الفتنة الطائفية في مصر
29 رجب 1433
منذر الأسعد

الكتاب: الفتنة الطائفية في مصر/ الجذور.. الواقع.. المستقبل
تأليف: راغب السرجاني
ط1- الناشر:أقلام للنشر والتوزيع  – 1432/2011 م – 182 صفحة

*******

 

يفتتح الدكتور السرجاني كتابه هذا بخطورة الفتنة الطائفية وبخاصة عندما تمس العقائد، التي هي أغلى ما يمتلكه الإنسان، ولذلك يتشبث بها وربما يهجر وطنه ويجود بنفسه وولده وماله دفاعاً عنها.ومن الشر المستطير أن يتوهم إنسان أنه يستطيع إجبار الآخرين على الانخلاع من معتقداتهم عنوة. وعليه فإن الحروب ذات البعد العقدي هي أشد الحروب شراسة وأكثرها عبثية وعدمية.

 

أما  الحالة المصرية  الطارئة فتقتضي بحسب المؤلف رجوعاً مبدئياً إلى الجذر التاريخي للعلاقة بين المسلمين والنصارى فيها، من نقطة الاحتكاك الأولى عشية الفتح الإسلامي الذي أنقذ مصر من براثن الغزاة الرومان الذين ساموهم سوء العذاب 600 سنة، والإسلام هو الذي منح أهل مصر النصارى الفرصة الفعلية الأولى لممارسة حرية الاعتقاد بلا ضغط أو إكراه.
ولذلك ثبت في مراجع التأريخ القبطية ذاتها فرح النصارى بالفتح الإسلامي الذي حررهم من عسف الرومان النصارى!!

 

وقد اتسمت العلاقة بين المسلمين والقبط في مصر بالهدوء والسلاسة ولم يعكر صفوها شيء، حتى في محنة الغزو التتري بنقيض نصارى الشام الذين تعاونوا مع هولاكو ضد المسلمين!! لكن المحطة الفاصلة في هذه العلاقة ابتدأت مع الحملة الفرنسية –الصليبية- على مصر بقيادة نابليون بونابرت في عام 1798م، الذي أعلن وهو في طريقه إلى أرض الكنانة عن اعتزامه تأليف جيش من أبناء الأقليات يتكون من 20 ألف مقاتل.وقد استجاب للدعوة الفرنسية الآثمة قبطي يدعى: يعقوب حنا حيث نهض بتأليف ما سمي: الفيلق القبطي ويضم 2000 مقاتل في خدمة الاستعمار الفرنسي.

 

والمفارقة أن الدولة العثمانية أصرت على مسلميها عند اندحار الفرنسيين عن مصر 1801م  ألا ينتقموا من النصارى واليهود والتمست العذر للمتعاونين منهم مع المحتل، بالحرص على حماية أعراضهم وأموالهم!!

 

واستجاب المسلمون لتوجيهات خليفتهم فعادت العلاقة مع النصارى سيرتها الأولى بلا منغصات، لكن الغرب المهزوم لم يقر بهزيمته فقد استغل الاستعمار الإنجليزي مشاجرة فردية عابرة ليغزو مصر ويحتلها ويجهض مشروعها الحضاري على أيدي الأحرار من أهلها.
لكن الغزاة الجدد فوجئوا بالمصريين من مسلمين ونصارى يقفون صفاً واحداً في مواجهة الاحتلال البريطاني.

 

إلا أن شنودة الثالث الذي أصبح بابا الأقباط في عام 1971م "نجح" في ما فشلت فيه القوى الاستعمارية الصليبية كافة، فقد أدخل أنف الكنيسة في السياسة بالرغم من المقولة الشائعة كنسياً: دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر!!وصار للكنيسة هرم إداري للضغط وحشد الجمهور في مصر وفي الخارج على حد سواء، وصارت للقبط مطالب تعجيزية في بناء الكنائس لتغيير وجه مصر والإيحاء بأنها دولة "مسيحية"، وأصبح استفزاز الدولة سلوكاً يومياً بحيث يتخذ غلاة القبط من موقع تجاري أو منشأة خدمية كنيسة غير مرخص لها، فيلتهب شعور الجيران المسلمين وبخاصة أن كثيراً من تلك التغييرات جرت في أحياء ليس فيها غير عدد قليل من  النصارى، وهنالك حالات في أماكن ليس فيها نصراني واحد!!

 

وإذا كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات أدرك خطورة رضوخه لاستفزازات الكنيسة فعزل شنودة من موقعه على رأس الكنيسة فإن الكارثة الكبرى جاءت على يد خلفه حسني مبارك الذي اضطهد المسلمين حتى من التيارات السلمية الوادعة، ونافق الكنيسة على حسابهم وعلى حساب مصر كلها.فالرجل لم يكن يعنيه سور إرضاء الغرب، فضلاً عن شعوره بعدم اقتناع الأكثرية المسلمة به وبسياساته، وفاعتمد على الأقلية النصرانية وعلى التغريبيين المبغضين للإسلام وأهله. وتضاءل دور الدولة أمام تغول الكنيسة التي أخذت تعتقل الأقباط الذين يعتنقون الإسلام جهاراً نهاراً!!
لكل ما سلف، فعندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011م، وقف شنودة مع نظام مبارك ومساعيه لتوريث حكم مصر لابنه جمال!!

 

ويختتم السرجاني  كتابه القيم بمقترحات يوصي بها لحل الإشكال والخروج من الفتنة التي تسبب بها غلو شنودة وطموحاته الطائفية وغير الواقعية، وأهمها: إقامة دولة عادلة قوية مستقلة عن إملاءات الخارج، وإزالة عناصر التأجيج السياسي..