أهالي جبل الزَّاوية يقولون: الغوثَ...الغوثَ
27 صفر 1433
سعد العثمان

نحن أهالي جبل الزَّاوية من محافظة إدلب، وجبل الزَّاوية سلسلة جبليَّة تضمُّ حوالي أربعين قرية، بين الوديان والجبال، ومساحة قراها وبلداتها متفاوتة المساحات، وتعتبر مدينة أريحا هي أكبر بلداتها.

 

نوجِّه نداءً إلى كلِّ ضمير حيٍّ، إلى كلِّ مسلمٍ يوحِّد الله، وإلى كلِّ عربيِّ شريف حرٍّ، وإلى كلِّ إنسان في العالم بأسره، نقول:
يصعب علينا اختزال الآلام والمحن التي نمرُّ بها، منذ عشرة أشهر، حيث دخلت قوى الجيش، برفقة المرتزقة ممَّن هم تابعون للنِّظام السُّوريِّ، ويُطلق عليهم اسم: (الشَّبيحة)، والمرتزقة من ميليشيات نصر الله وإيران، ومؤخَّراً من فيلق بدر العراقيِّ وكتائب الصَّدر.

 

والآن ونحن في فصل الشِّتاء القارس، نظراً للطَّبيعة الجغرافيَّة لجبل الزَّاوية وأريحا، إذ تتكوَّن من سلاسل جبليَّة، وتضاريس ذات طبيعة قاسية، وخاصَّة في فصل الشِّتاء، فقد اشتدَّت علينا وطأة الظُّلم والقهر، والاستباحة لمنازلنا وممتلاكاتنا، حتَّى الأبقار والأغنام لم تسلم من هذا البطش اللا إنسانيِّ، ونحن هنا إذ نتحدَّث عن جبل الزَّاوية، فهذا لا يعني أنَّها منفصلة من حيث المعاناة عن باقي محافظة إدلب، بل إنَّ البطش والعنف والانتهاك طال جميع المحافظة وأريافها، وكلُّ هذا موثَّق بالصَّوت والصُّورة، حيث إحراق المنازل ونهبها، وقتل المواشي بكافَّة أنواعها، كما حدث مؤخَّراً في بلدة " تفتناز" المجاورة لمركز مدينة إدلب، وكما فعلوا بمزرعة أبقار في قرية " إبديتا"  مسقط رأس العقيد: رياض الأسعد قائد الجيش السُّوري الحر، وكما يفعلون في كلِّ وقت منذ أشهر.

 

وتأتي عوامل الجوِّ البارد مكمِّلة لهذه المآسي، في ظلِّ انقطاع الدِّيزل بشكل كامل، علماً أنَّ الدَّبابات العسكريَّة، كلُّ واحدة منها تحوي في خزَّانها: 3000 لتر مازوت، أي ما يعادل استهلاك 6 عائلات بأكملها لموسم شتاء كامل، وإذا نظرنا للأمر من حيث كثرة المجنزرات، وتجوالها في بلادنا نستطيع تقدير مدى احتكار الوقود لصالح القتل والاستباحة والتَّرويع، ناهيك عن المؤن الغذائيَّة الشِّبه مقطوعة، واحتكارها من قبل التُّجار الدَّاعمين للنِّظام، إذ أنَّ مادَّة الخبز شبه مقطوعة عن النَّاس، ولا تصل معظم القرى، أو أنَّها تصل بطرق غاية في الصُّعوبة، نظراً لكثرة حواجز التَّفتيش التي توقف النَّاس، وتسلبهم حتَّى أبسط الأشياء. ولعلَّ المجزرة التي حصلت مؤخَّراً في قرية " كفرعويد"؛ لهي أصدق مثال على جرائم هذا النِّظام الذي فقد أدنى مراتب الإنسانيَّة.

 

نحن نعاني منذ أشهر أعتى وأقصى الظُّروف، من استباحة واعتقال وقتل، وانقطاع للاتصالات والكهرباء بكافَّة أشكالها، والآن مازالت الاتصالات تنقطع، و إن أتت تأتي بشكل متقطِّع، أمَّا الاتصالات الخليويَّة فهي مقطوعة بشكل شبه كامل مع الأنترنت، الذي هو حلم الشَّعب السُّوري منذ سنين، وضمن هذه الحملة المستمرة للجيش السُّوري  منذ أشهر، فإنَّ معظم العائلات تشرَّدت في المحافظات السُّورية الأخرى، أو على الحدود التُّركيَّة ضمن ظروف غاية في الحزن والأسى، ومن بقي من النَّاس، معظمهم تشرَّد بين الجبال، والتَّنقل بين القرى والهجر والمزارع، يفترشون الأرض، ويلتحفون السَّماء، ومن لم تطاله يد التَّنكيل والقتل، يقبع في أقبية المخابرات، لدرجة أنَّ السُّجون في محافظة إدلب امتلأت، فأصبحت حشود المعتقلين يتمُّ ترحيلها إلى أفرع الأمن في دمشق وحلب، وبالتَّحديد فرع: 271، ومديره: علي مملوك، حيث امتلأ الفرع هناك من بلدة " كفرنبل "، والقرى المحيطة بها، ضمن ظروف غاية في القسوة والتَّعذيب والمعاملة اللا إنسانيَّة، أمَّا المستشفيات الغير مؤهلة بالأساس، فهي حكر على الشَّبيحة، إذ حوَّلوها لثُكنات أمنيَّة وثُكنات عسكريَّة، فلا يوجد علاج للمواطنين، ولا أحد يجرؤ على الذَّهاب إليها؛ لأنَّه ربَّما لا يعود، حيث تمَّت عشرات الجرائم في المستشفيات، من قتل للجرحى واعتقالهم، وعدم تسليم الجثث إلا بالتَّوقيع من ذويهم، أنَّ المغدور قُتل على أيدي عصابات إرهابيَّة، والإعلام السُّوري المفبرك، يزوِّر الحقائق بما يخدم النِّظام السُّوريَّ، ويترك الأمور في تعمية وتعتيم تامٍّ للأحداث المؤسفة، والتي  باتت معروفة للقاصي والدَّاني، وإن وصل أحد المرضى أو الجرحى بقدرة قادر لأحد المستشفيات، فإنَّه على الفور يتمُّ طرده، وعدم الاستجابة لصراخات الألم والعذاب.

 

ويأتي تهديد الأهالي من قبل الأمن عاملاً مهمَّاً في إشاعة الخوف والتَّرويع، وجميع العائلات مهدَّدة بالاعتقال والتَّنكيل، إن ظهر أحد منهم على مقطع فديو يشرح فيه الحالة الإنسانيَّة القاسية، أو يتمُّ تهديد الأهالي بطرقٍ غاية في الانحطاط البشريِّ، بل إنَّ عصر الانحطاط لهو أجلى وأبهى، من هذا الانحطاط اللا إنسانيِّ واللا أخلاقيِّ الذي تمارسه عصابات السُّلطة اللا شرعيَّة.

 

والآن وبعد هذا المخاض العسير، جاءتنا المبادرة العربيَّة الغامضة في المبنى والمعنى، نموت أمام أعينهم، الجيش يستبح البيوت وينهبها أمام أعينهم، بل إنَّهم أصبحوا مفردة من مفردات الثُّوار، إذ نراهم يهرعون خوفاً وهلعاً من الرَّصاص المنهمر علينا، فيركضون كما نركض، وتموت ضمائرهم أمام أعيننا، كما يموت شبابنا، وكأنَّ هذه المبادرة الركيكة، جاءت لتعاين القتل، وتقف مكتوفة الأيدي، علماً أنَّ أهمَّ بنودها سحب المظاهر العسكريَّة، وعدم التَّعرض للمتظاهرين السِّلميين، إنَّها مسرحيَّة هزليَّة بامتياز، ولكنَّها مسرحيَّة واهية هشَّة فاشلة، وجمهورها هم المخرجون والمنتجون ومرتزقة الأنظمة الدُّكتاتوريَّة، ولا وجود لمصفِّق لهذه المهزلة؛ إلا من تاريخه حافلٌ بالدَّم والقتل، وسجلُّه موثَّق بجرائم ضد الإنسانيَّة، وإن وُجد أصحاب الضَّمائر الحيَّة، بين هؤلاء المراقبين، فإنَّ طريقه مسدود، وصوته مقموع كصوتنا.

 

إنَّنا وإذ نعيش في ظلِّ هذه الظُّروف، نطالب كلَّ الجهات المعنيَّة بحقوق الإنسان، اعتبار منطقة جبل الزَّاوية وقراها، ومدينة أريحا بما حولها منطقة منكوبة، لأنَّها تقع بين تضاريس غاية في القسوة، وتحت تحليقٍ للطَّيران العموديِّ والمروحيِّ، وتحت رصاصٍ لا يهدأ، وإن هدأ في بعض ساعات النَّهار، فإنَّه ومع بداية غياب الشَّمس، يبدأ بشكل مرعب ومستمر حتَّى الصَّباح، بكافَّة أنواع الأسلحة، ونخصُّ هنا الأسلحة الثَّقيلة من مجنزرات الجيش السُّوري، التي لم تترك شيئاً حتَّى الحيوانات، فالمواشي والطُّيور لم تقِل شئناً عن ممارسات الانتهاك التي تمارسها عناصر الجيش السُّوري، فأصبحت قرانا وممتلكاتنا مستباحة بشكل لا أخلاقي ولا إنساني، فلأنَّ بعض الجنود الشُّرفاء انشقُّوا لهول الجرائم التي يؤمرون بارتكابها، فإنَّ ملاحقتهم تجري بالطَّيران، وعبر كلِّ الوسائل، وعبر إطلاق القذائف عشوائيَّاً، فتطال أوَّل ما تطال الأهالي، دون تفريق بين شيخ أو شابٍّ أو طفل أو امرأة.

 

إلى متى هذا الحال؟ والقرى تستغيث كلَّ الضَّمائر، وكلَّ لجان الإغاثة في العالم!!.
 إلى متى الجرح ينزف، والعالم في سبات عميق ؟!.
إلى متى ننام على جراحنا وآلامنا وأحزاننا ؟!.

 

نحن إذ نخاطب العالم أجمع، فإنَّنا ربَّما نعرف أنَّ نداءنا لم يلامس ضمائر الحكومات العربيَّة ولا مشاعرهم، في ظلِّ موت العروبة والأخوَّة العربيَّة منذ قرون.
نحن نخاطب كلَّ الأعراق والأديان!!.
نخاطب الإنسانيَّة بضميرها الإنسانيِّ؛ الذي إذا مات تموت معه الدُّنيا، وكلُّ مقومات الحياة!!.
 نخاطب الإنسان حيث هو إنسان فقط، وليس إنسان ينتمي لهذا الدِّين أو العرق أو ذاك!!.

 

إنَّنا نصرخ في وجه الطُّغاة، وسنبقى نصرخ، هكذا اخترنا أن نكون أحراراً أصحابَ حقٍّ وكرامة، وسنبقى كذلك بعون الله تعالى مهما اشتدَّت الظُّروف، فهو طريقٌ اختاره الشَّعب السُّوريُّ الرَّائع، ولن يحيد عنه، مهما تضافرت علينا الظُّروف والمصالح السِّياسيَّة الدَّنيئة، نحن شعب قال كلمته، وكلمتُه حقٌّ، وكلمةُ الحقِّ أمضى وأبقى.

 

أيُّها العالم الحرُّ: نخاطبكم بالمعيار الأخويِّ الإنسانيِّ، نخاطب فيكم بذار الخير والوقوف مع الحقِّ، نحن في جبل الزَّاوية، وفي جميع أرجاء محافظة ادلب من المدينة إلى الأرياف، نحن شعب يحتضر، بين هذه الظُّروف القمعيَّة، بالإضافة إلى افتقار البلاد لكلِّ مقوِّمات العيش، نحن شعبٌ  منكوب منكوب منكوب، فانظروا بمرِآة ضمائركم ماذا أنتم فاعلون؟؟؟؟؟!!!!.