المؤشرات العسكرية على سقوط النظام
عمد القصر الجمهوري إلى إعادة تشكيل قيادة الجيش وقوى الأمن بعد الضربة الموجعة التي أودت بمعظم عناصر "خلية الأزمة" في شهر يوليو الماضي، حيث قامت رئاسة الأركان الجديدة بوضع خطة عسكرية ترتكز على الاستفادة من سلاح الجو والدفاع الجوي لاستهداف مراكز تجمع المعارضة وتأمين طرق الإمداد.
وعلى إثر ذلك شنت قوات النظام حملة قصف جوي بالمروحيات المقاتلة وطائرات (MIG) و(SUKHOI) التي استهدفت الأحياء والمدن المكتظة بالسكان وأزهقت أرواح آلاف المواطنين، وأُسندت عملية القصف الصاروخي إلى قيادة الفيلق الثالث في حلب والتي تم تعزيزها بكتائب من الحرس الجمهوري، وبضعة أفواج من المغاوير كُلفت بضرب أهداف إستراتيجية داخل المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر، وتم انتقاء كتائب من مختلف الأسلحة لتشكيل الفوج (46) بهدف تأمين طريق الإمداد الرئيسة بين دمشق وحلب.
واستندت استخبارات القوى الجوية في عملياتها على شبكة استطلاع تعمل بتقنية روسية وتتكون من ثلاث محطات رادار تغطي كامل الأراضي السورية والدول المحيطة بها، وهي: قاعدة (M1) جنوب غربي البلاد والتي تساعد على توجيه صواريخ النظام في المناطق الجنوبية وإرسال معلومات استخباراتية إلى قيادة الأركان بدمشق، وقاعدة (M2) جنوب حمص والتي تغطي المناطق الوسطى، وقاعدة (M3) بالقرب من اللاذقية والتي تغطي الحدود التركية وشرقي المتوسط حتى جزيرة قبرص. وقد اعتمدت رئاسة الأركان وقيادتي: سلاح الجو والدفاع الجوي على هذه الشبكة في توفير المعلومات الاستخباراتية اللازمة لتحديد الأهداف وتوجيه الطائرات والمروحيات فضلاً عن نصب منصات الصواريخ وإعادة تموضعها.
إلا أن نجاح الجيش الحر في تدمير القاعدة (M1) يوم الأربعاء الماضي (26 نوفمبر 2012) قد أصاب جهاز الاستطلاع الجنوبي بشلل كامل، وبات النظام يشعر بتهديد مباشر لقواعده في العاصمة دمشق، إذ إن قيادة الجيش كانت تعتمد بصورة رئيسة على هذه المحطة في مراقبة حركة القطعات البحرية في السواحل الشرقية للبلاد، وتؤكد مصادر عسكرية غربية أن هذه الضربة الموجعة قد أعاقت قدرات النظام على تنفيذ طلعات جوية في القطاع الجنوبي وساعدت في تأمين المطارات العسكرية في الدول المجاورة، وبالأخص منها قاعدة "تبوك" الجوية التي تربض فيها مجموعة مقاتلات فرنسية.
وظهرت نتيجة تلك العملية بصورة جلية في إسقاط مجموعة من مقاتلات النظام ومروحياته بصواريخ أرض جو في غضون الأسبوع الماضي، وأدى انهيار سلاح الإشارة إلى انقطاع الاتصالات عن دمشق ومحيطها وتوقف حركة الطيران المدني، وتضييق الخناق على العاصمة التي هرعت الكتائب "المجوقلة" من القوات الخاصة والحرس الجمهوري إلى تطويقها.
وعلى إثر تلك الضربة الموجعة؛ حققت كتائب الجيش الحر في حوران وريف دمشق تقدماً كبيراً يتمثل في فتح معابر حدودية مع الأردن، والسيطرة على مطار مرج السلطان العسكري جنوب شرقي العاصمة، وسقوط العديد من معسكرات الفرقة المدرعة الرابعة بيد هذه الكتائب وعلى رأسها مقر اللواء (82 مشاة) الذي دمر بالكامل وذهب عناصره بين قتيل وجريح وأسير، وتكبد اللواء (90) المدرع خسائر فادحة أفقدته القدرة على التشكيل، مما دفع برئاسة الأركان لإصدار أوامر إلى قادة اللواء المنكوب بالانسحاب الكيفي من الجبهة، وساعد ذلك على فتح ممرات جديدة لإمداد الجيش الحر بأجهزة اتصال، وقذائق هاون مطورة، ومضادات للدروع، إضافة إلى الأسلحة الخفيفة والذخائر.
أما في القطاع الشمالي، فقد تعرضت ألوية الفيلق الثالث لهجمات منسقة من قبل كتائب الجيش الحر التي بسطت سيطرتها بصورة شبهة كاملة على طرق الإمداد وشبكة المواصلات في محافظات حلب وإدلب وحمص.
وتؤكد المصادر أن سيطرة الجيش الحر على نحو عشرين كتيبة في المناطق الشمالية قد أدى إلى انهيار معنويات جنود النظام، وأضعف قدرة ألوية الفيلق الثالث على الحركة، وخاصة منها الألوية المدرعة (11) و(14) و(18)، بالإضافة إلى اللوائين (5) و(6) اللذين أرسلا قبل نحو شهرين لدعم قوات النظام في مواجهاتها مع الثوار بمدينة حلب لكنها لم تتمكن من تحقيق أي إنجاز يذكر.
وتتحدث مصادر عسكرية عن انهيار البنية التحتية لسلاح الجو بعد إحكام كتائب الجيش الحر سيطرتها على المطارات العسكرية الثلاث شمال البلاد، ولم تعد فرق النظام قادرة على الحركة بعد انهيار الفوج (46) وسيطرة الجيش الحر على طرق الإمداد.
وبالإضافة إلى الخسائر الفادحة التي منيت بها قوات النظام؛ تؤكد المصادر العسكرية أن تدمير قاعدة (M1) الجنوبية قد أدى إلى وقف مصادر المعلومات الأساسية التي كان يعتمد عليها "حزب الله" في تحركاته العسكرية وتحريك قطعاته الصاروخية، مما أدى إلى حالة من الهلع في صفوف قيادة الحزب، ودفع بإيران لإيفاد مسؤولين عسكريين وأمنيين كبار لتقييم الأضرار الناتجة عن هذه الخسارة وكيفية تعويضها، وقد جاءت هذه الحادثة عقب سلسلة انفجارات وقعت في مخازن أسلحة تابعة للحزب في سهل البقاع وفي المناطق الحدودية مع سوريا مما أدى إلى سقوط نحو 75 قتيل من منسوبي الحزب في سوريا ولبنان من ضمنهم قادة وخبراء فنيون في تقنيات تجميع صواريخ (scud) وإطلاقها.
ويسود القلق في إيران من العملية التي وقعت في غزة والتي استهدفت القدرات الصاروخية لحماس، إذ تشير التقارير إلى أن العملية كانت تهدف إلى التأكد من قدرة "إسرائيل" على استهداف القدرات العسكرية للفصائل المسلحة ومخازن الصواريخ بقذائق موجهة من الجو دون الحاجة إلى التوغل براً، مما أثار ذعر قادة "حزب الله" بلبنان، ودفع بأمينه العام حسن نصر الله للتهديد بإطلاق آلاف الصواريخ على الكيان الصهيوني في حال تعرضه للخطر.
الاستعدادات الإقليمية والدولية للمرحلة الانتقالية
وتأتي هذه التطورات في ظل استعدادات عسكرية تجريها فرنسا وبريطانيا وأمريكا في الأسابيع الماضية لتعزيز قدراتها الجوية في عدة قواعد عسكرية في الأدرن وتركيا و"إسرائيل".
وقد ترددت الأنباء عن إرسال القيادة العسكرية لهذه الدول تعليمات إلى قواتها المرابطة في "سوقطرة"، وفي "مصيرة" بعمان، وكذلك في ميناء "زايد" وقاعدة "الظفرة" بدولة الإمارات، وفي مطار "تبوك" العسكري شمال المملكة العربية السعودية، بالتأهب للمشاركة في عمليات عسكرية قد تندلع بصورة مفاجئة في المنطقة.
وتأتي هذه العملية ضمن جهود تبذلها الإدارة الأمريكية بعد الانتخابات للعمل على التدخل في الشأن السوري بصورة أكبر ومنع وقوع أي انفلات في المنطقة عقب سقوط نظام بشار؛ حيث تؤكد مصادر أمنية أن أنظار أمريكا وفرنسا وتركيا قد اتجهت مباشرة نحو سوريا عقب هدوء الأوضاع في غزة، فقد بدأت فرقة أمريكية تعمل تحت غطاء حلف شمال الأطلسي في نصب صواريخ "باتريوت" على طول الحدود التركية مع سوريا، مما يؤكد وجود نوايا لتحركات عسكرية غربية في سوريا خلال الأيام القليلة القادمة.
وتؤكد المصادر أن فريقاً من قوات تركية وأمريكية قد بدأ في إعداد خطط لتوجيه ضربات في عمق الأراضي السورية؛ إذ يمكن أن يصل مدى المنظومات الصاروخية التي تم نصبها مؤخراً في جنوب تركيا إلى حلب وحمص، مما يؤكد أن الهدف من تلك التحركات لا يقتصر على حماية المناطق الحدودية أو تأمين الأجواء التركية فحسب.
وكان رئيس الأركان التركي أوزيل نجدت قد قام بجولة تفقدية على القوات التركية المرابطة على الحدود مع سوريا للتأكد من كامل جهوزيتها، ومن ضمن تلك التجهيزات تزويد مطار "ديار بكر" العسكري بخمسة وعشرين مقاتلة من طراز (F16).
وفي هذه الأثناء صدرت أوامر بتحريك حاملة الطائرات الأمريكية "أيو جيما" والقطع الثلاثة المساندة لها يوم الجمعة (23 أكتوبر 2012) واتخاذ مواقع متقدمة قبالة السواحل السورية في اليوم نفسه، وتتزامن تحركات قيادة الأسطول السادس مع خطط ينفذها الجيش الأمريكي لإرسال قوات برية أمريكية وتأسيس منظومة مراقبة إلكترونية في جنوب سيناء، وقد وصلت طلائع هذه القوات الخاصة الأمريكية إلى شرم الشيخ بهدف حماية المناطق الجنوبية من "إسرائيل" في حال اندلاع مواجهات عسكرية في المنقطة.
وعلى إثر تلك التطورات؛ أصدرت قيادة سلاح البحرية الروسي أوامر إلى حاملة الصواريخ "موسكفا" والمدمرة "سميتليفي"، والسفينتان الحربيتان "نوفشركاسك" و"سارتوف"، بالإضافة إلى قطع أخرى مساندة لأخذ مواقع شرقي المتوسط للمساعدة في إجلاء المواطنين الروس في حال تدهور الأوضاع.
الحراك السياسي ومبادرة الائتلاف الوطني
على الرغم من تسارع وتيرة التطورات العسكرية والتحركات الإقليمية؛ إلا أن أداء الأحزاب السياسية المعارضة قد قصر عن مواكبة الحراك الشعبي والعمل العسكري، مما دفع بالدول الغربية والإقليمية للتعبير عن امتعاضها من عجز أحزاب المعارضة عن توحيد جهودها أو الاتفاق على ملامح المرحلة الانتقالية.
ونتيجة لذلك فقد اندفعت الدول الغربية ومعظم القوى الإقليمية لتأييد مبادرة تشكيل الائتلاف الوطني، والتي تراوحت مواقف المعارضة السورية منها بين الرفض والترحيب.
وقد استندت مواقف الرفض -أو التردد- لدى التجمعات والكتائب الإسلامية المقاتلة من الدعم الغربي للعناصر غير الإسلامية في تشكيل ذلك الائتلاف والدعوة العلنية إلى توظيف التعددية الإثنية والدينية والطائفية بهدف إضعاف التيار الإسلامي المهيمن على تشكيلة الكتائب المقاتلة، إضافة إلى ربط الدعم الغربي للمعارضة بترجيح كفة الأقليات، والحض على زيادة تمثيلها في مؤسسات الإدارة ونظام الحكم.
وتزامنت تلك المبادرة مع حملة شنها الإعلام الغربي ضد التوجهات الدينية في سوريا، وتناغمت معها المنظمات الحقوقية الغربية من خلال نشر مجموعة تقارير تتهم مقاتلي الجيش الحر بانتهاك حقوق الإنسان، وانخراط مجموعة من مراكز البحث الغربية في ربط مظاهر التدين بالتطرف، والتحذير من انتشار فكر "التشدد" المزعوم في صفوف الثوار، والتنبيه إلى مخاطر تنامي تلك التوجهات على أمن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
وفي الوجهة المقابلة رأت مجموعة أخرى في الائتلاف الجديد فرصة لتنسيق مواقف المعارضة، وتحقيق الاعتراف الدولي بها، والعمل على تنظيم صفوف المقاتلين وتأمين الدعم والإمداد لهم، والاستعداد للمرحلة الانتقالية التي باتت وشيكة، واستندت هذه الفئة إلى وجود شخصيات قيادية في الائتلاف الجديد تتمتع برصيد شعبي ووطني، ولا يمكن افتراض انخراطها في مؤامرة لإقصاء المكون الأساسي للثورة، إضافة إلى أن ملابسات تأسيس هذا الائتلاف ودور القوى الخارجية فيه لا تختلف كثيراً عن المبادرات السابقة التي أيدتها مختلف الأحزاب المعارضة وانخرطت فيها.
ومع صعوبة الجمع بين المواقف المتباينة تجاه الائتلاف الجديد، إلا إنه لا بد من الاعتراف بأنه من السابق لأوانه تقييم هذه المبادرة أو الحكم عليها سلباً أو إيجاباً، خاصة وأن الأحزاب المشاركة في الائتلاف ستحتاج إلى بذل جهود كبيرة لإثبات مصداقيتها أمام الشعب السوري.
وفي مواجهة نزعات التخوين، وتداول الإشاعات، وإعمال نظريات المؤامرة، وغيرها من المظاهر السلبية التي درج عليها الحراك السياسي في سوريا خلال العقود الخمسة الماضية؛ يتعين على الباحث المنصف أن يلتزم بتقييم هذه المبادرة وفق مبادئ التحليل الواقعي بعيداً عن الاجتهادات الشخصية والإشاعات المتداولة؛ فقد كشفت الثورة السورية عن مشاكل مستعصية في بنية الأحزاب السورية المعارضة، والتي تأتي كنتيجة حتمية لندرة الكفاءات في صفوفها، وضعف الرؤية الإستراتيجية لديها، وعدم استيعابها لنظم الإدارة والحكم، وغياب الخبرة لدى منسوبيها في مجال العمل السياسي والتمثيل الديبلوماسي.
إلا أن المشكلة الأكبر تكمن في عدم توفر وسائل التواصل السليم بين هذه الأحزاب، مما أدى إلى هيمنة ثقافة "استئصال" المخالف والنزوع إلى فرض الهيمنة عبر الممارسات الإقصائية التي أسس لها نظام البعث؛ مثل "التحريض" وتلفيق تهم "الخيانة" و"التآمر" ضد الأحزاب المنافسة.
ومن المجافي للحقيقة والإنصاف أن تُلقي الحركات الإسلامية باللائمة على "التآمر الخارجي" لتبرير عجزها عن: امتلاك أدوات الممارسة السياسية، وتطوير آليات العمل السياسي المنظم، وتقديم البدائل الفكرية الناضجة، فضلاً عن فشل مساعي توحيد صفوفها وتنسيق جهودها؛ فعلى الرغم من اعتراف المجتمع الدولي بهيمنة التيار الإسلامي على الحراك الشعبي والعمل المسلح؛ إلا أن أغلب القوى الإسلامية الفاعلة لم تتمكن من تأسيس كيانات سياسية تتواكب مع حراكها الشعبي والعسكري، ولم تنجح الجهود المخلصة في تشكيل كيان يلم شتاتها ويتيح لها فرصة مخاطبة الرأي المحلي والخارجي، بل كانت الفوضوية والعشوائية هي السمة الأبرز لبعض الحركات التي لم يكن ينقص قادتها نظافة اليد وسلامة المنهج.
وعلى غرار المبادرات السياسية السابقة؛ كان مشروع الائتلاف الجديد منذ الوهلة الأولى محط اهتمام فئات وصولية تصارع من أجل زيادة تمثيلها لحيازة القدر الأكبر من الهيمنة والنفوذ، وتدفعها مطامع الاستحواذ على تحريض القوى الدولية ضد الحركات الوطنية الأخرى، وذلك في نهج عبثي يغيب عنه حس المسؤولية والاحتراف، وإذا أتيح لهذه الفئات الوصول إلى سدة القيادة والتحكم في آليات صياغة القرار فإنها ستفضي بالمبادرة إلى الفشل.
ولذلك فإنه يتعين على قيادة الائتلاف الجديد العمل على إضعاف العناصر السلبية، والتعامل مع الاعتراف الدولي على أنه وسيلة للخروج بسوريا في المرحلة الانتقالية إلى بر الأمان، مع الإدارك بأن اقتصار الائتلاف على حيازة اعتراف المجتمع الدولي لا يمنحه الشرعية اللازمة لاتخاذ قرارات مصيرية بشأن الهوية السياسية والصيغة الدستورية للجمهورية على الأمد البعيد، بل يتعين أن يعمل قادة الائتلاف على تحقيق نمط من التوافق الشعبي على تنفيذ مجموعة إجراءات واقعية للتعامل مع مختلف التحديات التي ستنجم عن سقوط النظام، ومن أبرزها:
1-إصلاح المؤسسة العسكرية من خلال وضع آليات عملية لإعادة تشكيل القوات المسلحة على أسس وطنية سليمة، مع الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن تقوم به الفئات العشائرية الرافضة لإعادة البناء من فوضى أمنية، وإمكانية سعيها للتحالف مع قوى أخرى في المنطقة لمنع فرص تحقيق الأمن والاستقرار.
2- إعادة بناء الأجهزة الأمنية وفق صيغة واقعية تتجاوب مع المجتمع السوري وبنيته السياسية والاجتماعية وعلاقاته المعقدة والمتشابكة مع دول الجوار.
3- تصحيح العلاقة بين مختلف المجموعات السكانية داخل إطار المجتمع، والسعي إلى التخلص من الإرث السلبي لمرحلة نظام آل أسد.
4- وضع رؤية للتعامل مع "القوى الفاعلة خارج إطار الدول" (non state actors) والتي اتبع فيها النظام النهج الفرنسي من خلال الاستعانة بميليشيات عشائرية رديفة لجهاز الدولة ومؤسسات الأمن، وقد ظهرت بصورة جلية تحت عنوان كبير هو "الشبيحة"، إضافة إلى الاستعانة بالجماعات المسلحة العابرة للحدود متمثلة في: "حزب الله"، والحرس الثوري الإيراني، وحزب العمال الكردستاني، ومنسوبي الميليشيات الطائفية القادمة من العراق.
5- تحديد آليات الفكاك من المنظومة الإقليمية الروسية-الإيرانية المتجذرة في هيكلية الكيان السوري، حيث حرص بشار على ترسيخ النفوذ الإيراني في مجالات: الاستثمار، والتصنيع العسكري، وتطوير التقنيات الصاروخية، وتخزين الأسلحة الكيمائية والبيولوجية، وإنشاء شبكة لإمداد "حزب الله" بالأسلحة والتسهيلات والدعم، ومن المؤكد أنه لن يتم التخارج من هذه المنظومة دون رفض ومقاومة من قبل الجهات المتضررة التي ستقاوم للمحافظة على مكتسباتها.
6- التأسيس لمفهوم "الأمن التعاوني" على الصعيد الإقليمي: فقد شاب التوتر علاقة النظام السوري مع جميع دول الجوار نتيجة لانخراطه في مشروع التوسع الإيراني، والتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، ومحاولته الإمساك بأكبر قدر من أوراق التفاوض والضغط، مما يفرض على القوى السياسية أن تسعى إلى تبني مفاهيم جديدة لتحقيق الأمن التعاوني مع دول الجوار، والذي يقوم على جملة خيارات تتضمن: "الأمن التكاملي" و"الأمن المشترك".
وبدلاً من خوض الأحزاب المنخرطة في الائتلاف الجديد معارك وهمية على: زيادة حصص التمثيل، والاستحواذ على المناصب، وحيازة أكبر قدر من الصلاحيات؛ يقف الائتلاف أمام تحديات كبيرة تتمثل في تسخير جهود منسوبيه لتحقيق المطالب الوطنية الملحة والتي تتضمن: إشراك جميع قوى المعارضة في العملية السياسية دون أي إقصاء أو تمييز، والاعتراف بدور الشباب عبر إشراكهم في العملية السياسية وحثهم على المشاركة في أنشطة المجتمع المدني، وإدماج المتطوعين من كتائب الجيش الحر في المؤسسة العسكرية، والاستفادة منهم في ترسيخ الأمن وحماية الحدود، وتأمين الإغاثة الإنسانية العاجلة لنحو ثلاثة ملايين مواطن سوري في المدن والمناطق الأكثر تأثراً بالأحداث، والنهوض بالاقتصاد السوري بعد أن استنزف فساد آل الأسد مقدرات الدولة ومواردها.
وفي الوقت الذي يكمن التحدي الأكبر فيه بالنسبة لأحزاب المعارضة في قدرتهم على النهوض بالعمل السياسي إلى مستوى الحراك الشعبي والعمل المسلح، يمكن القول بأن نجاح قادة الائتلاف سيقاس في مدى قدرتهم على تحقيق مفهوم: "الائتلاف الوطني" والتوصل إلى توافق شعبي لرؤية سورية محضة تحقق مصلحة الوطن قبل مراعاة مصالح الدول الداعمة لهم... وتلك الراعية للائتلاف.