موقف الفيلسوف تولستوي من الإسلام
4 ربيع الأول 1434
منذر الأسعد

قبل أكثر من مئة عام –وتحديداً في عام 1912م- صدرت ترجمة عربية لأفكار ومقولات أطلقها الفيلسوف الروسي ليو تولستوي، فانشغل بها المسلمون إذ كانوا في حضيض الهزيمة النفسية إلا ما رحم ربي وقليل ما هم. فالغرب المستعمر غزا أكثر ديار المسلمين وهو صاحب القوة العسكرية والتقنيات المتقدمة، ولذلك انبهر عميان البصيرة بإنجازات الغرب وبالغوا في تقديرها، وبخاصة أن الذين كانوا رواد العلم والمعرفة كانوا شر رواد لأمتهم، فكانت دعوتهم الخائبة إلى تقليد الغرب بكل ما فيه من خير وشر وحلو ومُرّ، خيانة أو خبلاً أو مزيجاً منهما.

 

وقبل أن تتم ترجمة رسالة تولستوي إلى العربية عن رسالة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كانت أخبار مقولاته قد بلغت المشرق الإسلامي حتى إن الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية يومئذ كتب إليه يثني على مواقفه وأقواله...

 

وما من شك في أن تولستوي من المفكرين الغربيين الأقل عداء لديننا بالقياس إلى آخرين من غلاة المُنَصّرين ومتعصبي المستشرقين، ومن المفهوم أن يرحب المرء بالمواقف العادلة أو القريبة من الحق ولو بصورة نسبية.

 

لكن الموقف منه ومن أمثاله يجب في رأيي المتواضع أن يتألف من الأسس الآتية:
= نحن لا نحتاج إلى شهادة المفكر المنصف لديننا وتاريخنا فالحق قوي بذاته.
= نحن نفرح بشهادة الحق مثلما نمقت شهادة الزور.
= ينبغي لنا إنصاف كل إنسان فإذا قال صدقاً شهدنا له بذلك والعكس صحيح.
= مهما بلغ هؤلاء من الإنصاف وتحري الصدق فإنه لن ينفعهم في الآخرة ما لم يدخلوا في الملة التي شهدوا لها بأنه حق وأنها من عند الله نقية جلية.
= تلك الشهادات تفيد أحياناً في دعوة غير المسلمين فالناس يتأثرون بكبارهم ولذلك راسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الملوك في زمانه يدعوهم إلى الإسلام.

 

في ضوء ما سلف بيانه حبذا لو وقفنا عند كتاب تولستوي الذي نقله إلى العربية نصراني من فلسطين اسمه: سليم قبعين، كان شديد الإعجاب بقلم تولستوي بدليل نهوضه بتعريب عدد كبير من أبرز إبداعات تولستوي الأدبية المتنوعة وذات القيمة الفنية والتاريخية بلا مراء.

 

فتولستوي يهاجم الغربيين المتعصبين ضد الإسلام ونبيه، بحرارة ملموسة ولم يكن هنالك ما يغريه دنيوياً بالدفاع عن الإسلام في مواجهة قومه، وهذه نقطة يستحق أن نحتسبها له بسبب جرأته ونزاهته عن المنافع الخاصة.

 

وقد دحض الرجل بمنطق سديد وحجج ناصعة، كثيراً من أباطيل المنصرين والمستشرقين الحاقدين على نبينا الكريم وعلى رسالته. إلا أن مشكلة هذا الرجل في ما يبدو تكمن في مصادر اطلاعه على الإسلام عقيدة وشريعة وتاريخاً، فهي على الأرجح مصادر شحيحة ومعظمها لا يخلو من الدس المتعمد، وجميعها مصابة بداء الجهل وسوء الفهم.

 

لكل ذلك لم ينبلج نور الحقيقة أمام ناظري هذا المفكر العميق والمتميز، فهو تحرر من كثير من ركام الدجل الغربي الذي يضلل الناس ليبعدهم عن الحق الصافي، لكنه لم يستطع الانتقال إلى الضفة النظيفة من النهر.وعليه فقد نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كأنه مصلح اجتماعي أنقذ العرب من الوثنية والشرك والتمزق ونقلهم إلى موقع متقدم حضارياً بلا ريب.

 

تلك هي النظرة القاصرة الناتجة –والله أعلم-عن قلة الاطلاع على الإسلام في مصادره الأصلية، وهنا تتجلى مسؤوليتنا نحن المسلمين عن القيام بواجب الدعوة إلى الله كما أمرنا عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، باللغات الحية المختلفة.وإذا كنا قد فعلنا شيئاً مبشراً من ذلك بالقياس إلى عصر تولستوي، فإن التبعة لا تنزل عن كواهلنا كأمة شرفها الله تعالى بحمل رسالته الخاتمة وتبليغها إلى الناس كافة.