السلطة العِضِـين
13 رمضان 1433
زياد آل سليمان

     قال تعالى: {كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْآنَ عِضِينَ * فَوَرَبّكَ لَنَسْأَلَنّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} سورة الحجر، الآيات: 90- 93، والمراد بالمقتسمين المتحالفين, أي: تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم، وأما العِضِينَ: فجمع عضة وهي العضو من الشيء، أي: جعلوه أجزاء متفرقة، وقيل المراد بالآية أهل الكتاب الذين آمنوا بما أحبوا من القرآن ووافق أهوائهم وكفروا بالباقي، أو جزءوا كتبهم المنـزلة عليهم فآمنوا ببعض وكفروا ببعض، ومثله قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، سورة البقرة، آية: 84- 85، وسبب نزول هذه الآيات كما ذكر الطبري وغيره: أن قريظة كانت حلفاء الأوس، وكانت النضير حلفاء الخزرج بالمدينة، فكانوا يقتتلون في حرب بينهم فتقاتل بنو قريظة مع حلفائها النضير وحلفاءهم، وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها ويغلبونهم، فيخربون ديارهم ويخرجونهم منها، فإذا أسر رجل من الفريقين كلاهما جمعوا له حتى يفدوه، فتعيرهم العرب بذلك، ويقولون: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا: إنا أمرنا أن نفديهم، وحرم علينا قتالهم، قالوا: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحي أن تستذل حلفاؤنا، لذلك عيرهم الله عز وجل باستفهام معناه التوبيخ والإنكار، ولم يذمهم على الفداء بل على المناقضة بالإتيان ببعض الواجب وترك البعض، فالأمور الثلاثة كلها قد فرضت عليهم، أن لا يسفك بعضهم دم بعض، ولا يخرج بعضهم بعضا، وأن يفدوا أسيرهم، فعملوا بالأخير وتركوا الأول، فأنكر الله عليهم ذلك فقال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ} وهو فداء الأسير {وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} وهو القتل والإخراج.

 

      إن هذا المشهد المتناقض يتكرر اليوم، ونراه جليًا ولكنه ليس من بني إسرائيل بل من حلفاء لهم، عندما تطالب السلطة الفلسطينية الاحتلال الصهيوني بالإفراج عن الأسرى، وهي تقوم بالأسر والسجن، والتنسيق الأمني، وتبادل الأدوار مع الاحتلال بالإفراج اليوم عن السجين ليعتقله الاحتلال في الغد، فإن الدور العضين يتكرر، ولهذا لم يكن مستغربا أن يسخر المسؤول الأمني السابق في جهاز المخابرات العامة الفلسطينية فهمي شبانة، مما أسماه تباكى القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئاسة الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة "فتح" ومجلسها الثوري، على الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية، مؤكدا أن عددًا كبيرًا من السجناء الفلسطينيين زُجوا في سجون الاحتلال بفعل أيدي هؤلاء المسؤولين المعروفين بتنسيقهم الأمني الرسمي والشخصي مع الاحتلال، وأن نسبة الأسرى في سجون الاحتلال نتيجة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال تصل إلى 25 في المائة من مجموع الأسرى.

 

      لقد كانت عاقبة فعل اليهود الخزي في الدنيا، وإن هذه السلطة إن لم تراجع حساباتها فإن مصيرها سيكون كمصير حلفائها، والسؤال إلى أين ستمضي فرص المصالحة في وسط هذا الوحل من التخاذل والتنازل والتنسيق الأمني مع الاحتلال!