الرق بين المسلمين والغربيين!! - 1
7 شعبان 1433
منذر الأسعد

-1-

(الإسلام محرر العبيد/ التاريخ الأسود للرق في الغرب) هو عنوان كتاب طيب من تأليف الأستاذ حمدي شفيق رئيس تحرير جريدة النور الإسلامية، حيث يقيم الحجة العلمية الدامغة على غلاة المستشرقين وتابعيهم من التغريبيين الذين دأبوا على قلب الحقائق إذ يتهمون الإسلام والمسلمين زوراً بشرعنة الرق، ويتعامون عن تاريخهم الأسود في تجارة الرق بصورة ربما لم تعرفها البشرية البتة من حيث الحجم والنوع والأسلوب.

 

فالرجل يقدم الأدلة على تغلغل فكرة استرقاق البشر لدى الأوربيين منذ القديم، حيث كان فلاسفة اليونان الذين يفتخر الغرب بهم كانوا يجاهرون بتأييدهم للرق!! ويرى أفلاطون أن العبيد لا يصلحون لأن يكونوا مواطنين!! وعليهم فقط لزوم الطاعة العمياء لسادتهم أحرار أثينا!!. ولا ندري أي مدينة فاضلة تلك التى يكون ثلاثة أرباع أهلها من العبيد!!أما تلميذه أرسطو فهو يرى أن بعض الناس خُلِقُوا فقط ليكونوا عبيدًا لآخرين يوجهونهم كما يريدون، وبعضهم خُلِقُوا ليكونوا سادة، وهم الأحرار ذوو الفكرة والإرادة والسلطان. فالعبيد خلقوا ليعملوا كأنهم آلات، والأحرار خُلِقُوا ليفكروا ويلقوا الأوامر لينفذها العبيد!! ويجب فى رأي أرسطو أن يستمر هذا الاستعباد حتى يتوصل الإنسان إلى صنع آلات معدنية تحل محل الرقيق!!

 

وفي ظل هيمنة الكنيسة على المجتمعات الأوربية بعد دخول النصرانية إلى صفوف الروم حيث شوهوا نقاء التوحيد فيها، وحرفوا الكلم عن مواضعه، فقد أيد رجال الأكليروس الرق تأييداً شديداً!!

 

يقول ول ديورانت في قصة الحضارة: "أصبحت الكنيسة أكبر ملاك الأراضي وأكبر السادة الإقطاعيين فى أوربا، فقد كان "دير فلدا" مثلاً، يمتلك [15000] من العبيد، وكان دير "سانت جول " يمتلك ألفين من رقيق الأرض...".

 

ويتوقف المؤلف عند مأساة الهنود الحمر الذين نالوا القسط الأوفر من الإبادة والاستعباد الغربيين.. فقد كان اكتشاف الأمريكتين- بالإضافة إلى الثورة الصناعية – كارثة كبرى حلت بعشرات الملايين من سكان أمريكا الأصليين . والذى حدث هو أن عصابات البيض التى وصلت أمريكا وجدت مساحات هائلة من أخصب أراضى العالم البكر بحاجة إلى عشرات الملايين من الأيدى العاملة التى تعذَّر عليهم تدبيرها من أوربا، ولذلك فكَّر الغُزاة فى السيطرة على الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين، لكنهم فشلوا فى استعبادهم,فلم يتورّعوا عن القضاء عليهم!! وهكذا وقعت واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية فى التاريخ .. ويقدر الباحث منير الحمش أعداد السكان الأصليين الذين أبادهم الغزاة الأوربيون بأكثر من مائة مليون هندى أحمر!!! ولم "يتورّع" السادة البيض الذين أسسوا ما يسمى الآن بالولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام أحط الوسائل وأخس السُبل للقضاء على الهنود الحمر، ومنها تسميم آبار المياه التي يشرب منها السكان الأصليون، وحقنهم بالفيروسات وجراثيم أشد الأمراض فتكاً مثل الطاعون والتيفود والجدري …إلخ.

 

ويحاول المؤرخون الأمريكيون التقليل من أعداد الضحايا زاعمين أنهم نحو مليونين فقط، وفى إحصاء عام 1900م قللوا الرقم إلى مليون لا غير!! فهل إبادة مليون نفس أمر هَيِّن؟!!! ويشير المفكّر الإسلامي علي عزت بيجوفتش – رئيس البوسنة الأسبق – إلى القانون الأمريكي الذي ظل ساري المفعول حتى عام 1865م، وكان ينص على حق الأمريكي الأبيض في الحصول على مكافأة مجزية إذا قدم لأي مخفر شرطة "فروة رأس هندي أحمر"!!! 

 

ويضيف منير الحمش أن 80% من هنود "كاليفورنيا" مثلاً أبيدوا خلال عشرين عاماً فقط، وهلك الباقون بسبب العمل الشاق حتى الموت "بالسُخْرة في سبيل رفاهية "السادة" البيض!! وكان اكتشاف مناجم الذهب والمزارع الشاسعة فى كولورادو وغيرها من ولايات الذهب وبالاً على الهنود المساكين، إذ دفعت رغبة البيض المجرمين فى الحصول على أيدى عاملة رخيصة إلى انطلاق أخس وأقذر تجارة في التاريخ بأمريكا، وهي خطف الأطفال والشباب لاستعبادهم! وهكذا نشطت تجارة خطف أطفال الهنود من مختلف مناطق أمريكا .وكانت صحف تلك الفترة تمتلىء بصور الشاحنات المكتظة بأطفال الهنود الحمر المتجهة عبر الطرقات الريفية إلى أسواق العبيد فى "سكرامانتو" و"سان فرانسيسكو" ليتم بيعهم إلى أصحاب المناجم والمزارع .

 

ومع نهاية القتال فى سنوات الاحتلال الأولى، زاد الإقبال على خطف الفتيات - بصفة خاصة – فَهُن يقدمن خدمة مضاعفة " للسادة البيض" العمل الشاق نهاراً، والجنس الإجبارى ليلاً(!!) .. وأما الآباء المساكين فإن غضبهم الناجم عن خطف واغتصاب واستعباد فلذات أكبادهم، كان معناه أنهم - فى نظر الأسياد البيض - "عناصر شغب" تستحق الإعدام فوراً وبلا محاكمة!! وبذلك تحول الخاطفون إلى "أبطال وطنيين أمريكيين" يساهمون فى التخلص من "المشاغبين الهنود" الذين يشكلون خطراً داهماً على "أمن الدولة" الأمريكية الناشئة!!!

 

ويقول المؤرخون :إن هذه القرصنة وجدت من "يقنّنها" ويضفي عليها الشرعية التامة عبر قانون أصدره برلمان ولاية كاليفورنيا فى أول جلسة تشريعية له فى عام 1850م!!! وأصبح خطف الهنود الحمر واستعبادهم بموجب ذلك التشريع عملاً قانونياً يستحق فاعله الثناء والتكريم!!! وبموجب تعديلات أضيفت عام 1860م تم إجبار عشرة ملايين هندى أحمر على القيام بأعمال "السخرة" حتى الموت!! ولم تمض سنوات على هذا التشريع الإجرامي حتى ضاق حاكم الولاية بيتر بيزنت ذرعاً "بالسُخْرة"، فوجه رسالة إلى المجلس التشريعي قال فيها : "إن الرجل الأبيض الذى يعتبر الوقت من ذهب، والذى يعمل طوال النهار، لا يستطيع أن يسهر طوال الليل لحراسة أملاكه. وليس أمامه خيار آخر سوى شن حرب إبادة!!! إن حرباً قد بدأت فعلاً، ويجب الاستمرار فيها حتى "ينقرض الجنس الهندى تماماً"!!!

 

وهكذا أباد "السادة البيض" 112 مليون هندى أحمر، وأُبيدت معهم حضارات "المايا" و"الأزتيا" و"البوهاتن" وغيرها لإقامة أمريكا زعيمة النظام العالمي الجديد!!!

 

والوجه الآخر لوحشية الغرب المنافق هو استعباد ملايين الأفارقة بالقوة، وكثيراً ما كان البحارة يقتلون المئات من الضحايا ويلقون بجثثهم فى البحر. وعلى ذلك فإن ما لا يقل عن مائة مليون أفريقى قد لقوا حتفهم في 50 عاماً فقط خلال ملاحم "اصطياد العبيد" من القارة المنكوبة .

 

تقول دائرة المعارف البريطانية فى مادة "العبودية" slavery : إن الإنجليز كانوا يشعلون النيران فى الأحراش والأشجار المحيطة بأكواخ الأفارقة، فيضطر هؤلاء المساكين إلى الخروج من مساكنهم هرباً من النيران، فتتلقفهم رصاصات القناصة لقتل الرجال, بينما يتم أسر الأطفال والنساء، ثم ترحيلهم إلى مراكز لتجميع العبيد على طول الساحل الغربي الأفريقي تمهيداً لنقلهم بالسفن عبر المحيط الأطلنطى في رحلة بلا عودة!! ونلاحظ أن هذا هو الأسلوب ذاته الذى جرى استخدامه "لاصطياد الهنود الحمر، كما يصطادون الوحوش والحيوانات غير الأليفة من الغابات"!!