..والمُعَارِضون يظلمون أهل السنة في سوريا
10 ربيع الأول 1434
منذر الأسعد

ياسين الحاج صالح كاتب سوري معروف، وهو من المعارضين المشهورين لنظام عائلة الأسد، وقد دفع ثمن معارضته تلك فقضى في أقبية الأجهزة الأسدية القمعية سنوات طويلة عانى فيها كثيراً من التعذيب البدني والنفسي، الذي تشتهر به تلك الأجهزة المتوحشة.

 

منذ أسابيع معدودة، كتب الحاج صالح مقالة مطولة عنوانها: (السنيون السوريون والسياسة) عرض فيها رؤيته لواقع أهل السنة في سوريا وبخاصة في خضم الثورة الشعبية ضد عصابات الأسد، مستنداً إلى قراءته لتاريخهم في بلاد الشام، ويقدم في ختام دراسته تصوراته لمستقبل سوريا بعد التخلص من نظام الطغيان الأسدي، ولمسالك أهل السنة حينئذ.

 

المعضلة الكبرى لمقالة ياسين الحاج صالح تأتي من سيطرة الفكر الماركسي على عقله -بالرغم من تحدره من عائلة مسلمة عريقة-، وزاد من انحراف قراءته شيء من لوثة علم الاجتماع بطبعته الغربية الرأسمالية التي يبدو أنها طرأت عليه بعد خروجه من وراء القضبان. ولذلك لم يستطع أن يكون موضوعياً البتة وهو يعالج قضية بهذه الحساسية والأهمية.

 

ولو أن أحكامه الجائرة اقتصرت على الجماعات والأحزاب الإسلامية لقلنا: إن الهاجس الحزبي والخشية الفئوية أخرجت الكاتب عن الحد المعقول من الموضوعية، لكن حيفه طال أهل السنة وتاريخهم كله. فهو يعترف بأن أهل السنة في سوريا –وفي العالم بعامة- ليسوا طائفيين، لكنه يضل في مسعاه لتفسير هذه الحقيقة الراسخة والجلية، إذ يعزو ذلك إلى غياب ما يَجْمَعُهم!!

 

ولأن الرجل اختار السباحة ضد النهر فإنه شَرّق وغَرّب وتاه في دهاليزه، ليعزز رأياً ليس له من الحقيقة نصيب، فقال كل الأغاليط لئلا يعترف بأن أهل السنة ليسوا طائفيين لأنهم هم الأمة، والآخرون-كما يشهد التاريخ-انشقاقات!!وكان في مقدور ياسين الإقرار بهذه الحقيقة التي يمكن التعامل معها بعيداً عن مدح سين أو الانتقاص من صاد!!وهنا أَسُوق له واقعة رواها شخص قريب منه فكرياً، هو الكاتب العلوي بو علي ياسين، الذي طلب والده منه في طفولته أن يجيب أي شخص يسأله عن دينه بالقول: أنا مسلم سني!!فلما أصبح شاباً أدرك خطأ أبيه، لأن المسلم السني إذا سئل عن دينه قال: أنا مسلم!! وفي هذا الموقف تلخيص للقضية بعيداً عن السفسسطة والحذلقة، لأن الشمس لا يمكن حجبها بغربال!!

 

المأخذ المنهجي الثاني على دراسة الأستاذ ياسين تغييبه الكلي لعملية بث التشيع في فترة تسلط عائلة الأسد على سوريا، وبخاصة في عهد الوريث المعتوه بشار، وهي عملية ضخمة تعمل على تغيير دين الناس بالترغيب والترهيب، مع تسهيلات غير مسبوقة أمام عملاء المشروع الصفوي، في حين يجري التضييق على التدين العادي لعامة أهل السنة باعتراف دراسة الحاج صالح نفسها! فكيف يتجاهل باحث موضوعي انتشار الحوزات الرافضية في أنحاء سوريا، والمجال المفتوح للمركز الثقافي الإيراني وحده دون سواه...ألا يؤثر ذلك كله في شعور أهل السنة بالغبن الذي لم يفعله حتى الاستعمار الفرنسي؟

 

أما تسامح أهل السنة مع مخالفيهم تسامحاً لطالما بلغ حدود التفريط، فهو لإدراكهم أنهم الأمة/الأصل، ولثقتهم بربهم ثم بأنفسهم.وعليه فقد جازف الكاتب مجازفة غير علمية، عندما نفى عنهم وجود عنصر يجمعهم!!إنه الإسلام عقيدة وشريعة وتاريخاً يعتز به الجميع.

 

وفي الباب ذاته يدخل تضخيم الكاتب مسألة الانتماءات الجغرافية والطبقية التي يرى أنها أكبر وأهم من الانتماء المشترك إلى الإسلام!! وهذه ثغرات عرفها المسلمون في عصور الضعف، لكنها تضمحل وتذوب في عصور اليقظة والنهضة وكذلك عندما تشتد الخطوب والأزمات.

 

ولئلا يكون كلامي نظرياً أو رغبوياُ، أحيل المشكك إلى الثورة السورية الراهنة، التي ترفعت على تلك الانتماءات البائسة فانطلقت إلى رحابة الوحدة الإسلامية وروح الاستشهاد التي تعززها، ولو كان ذلك في نطاق الوحدة الوطنية السورية، فالمسلمون-أهل السنة تحديداً-لا يشعرون بأي تناقض بين الأمرين..

 

وختاماً فقد تغاضينا عن أخطاء الباحث في حق التيارات والجمعيات الإسلامية في سوريا، فما يزعج المرء هو أن يتم ظلم الأكثرية السنية في سوريا مرة أخرى بعد ظلم النظام الطائفي لها زهاء نصف قرن أسود!!