته لذلك من خلال شن حرب اقتصادية عليه، وقد يقولون كذا وكيت، ولكن المسؤول الاوحد هو صدام لأنه صاحب القرار ولأنه يجب ان يعرف، ولأنه يملك كل مقومات المعرفة لما يملكه من اجهزة متعددة ومتشعبة. لم يفهم صدام حسين مغزى كلام السفيرة الامريكية غلاسبي، ولم يفهم تحذير وزير الخارجية الامريكي، جيمس بيكر، لطارق عزيز بأن امريكا لن تتسامح معه إذا لم يخرج صدام من الكويت، ولم يعقل قول بيكر بأن هذا ليس مجرد تهديد بل وعد ناجز! وقع صدام في المطب، واوقعنا نحن العرب جميعا معه!

 

 نترحم على صدام حسين، ونطلب المغفرة له، فهو مات على شهادة سمعناها امام الملأ، ولم يجزع، وهذه تحسب له؛ لكن بالمقابل يجب ان لا نضع كل بيضنا في السلة الامريكية، كما فعل صديقنا عبد الباري عطوان، فالمسؤولية تتوزع على كثيرين، واولهم، واكثرهم خطرا ايران؛ لقد فعلت ايران في العراق ما لم تفعله امريكا، ودمرت مكوناته ونسيجه الاجتماعي، لا عن جهل بل عن قصد، ولم نسمع احدا يتحدث عن هذا. فأمريكا لا تريد خيرا بنا، ولكنها لا تمانع في ديمقراطية مزيفة، ولا حتى ديمقراطية عادية، وهي كانت تتمنى لو ان العراق نجح كتجربة ديمقراطية لأن ذلك كان سيخفف عنها الكثير من التكاليف. لنكن صريحين، ونسمي الاشياء بمسمياتها، ونقول ان الدول العربية اخطأت كثيرا عندما لم تفهم تداعيات ازاحة صدام، واخطأت اكثر عندما لم تسارع الى لملمة تلك التداعيات وتركت المسرح خاليا للأمريكان يمارسون طيشهم، وللإيرانيين يمارسون لعبة تفتيت العراق؛ إن التلميذ العادي يدرك ان العراق خطر على ايران، وان القيادة الايرانية، بعد حرب الثماني سنوات، وقوله ان تجرع السم اهون عليه من وقف الحرب مع العراق، ادركت ان العراق يشكل خطرا استراتيجيا عليها، وبالتالي فإنها امام خيارين لا ثالث لهما: إما عراق تابع لها، واما عراق طائفي متضعضع ضعيف غير قادر على تهديدها.

 

لقد خططت ايران قبل الغزو، ووقع الزعماء العرب في المطب، واقول وقعوا، مطمئنا، عن غير قصد، لأن ما يرونه الان في العراق، وفي سوريا، وبعض الدول العربية، لم يكن يدر بخلدهم؛ لقد خططت ايران، الدولة  الممانعة، وبالتعاون مع الشيطان الاكبر، امريكا، من اجل اجتياح العراق، وفتحت اجواءها، وافشت كل المعلومات السرية لديها التي حصلت عليها من عملائها في الداخل العراقي، وادخلت فيلق بدر وغيره ليقاتل، مع القوات الامريكية، ابناء العراق؛ لم تكتف ايران بذلك بل ساهمت في ادخال العنصر الطائفي للعراق، ووضعت، بمساعدة الامريكان، كل مناصريها، وعملائها، في مراكز القوى، وشجعت، من جهة اخرى، آخرين، على قتال الامريكان، فأصابت عصفورين بحجر.

 

هذا السلوك ينصب في خدمة مصالح ايران، ومن حقها كدولة، ان تسعى لحماية مصالحها، ولكن بالمقابل، من العدل، ان نكشف ذلك من باب النقد ومراجعة الذات، ولا نعلق كل شيء على شماعة امريكا. وها هي ايران تمد نفوذها، وادواتها، الى دمشق، لتدعم اعتى الانظمة القمعية، ومن خلال حكومة المالكي، التي بدأ الامريكان يحتجون على فتح اجوائها امام الطائرات الايرانية الناقلة للأسلحة، والمساعدات للنظام السوري. ما نود قوله ان تجربة العراق يجب ان تعلمنا ان نفكر في حالنا، ونعرف من هم اعداؤنا ومن هم اصدقاؤنا، وان نرسم المستقبل بثقة، وامل. لقد ذهب صدام، ومات موتة شجاعة، وهذه تحسب له، ولكن يجب ان لا ننسى انه السبب الاول في المأساة، وانه حكم بالحديد والنار، وفرض على شعبه، نظاما بعثيا، يتناقض مع معتقده، وتاريخه؛ وقرر بمفرده ان يرسم العراق الذي يريده هو لا الذي يريده ابناؤه؛ كانت النتيجة ان مات مشنوقا على حبل المشنقة، ومعه نشهد اليوم موت العراق، وتشرذمه الى طوائف، واعراق. إن اعداء العراق لن يبكون ندما، لأنهم كانوا يعرفون ماذا يفعلون، لكن المشكلة اننا نحن لا نعرف، ولا زلنا بعد مرور تلك السنين، نعيد مضغ الماضي، ولا نتذكر من كل ما حصل سوى ان صدام مات بطلا، وان عراقه كان افضل من العراق الراهن، وهذا إذا ما استمرينا على هذا المنوال فإننا سنكون، بالفعل، كالنعامة التي تطمر رأسها في الرمل لكي لا يراها الصياد.