انتخابات الرئاسة وكشف مستور أدعياء الثورة
21 رجب 1433
خالد مصطفى

رغم الإنجاز الكبير الذي حققته بعض الثورات العربية ومنحها حلا سلميا للإصلاح وإزاحة الحكام المستبدين دون الدخول في صراعات مسلحة طويلة إلا أنها ابتليت بفئة من العلمانيين المتطرفين المعادين بقوة لجميع المشاريع الإسلاميه مهما كانت معتدلة وواقعية, ويسعون بشتى السبل لفرض إرادتهم رغم أنف الجماهير حتى لو أدى ذلك لعودة الانظمة القديمة الذي ثار الشعب عليها بعد أن نهبت ثرواته لعشرات السنين..

 

لقد كشفت بعض الثورات العربية أن عددا لا يستهان به من العلمانيين لا يعترفون بالحرية و"الديمقراطية" إلا إذا أتت بهم إلى مقاعد السلطة عكس ما يشيعون عن الاسلاميين, وأنهم يدخلون في صراع نفسي كبير عندما يبتعدون عن الاضواء والكراسي..صُدمت بشدة من مواقف هؤلاء بعد نتيجة الانتخابات الرئاسية في جولتها الاولى بمصر فرغم مواقف بعضهم المخزية من قبل إلا أني لم أكن أتصور أن تصل بهم الانانية وحب الذات حتى يفضلوا مصالحهم الضيقة على مصلحة الوطن ويستهينوا بهذا الشكل بدماء القتلى الذين سقطوا بأيدي النظام الإجرامي رغم تشدقهم ليل نهار بحقوقهم والمزايدة على البرلمان في هذا الشأن والادعاء أن الاسلاميين نسوا دماءهم بعد وصولهم لمقاعد البرلمان! واتضح أن القضية هو محاولة زيادة عدد ساعات ظهورهم على الفضائيات وامتلاء جيوبهم بأموال رجال أعمال النظام الفاسد الذي تم خلعه ومهاجمة الإسلاميين الذي نالوا ثقة الشعب مما أصابهم بالرعب من الاختفاء عن الساحة...

 

لقد ظهر بعضهم في تبجح نادر ليقول أنه مع الفريق أحمد شفيق ضد "الإخوان" والبعض الآخر قرر الامتناع عن الادلاء بصوته مؤكدا أنه يتفهم موقف من سيعطي شفيق "المتهم الاول في موقعة الجمل" صوته!يا لروعة "ديمقراطية" هؤلاء وابتذالها! والبعض خرج ليستهزأ بالاسلاميين ويقول "أنهم لم يخرجوا في ثورة 25 يناير ولكن في ثورة 25 ذي القعدة"! كلام غريب لتبرير انتهازيتهم وبيعهم للوطن ..

 

والسؤال هل يمكن أن يصل الكذب إلى هذا الحد؟ ويصدق الكاذب نفسه على هذا النحو؟ لقد خرج عدد من شباب ومنظري العلمانيين الذي شاركوا في الثورة بعد خلع مبارك مباشرة ليشيد بالتيار الإسلامي وعلى رأسه جماعة الإخوان مؤكدا على حمايتهم للميدان في موقعة الجمل, وأكد آخرون أن شباب الإخوان كانوا معهم منذ اليوم الاول بشكل غير رسمي وأنهم من 28 يناير كانوا موجودين بقوة بشكل رسمي وحتى 11 فبراير يوم تنحي مبارك والجميع يعلم أن من خرج يوم 25 يناير لم يكن يريد ثورة ولكن احتجاجا عاديا وأن فكرة الثورة لم تأت إلا فيما بعد , وهذا كلام أحد ألد أعداء التيار الإسلامي وأحد المخططين لمظاهرة 25 يناير وهو الملياردير ممدوح حمزة على قناة الجزيرة مع أحمد منصور؛ فكيف أصبح الآن الإسلاميون خارج الثورة لأنهم لم يشاركوا من يوم 25 يناير؟ وهل الثورة كانت ستنجح دون زخم الإسلاميين وتأثيرهم طوال 15 يوما؟ وهل من خرج 25 يناير بأعدادهم التي لا تزيد عن عدة آلاف كان يمكن أن يصنعوا ثورة في بلد مثل مصر؟ الحقيقة أن هؤلاء قبل غيرهم يعلمون أنه لولا فضل الله ثم مشاركة الإسلاميين بما يحوزون عليه من ثقة الشعب والتي ظهرت بقوة في الاستفتاء ثم في انتخابات مجلس الشعب والشورى , هي التي أدت لنجاح الثورة أما هؤلاء الذين كانوا يصرخون في كل مظاهرة لا يخرج فيها الإسلاميون بعد الثورة لقلة عددها لم يكونوا قادرين بأعدادهم ولا تأثيرهم على صناعة ثورة في بلد مثل مصر ولا حتى في موزمبيق..

 

لقد اندهشت بقوة من موقف المرشح حمدين صباحي بعد ظهور نتائج المرحلة الاولى وإن كنت أستطيع تفهم "حالة الغرور" التي أصابته نتيجة لحصوله على عدد من الاصوات لم يكن يتخيله ـ لاعتبارات ليست كلها ترجع إليه وإلى امكانياته

 

أليس من العبث أن تبتز أطراف علمانية تدعي الثورية جماعة شاركت بقوة في الثورة لكي تستجيب لمطالب تصل لحد التنازل عن مبادئها التي تم انتخابها على أساسها وحصولها على المركز الاول رغم الهجوم الشرس عليها طوال الاشهر الماضية على أكثر من 20 قناة يسيطر عليها علمانيون معادون للشريعة كمرجعية للدولة؟ هل هذه الثورية والوطنية التي يتحدثون عنها؟ إما أن يركع مرسي لهم أو يتركوا تلميذ مبارك يأتي للسلطة يالتصويت له كما صرح البعض مثل الملياردير القبطي نجيب ساويرس أو الامتناع عن التصويت مثل الملياردير الليبرالي ممدوح حمزة..وإذا كانوا مصرين هكذا على العزل السياسي وإبعاد شفيق لماذا لم يفعلوا ذلك قبل الجولة الاولى ويقاطعوا الانتخابات وينزلوا للميادين كما يفعلون الآن أليس هذا أكثر منطقية وعقلانية وقبول لدى الشعب؟ أم بعد الهزيمة يقولون "خلاص مش لاعبين" مثل الاطفال الصغار..

 

والكلمة التي أوجهها الآن هي إلى د .محمدمرسي وجماعة الإخوان تتلخص في أنه لا يحق لكم التنازل عن الثوابت التي مكنتكم من الفوز في الجولة الأولى بأكبر عدد من الأصوات رغم تفتيت أصوات الإسلاميين بين ثلاثة مرشحين والحملة الشرسة ضدكم, وأنه لا فائدة من أصوات تأتي بالابتزاز وخدمة أغراض جماعات معينة لا تخدم مصلحة الوطن ولا طموحات الشعب بل تستعلي عليه وتعتبره جاهلا يحتاج إلى من يأخذ بيده, أما التوافق على الرؤى الوطنية العامة التي تخدم أهداف الثورة الحقيقية فأهلا بها..

 

وستثبت الايام أن التيار الإسلامي رغم بعض أخطائه هو الاقدر والأنزه على قيادة البلد إلى المستقبل إذا تمكن من الاتحاد وتجاوز المؤمرات الداخلية والخارجية.