تمر المملكة في هذه السنوات بحراك تنظيمي متسارع، يهدف إلى تحديث الأنظمة القديمة، وإصدار أنظمة جديدة لتطوير الأداء العام لمؤسسات الحكومة، والرقي بالخدمات المقدمة من قبلها، وتنظيم وضبط المراكز والعلاقات النظامية العامة والخاصة في الدولة والمجتمع، وحفظ الحقوق لأهلها، وهذا أمرٌ محمودٌ، يحمد للسلطة التنظيمية في المملكة.
وفي خضم هذا الحراك صدر مؤخراً "تنظيم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" بقرار من رئيس مجلس الوزراء، ومتوج بموافقة ملكية، وذلك بعد ما مر على نظامها السابق 34 سنة، أنشأت خلالها هيئة التحقيق والادعاء العام، وتولت مهمة التحقيق والادعاء أمام المحاكم، وصدر خلالها –كذلك - نظام الإجراءات الجزائية، ونقلت بسبب ذلك بعض الصلاحيات الواردة في نظام هيئة الأمر بالمعروف السابق إلى هيئة التحقيق والادعاء العام.
كما أن التطورات التي مرت بالمجتمع وبمؤسسات الدولة النظيرة والمشاركة للهيئة في بعض مهامها خلال العقود الأربعة الماضية تتطلب إعادة صياغة دور الهيئة ومهامها بما يتوافق مع المستجدات، لذلك وغيره اشتدت الحاجة إلى تحديث نظام الهيئة السابق.
وفي هذه العجالة أود أن أقف مع تنظيم الهيئة الجديد الصادر هذا العام عدة وقفات تحليلية موضوعية استجلي فيها بعض معانيه، وأقارنه بالنظام السابق، وسأبتعد في هذه الكتابة عن الجدل النظامي الدائر حول الأداة التنظيمية التي استخدمها المنظم في إصدار هذا التنظيم، ومبررات اللجوء لها، ومدى دستورية ذلك، باعتبار ذلك جدل فقهي في النواحي الشكلية، وهذه الكتابة موضوعية بحتة، بالإضافة أن الأدوات التنظيمية الاستثنائية التي تستخدمها السلطة التنظيمية في المملكة تعاني من شيء من الغموض في نطاقها وشروط استخدامها، كما أن العرف التنظيمي المحلي هو الآخر يعاني من شيء من الاضطراب لاسيما خلال هذه الفترة الراهنة، وقد يكون لتسارع الحراك التنظيمي المحلي وللخصومات الفكرية الدائرة في المشهد السعودي تأثير على ذلك بطريقة أو بأخرى.
الوقفة الأولى:أدوار الهيئة
حافظ التنظيم الجديد للهيئة على أدوارها الرئيسية، والتي تشير إليها المواد (7، 8، 10) إجمالاً، وهي:
أولاً: الدور التوجيهي:
تنص المادة السابعة من التنظيم على أنه: "دون إخلال بما ورد في م (8) من هذا التنظيم، تتولى الهيئة مهمة الأمر بالمعروف والنصح والإرشاد والتوجيه بالتزام الواجبات الشرعية، والنهي عن المنكر".
ويشير النص إلى محورية الدور التوجيهي، وكونه دور رئيس، لا يقل أهمية عن دور الهيئة الجنائي والرقابي.
والقاعدة النظامية التي تتضمن هذا الدور حسب سياق المادة قاعدة آمرة، وبالتالي فالدور هذا بالنسبة للهيئة دور وجوبي.
ثانياً: الدور الوقائي (الضبط الإداري):
تنص المادة السابعة من التنظيم على أن من دور الهيئة: "الحيلولة دون ارتكاب المحرمات والممنوعات "، وذلك باتخاذ الوسائل المشروعة للحيلولة دون ارتكاب المحرمات والممنوعات.
والمقصود من المحرمات في النص النظامي كل ما حرمه الشارع، والممنوعات كل ما منع منه المنظم نفسه لمصلحة يتغياها أو مفسدة يتوقاها، وإن لم يأتي ما يوجب منعه شرعاً.
وقد استخدم المنظم في تقرير هذا الدور قاعدة نظامية آمرة، للدلالة على وجوب ذلك.
وقد صدر المنظم المادة السابعة الذي أوجب فيه على الهيئة القيام بالدور التوجيهي والوقائي بقوله "دون إخلال بما ورد في المادة الثامنة من هذا التنظيم تتولى الهيئة القيام بـ...."، وهذه لفتة حسنة من المنظم تشير إلى أمرين، وهما:
1. تقرير أهمية الدور الجنائي المناط بالهيئة.
2. ضرورة التوازن في قيام الهيئة بالتوجيه والوقاية، وأنه لا يسوغ أن يكون ذلك على حساب الدور الجنائي المناط بها.
ثالثاً: دور الهيئة في الضبط الجنائي
تنص المادة الثامنة من التنظيم على أن:"تقوم الهيئة -وفقاً للأحكام والإجراءات المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية - بضبط مُرتكبي المُحرمات أو المُشتبه بهم في ذلك –بمساندة أفراد الشرطة المرافقين لها، عند الحاجة-".
والمقصود بالضبط الجنائي هو اختصاص الهيئة باستقبال الشكاوى والبلاغات عن الجرائم والمخالفات التي تختص الهيئة بمعالجتها، وفحصها والتأكد من صحتها، واستيقاف المشتبه بهم والتأكد من سلامة وضعهم، وقبض مرتكبي المحرمات، وقد أحال المنظم الهيئة في إجراءات ممارسة هذا الدور إلى نظام الإجراءات الجزائية، وبذلك يتكامل تنظيم الهيئة مع نظام الإجراءات الجزائية.
واكتفى المنظم بالنص على ضبط مرتكبي المحرمات دون النص على ضبط المتهاونين في الواجبات الشرعية بخلاف النظام السابق، فقد نص على ضبط مرتكبي المحرمات والمتهاونين في فعل الواجبات في المادة (11)، ولعل سبب ذلك يعود إلى رغبة المنظم بالاختصار، حيث أن المتهاون في فعل الواجبات يدخل في مرتكبي المحرمات باعتبار أنه فعل محرماً بتركه أداء الواجب.
وسلطة الهيئة في قبض مرتكبي المحرمات، واستيقاف المشتبه بهم في ذلك مقيدة موضوعياً باختصاصاتها الموضوعية أي بالمخالفات والجرائم التي تختص الهيئة بها فقط دون غيرها، وفق ما أشارت له المادة (6) من التنظيم بقولها:"..على أن تتضمن اللائحة التنفيذية لهذا التنظيم بياناً بالواجبات وطرق الأمر بها، وبياناً بالمحرمات والممنوعات وطرق إنكارها".
كما تتقيد إجرائياً بطرق الأمر بالواجبات وطرق إنكار المحرمات والممنوعات التي ستبين في اللائحة التنفيذية للتنظيم حين صدورها، حسبما دلت عليه المادة (6) في النص الأنف الذكر، كما تتقيد بنظام الإجراءات الجزائية وفق ما أشارت له المادة(8) من التنظيم حيث جاء فيها: "تقوم الهيئة -وفقاً للأحكام والإجراءات المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية - بضبط مُرتكبي المُحرمات..".
وقد يشكل على البعض معنى "ضبط المشتبه بهم"، حيث قد يُفهم أن المقصود بالضبط هنا هو إجراء القبض، فكيف يسوغ قبض المشتبه بهم، والقبض إجراء من إجراءات التحقيق، وتتحرك به الدعوى الجزائية العامة ولا يكون إلا في حالة التلبس بالجريمة أو بعد صدور أمر في جريمة واقعة بالفعل؟
وجواب ذلك: أن لفظ "الضبط " ليس خاصاً في القبض فقط، بل هو أعم، فيشمل القبض والاستيقاف، وغيرها من إجراءات الضبط، وما يدل على ذلك ما يلي:
• أن المنظم أحال في إجراءات الضبط الجنائي إلى نظام الإجراءات الجزائية والذي ينص على عدم جواز القبض إلا في حالتي التلبس والندب، كما في المادة (33) و(56)من النظام.
• عند تتبع استخدام المنظم للفظ "الضبط" نجد أنه لا يقصره على القبض فقط، بل على إجراءات الضبط الجنائي عموماً، ومن ذلك:
أ- تنص المادة (27) من نظام الإجراءات الجزائية على الآتي: "على رِجال الضبط الجنائي – كُلٌ حسب اختِصاصِه – أن يقبلوا البلاغات والشكاوى....... وضبط كُل ما يتعلق بالجريمة،....".
ب- تنص المادة (43) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه:"يجوز لرجُل الضبط الجنائي في حال التلبُس بجريمة أن يُفتِش منزل المُتهم، ويضبُط ما فيه من الأشياء التي تُفيد في كشف الحقيقة...".
ت- تنص المادة (56) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه:"لرئيس هيئة التحقيق والادِعاء العام، أن يأمُر بضبط الرسائل والخِطابات والمطبوعات والطُرود...".
وقد استخدم المنظم في بيان هذا الدور قاعدة نظامية آمرة، للدلالة على الوجوب.
رابعاً: دور الهيئة في مراقبة الممنوعات
تنص المادة (12) من التنظيم على أنه:" للهيئة حق المُشاركة في مُراقبة الممنوعات –المشمولة باختصاصاتها- مع الجهات المُختصة،..".
ويتمثل هذا الدور في حق الهيئة في المشاركة مع جهات الاختصاص في مراقبة الممنوعات المشمولة باختصاصها فقط دون غيرها.
والنص النظامي هنا أدق من النص النظامي المقابل له والوارد في المادة (12) من نظام الهيئة السابق والذي جاء أن للهيئة حق مراقبة كل ما له تأثير على العقائد أو السلوك أو الآداب العامة، حيث أن النص الأخير فيه عمومية يصعب معها أداء هذا الدور بالجودة المطلوبة.
والقاعدة النظامية التي تتضمن هذا الدور قاعدة مكملة، وبالتالي فالدور هذا بالنسبة للهيئة دور جوازي، ووزنه النظامي أقل من الأدوار السابقة.
الوقفة الثانية: اختصاصات الهيئة الموضوعية
تشير المادة (6) من التنظيم بقولها:"..على أن تتضمن اللائحة التنفيذية لهذا التنظيم بياناً بالواجبات وطرق الأمر بها، وبياناً بالمحرمات والممنوعات وطرق إنكارها" إلى أن اختصاص الهيئة في أدوارها الأربعة ليس عاماً في كل معروف وكل منكر، بل هو خاص في واجبات ومحرمات وممنوعات معينة، سيتم تحديدها في اللائحة التنفيذية، وسيتم تحديد طرق إنكار كل منها.
وهذا التحديد يُتوقع أن يكون له أثرٌ إيجابيٌ على مستوى جودة الأداء، فالعمل كلما تحدد في نطاق معين كلما كان ذلك أدعى لإتقانه وجودته.
كما أن هذا التحديد سيؤثر إيجاباً على دعوى الحسبة، حيث سيؤدى إلى اتساع نطاقها موضوعياً، طالما أن المحرم أو الممنوع الذي صارت الهيئة غير مختصة به موضوعياً لم ينقل إلى جهة رسمية أخرى تختص بالاحتساب عليه، وذلك أن المنظم حدّد في المادة (5) من نظام المرافعات الشرعية نطاق دعوى الحسبة وضابطها بقوله:" تُقبل الدعوى مِن ثلاثة على الأقل مِن المواطنين في كُل ما فيه مصلحة عامة إذا لم يكُن في البلد جهة رسمية مسئولة عن تِلك المصلحة".
الوقفة الثالثة: شروط الالتحاق بوظيفة عضو الهيئة
تشترط م(5) من تنظيم الهيئة توفر ثلاث شروط فيمن يعين كعضو هيئة، حيث تنص على: "أن يتوافر فيمن يباشر المهمات المنصوص عليها في هذا التنظيم من موظفي الهيئة ما يأتي:
1. أن يكون من ذوي المؤهلات العلمية المناسبة، التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا التنظيم.
2. أن يكون من المشهود لهم بحسن السمعة ونقاء السيرة.
3. أن لا يكون قد سبق أن صدر في حقه حكم جنائي في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة".
ويتضح من مقارنة شروط الالتحاق بالهيئة بين النظام السابق والتنظيم الجديد، أن المنظم قد أضاف شرطاً ثالثاً لم يكن مشروطاً في النظام السابق، وهو اشتراط أن لا يكون المتقدم للوظيفة قد سبق أن صدر بحقه حكم جنائي في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، وهذه إضافة حسنة ومهمة، تراعي حساسية عمل الهيئة.
الوقفة الرابعة: انتهاء خدمة منسوبي الهيئة.
كان النظام السابق للهيئة ينص في مادته (8) على أسباب خاصة تنتهي بها خدمة موظف الهيئة، إضافة إلى الأسباب العامة التي تنتهي بها خدمة موظفي الدولة عموماً، وهذه الأسباب الخاصة هي:
1. الحكم عليه في جريمة تفقده السمعة والاعتبار.
2. قيام شبهات قوية تمس سمعته واعتباره.
بينما خلا التنظيم الجديد للهيئة من هذه الأسباب الخاصة لإنهاء الخدمة، وهذا مسلك حسن للمنظم حيث تجنب التكرار، فالسبب الأول لانتهاء الخدمة قد أورده المنظم لاحقاً في لائحة انتهاء الخدمة الصادرة من وزارة الخدمة المدنية في مادتها (10)، أما السبب الثاني فتطبيقه عسير، ويوقع في إشكالات في تحديد مدى كون الشبهة قوية أم لا؟؟ وتحديد الجهة التي تقرر ذلك، وقد يتضرر من إنهاء الخدمة أناس أبرياء أثار عليهم بعض المغرضين شبهات تسيء إليهم، والقاعدة الشرعية أن الأصل في الناس السلامة، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته.
الوقفة الخامسة: آلية فهم النظام وتحديد مدلولاته
معيار تحديد مدلولات النظام عند الغموض أو التعارض في المعاني
1. العبرة بالمعنى النظامي للنص عند حدوث أي إشكال في فهمه، شريطة أن يكون للنص أو المصطلح معنى نظامي خاص، حيث إن كل نص يُصاغ بلغة أهل الفن نفسه، ومن ذلك القانون أو النظام، فقد تمت صياغته بلغة أهل الاختصاص.
2. فإن لم يكن للنص أو المصطلح معنى نظامي خاص، فالعبرة بالمعنى الشرعي، حيث أن المصدر الرئيسي للأنظمة في المملكة هو القرآن والسنة، كما نصت على ذلك م (7) في النظام الأساسي للحكم، كما أن تنظيم الهيئة نص في مادته (6) على أن على الهيئة القيام بواجباتها مقتدية بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، والمقاصد الشرعية.
3. فإن لم يكن للنص معنى نظامي خاص، فالعبرة بالمعنى في اللغة العربية، لكون النظام قد تمت صياغته باللغة العربية.
معيار تحديد مضمون الواجبات والمحرمات، وطرق إنكارها، وآداب المحتسب أثناء ذلك.
العبرة في ذلك بما يدل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين، وهذا هو ما أشارت إليه م (6) من تنظيم الهيئة.
تخصص الألفاظ العامة، وتبين الألفاظ المجملة، وتقييد الألفاظ المطلقة.
معيار ذلك كله هو ما يقتضيه الكتاب والسنة، كما تشير إلى ذلك م(6) من تنظيم الهيئة.
الوقفة السادسة: الرفق في اتخاذ الإجراءات، وحدوده.
تنص م(6) على أن على الهيئة:"...القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحمل الناس على ذلك بالرفق واللين، والأخذ بالتي هي أحسن، مقتدية في ذلك بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين من بعده، مع استهداف المقاصد الشرعية ".
لقد أحسن المنظم هنا في إيجابه على الهيئة أن تقوم بواجباتها بالرفق واللين ما أمكن، وهذه إضافة نوعية في التنظيم الجديد تتفق مع الأصل الشرعي الذي يؤكد عليه الشارع في أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف)رواه مسلم، ولحديث(من يحرم الرفق يحرم الخير كله)رواه مسلم.
وقد أحال المنظم في التزام الهيئة بالرفق في عملها على سنة رسول الله وصلى الله عليه وسلم، وسيرة خلفائه الراشدين، والمقاصد الشرعية، ومن هنا يتبين أن الرفق على أهميته وكونه قاعدة شرعية ونظامية عامة، إلا أنه ليس واجباً في كل الحالات، فهناك حالات تتطلب الحزم، وقد دلت السنة عليها، كما في تنفيذ النبي صلى الله عليه وسلم للحدود، وكحديث المخزومية التي سرقت، وغير ذلك، وكذلك عبارات السلف مع كونها تؤكد على أن الرفق هو القاعدة العامة، إلا أنه الرفق في المدلول الشرعي لا يقتضي التسامح والتهاون مع حالات معينة كالمتمادي والمستهزئ والمعاند بل ينبغي الحزم معهم، بشرط أن لا يترتب على الحزم منكر أكبر في الواقعة نفسها.
وهذه الإضافة النوعية المهمة في هذا التنظيم خلا منها نظام الهيئة السابق، حيث كانت المادة (10) تنص على أن تقوم الهيئات بواجباتها بكل حزم وعزم، دون الإشارة إلى ضرورة تحلي الرفق واللين.
الوقفة السابعة: الفورية في اتخاذ الإجراءات الجنائية
تنص م(9) من تنظيم الهيئة على ضرورة الفورية في اتخاذ الإجراءات الجنائية مع مرتكبي المحرمات أو المشتبه بهم حيث جاء في نصها:" على الهيئة بشكل فوري أن تتخذ الإجراءات النظامية بحسب ما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا التنظيم في حق من يستدعي الأمر ضبطه وفقاً للمادة الثامنة من هذا التنظيم".
وهذه الفورية المطلوبة يمكن ضبطها بمعيار منطقي وهو: تتابع الإجراءات دون تأخير، فمتى ما كانت الإجراءات متتابعة دون تأخير لا مسوغ شرعي ونظامي له؛فقد تحققت الفورية حينئذٍ، وهذا شامل لحالتي الاستيقاف والقبض، ومتى ما زالت الحاجة التي تستدعي الاستيقاف أو إبقاء المخالف المقبوض عليه في حوزة رجال الهيئة، يجب إنهاء الإجراء الجنائي بتخلية سبيل المشتبه به إذا لم يظهر منه حالة تلبس توجب القبض عليه، أو القبض عليه إذا وجد ما يبرر القبض عليه وهي حالة التلبس، أو تسليم المقبوض عليه للجهة المختصة، أو إنهاء إجراءه بأي وسيلة مقررة نظاماً، وقد أحال المنظم في الإجراءات التي تتطلبها الفورية، وآليات ذلك إلى اللائحة التنفيذية للتنظيم.
والمادة المشار لها نصت على الفورية في اتخاذ الإجراء، وجعلته غاية ينبغي على الهيئة تحقيقها في واقعها الميداني وأثناء معالجتها الجنائية للقضايا، ولم تنص على وسائل معينة يجب على الهيئة الالتزام بها للوصول إلى هذه الغاية؛ وعليه، فالواجب إعمال قاعدة "الوسائل لها أحكام المقاصد "، فكل وسيلة تحقق من خلالها الفورية يجب العمل بها، ومعلوم أن الوسائل قد تختلف من قضية إلى أخرى.
لوقفة الثامنة: دور أفراد الشرطة مع الهيئة
تنص م(8) على أن: "تقوم الهيئة -وفقاً للأحكام والإجراءات المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية - بضبط مُرتكبي المُحرمات أو المُشتبه بهم في ذلك –بمساندة أفراد الشرطة المرافقين لها، عند الحاجة-وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا التنظيم المهمات والضوابط اللازمة لذلك".
يتضح من هذه المادة أن دور أفراد الشرطة المرافقين لأعضاء الهيئة هو المساندة في عملية القبض، وليس فقط حماية عضو الهيئة كما كان يتردد سابقاً، كما أن دورهم المساند في القبض لا يجب في كل الأحوال، بل عند الحاجة له، بمعنى أن دورية الهيئة لو قامت بالقبض على مخالف دون مرافقة أحد من أفراد الشرطة وذلك لعدم الحاجة لهم في تلك الواقعة، فعملهم صحيح إجرائياً، وهذه إضافة في التنظيم الجديد يحمد عليها المنظم.
الوقفة التاسعة: جهة إصدار اللائحة التنفيذية
تنص المادة (13) من التنظيم على أن الجهة المختصة بإصدار وتعديل اللائحة التنفيذية للتنظيم هي مجلس الوزراء، وتصدر وتعدل بأمر من رئيس المجلس.
وهذا على خلاف اللائحة التنفيذية للنظام السابق، حيث كانت تصدر حسب المادة (18) من النظام السابق بقرار من الرئيس العام للهيئة بالاتفاق مع وزير الداخلية.
وصدور لائحة التنظيم الحديث بهذه الآلية لاشك أنه يكسبها قوة نظامية أكبر، تلزم كافة الجهات، وإن كان يؤخذ عليه صعوبة التعديل في اللائحة، إذ لا تعدل إلى بقرار من رئيس مجلس الوزراء.
وفي ختام هذه الوقفات نتطلع أن تكون اللائحة التنفيذية التي ستصدر قريباً بمشيئة الله داعمةً فعلياً للتنظيم، ودقيقة وواضحة في ألفاظها، ومحافظة على فعالية وحيوية السلطات والصلاحيات الممنوحة للهيئة، وهذا ما نظنه في سلطتنا التنظيمية، والله الموفق.