الثورة التونسية في عامها الأول.. ضغوط الواقع ووعود المستقبل
22 صفر 1433
عبد الباقي خليفة

أحيا التونسيون يوم السبت 14 يناير الذكرى الأولى لنجاح ثورتهم، وسط ضغوط الواقع، ووعود المستقبل. وجميعهم يردد، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. ولذلك لم يتوانوا عن الاحتفال بالذكرى الأولى من خلال التظاهرات السياسية والثقافية والرياضية، حيث حضر عدد من الرؤساء ورؤساء الوزراء ورؤساء وفود دولية احتفالات تونس بالذكرى الأولى لثورتها، من بينهم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، وأمير قطر الشيخ حمدآل ثان، ورئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل. كما رحب التونسيون بالزوار العاديين على طريقتهم، وهي تسليم وردة لكل من وطئت أقدامه الأرض التونسية في 14 يناير2012 م.

 

استمرارالدولة:

مثل يوم 14 يناير 2011 والذي يحيي التونسيون هذه الأيام ذكراه الأولى، نقلة نوعية في تونس وعلى جميع الأصعدة، ولا سيما الوضع السياسي، بعد أكثر من نصف قرن من حكم الحزب الواحد، وسيادة الرأي الواحد، والإسقاطات الفوقية على المجتمع سياسيا، واقتصاديا، وثقافيا، وإعلاميا، وخيارات اجتماعية وغيرها.

 

ولم يكن ذلك خاصا بتونس وحدها، بل كان سمة عامة في المنطقة، فلم تمض سوى 11 يوما على نجاح الثورة التونسية بفرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي، حتى اندلعت الثورة في مصر يوم 25 يناير، ثم ليبيا في 14 فبراير، ثم امتدت الثورة إلى بلدان أخرى أبرزها اليمن وسوريا حيث لا تزال الثورتان تدفع أثمان باهظة من الدماء والمقدرات زحفا نحو النجاح.

 

خلال عام تمكنت الدولة التونسية من المحافظة على نفسها، ومنها دفع رواتب الموظفين، كما تمكنت من توفير ديمومة الخدمات، الكهرباء، والماء، والغاز(رغم الأزمة المفتعلة) والمواد الغذائية، ليس ذلك فحسب، بل مثلت شريانا غذائيا وخدماتيا حيويا لليبيا إبان ثورتها وإلى الغد.وقد رفع ذلك قيمة التبادل التجاري بين البلدين من 186 مليون دولار إلى نحو 600 مليون دولار.

 

وفي خلال عام شهدت البلاد ما يمكن تسميته بالانفجار السياسي والإعلامي حيث فاق عدد الأحزاب السياسية المائة حزب. وزاد عدد الجرائد والمجلات فضلا عن المحطات التلفزية الميئتي صحيفة ومجلة ودورية.

وأجرت تونس في 23 أكتوبر الماضي أول انتخابات ديمقراطية حرة وشفافة، أفرزت برلمانا حقيقيا، وحكومة شرعية، ومعارضة قوية.

 

ولم تخل المشاهد كلها من إشكالات وإرباكات منذ فرار الرئيس المخلوع وحتى اليوم. سواء عند محاولة ملئ الفراغ السياسي، وبآليات لا يزال الجدل يدور حول شرعيتها، بل دوافعها. فهناك من يرى بأن الجيش منع محاولة انقلابية لمدير الأمن الرئاسي السرياطي، الذي رتب خروج بن علي من تونس للاستيلاء على السلطة. وأن مساعدي السرياطي منعوا وصول الجيش للحكم، رغم نفي الأخير، من خلال تفعيل آليات انتقال السلطة عند شغور منصب الرئيس بطريقة مرتبكة.

 

عام من الصراع السياسي:

وقد عانت البلاد في ظل غياب الشرعية، من النزاعات السياسية التي حاولت أطراف عدة الحديث باسم الثورة، سواء من مواقع الحكم أو المعارضة. وباسم الثورة جرت عدة اعتصامات، وباسم الثورة أغلقت عدة شركات ومصانع. وفي غياب الشرعية الانتخابية ظهرت هيئات تتحدث باسم الثورة، كما لو كانت مفوضة، لم تنجح منها سوى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، رغم علاتها. كما حاولت ما كان يسمى بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، والهيئة العليا للإعلام، فرض أجندتيهما الخاصة، بل الأحرى أجندة الأطراف التي شكلتها ودعت الآخرين للانضمام إليها. وأعطت لنفسيهما حق الحديث باسم الشعب، بل سن القوانين المنظمة للعمل السياسي والثقافي والإعلامي، وعملتا على وضع الدين في زاوية ضيقة جدا، بل ومضيق عليه. وذلك من خلال محاولة فرض تكميم خطباء الجمعة ومنعهم من التعبير عن رؤية الإسلام السياسية، أو إنْ شئت رؤيتهم كخطباء ومرشدين دينيين للوضع السياسي. إضافة لمنع ظهور قنوات تلفزية دينية، وطالبت بعض الأطراف المتطرفة بإغلاق إذاتة الزيتونة. ولم يكن ذلك من خلال القوانين التي حاولوا فرضها من خارج الإطار الشرعي، البرلمان، وإنما بادعاء التمثيل الجماهيري، الذي بينت الانتخابات أنه كان زعما بدون دليل.ومن خلال دستور أعده شخص، كان سيفرض لو تمكنوا من الحصول على الآليات المقررة لذلك على التونسيين فرضا.

 

وقد حاول البعض الدفع باتجاه استمرار الوضع غير الشرعي، بتأجيل موعد الانتخابات خشية أن تفوز حركة النهضة، ومهدوا لذلك بحملات إعلامية قاسية ضد حزب حركة النهضة، التي لم يتركوا تهمة إلا وألصقوها بها، حتى تهمة العمالة للصهيونية حاولوا إلصاقها بالحركة، وكانت جميع برامج استوديوهات المحطات التلفزية المملوكة للدولة والخاصة وحتى نشرات الأخبار، مخصصة للهجوم على الدين وعلى حزب حركة النهضة بل تجرؤوا على الإسلام نفسه من خلال فيلم، بريسيبوليس، وغيره، واختاروا (يوم الزينة) الذي كان 23 أكتوبر الماضي الذي التقف فيه مشروع النهضة ما كانوا يأفكون.

 

عام من المتاعب الإقتصادية:

ربما يكون الوضع الاقتصادي من الملفات التي لم تحل الثورة مشاكلها، خلال السنة الماضية، وإن كانت إحدى أهم الأسس لاندلاعها، فما جاءت الثورة لمعالجته هو الملف الاقتصادي، فليس بالحرية وحدها يعيش الإنسان.كما أنه ليس بالاعتصمامات والاحتجاجات والمظاهرات تتحقق المطالب، وشعار داويها بالتي كانت هي الداء، ليس دواءً وليس حلاً للأزمة الاقتصادية.ففي 2011 شهدت تونس نحو 400 اعتصام ومظاهرة تطالب إما بالعمل، أو تحسين الظروف المادية، أو لوضع العصا في عجلة الإنتاج كإيقاف شركة الفسفاط عن قفصة وهو ما تسبب في خسائر للدولة تقدر ب مليارات دينار تونسي. فضلا عن إيقاف مصانع الاسمنت، والغاز، والمصانع الكيميائية في الجنوب، والتي عصب الحياة في حياة الناس، وكذلك الأمر بالنسبة لاقتصاد البلاد.

 

وقد صادق المجلس الوطني التأسيسي التونسي على مشروعي المالية وميزانية الدولة للعام الجاري، وتم تخصيص ميزانية للتنمية في حدود 500 مليون دينار تونس(نحو 250 مليون يورو) لصالح 90 منطقة في تونس. وقد تضمن مشروع الميزانية التي بلغ حجمها 22935 مليون دينار، تخصيص 5200 مليون دينار فقط لنفقات التنمية مقابل 13540 مليون دينار لنفقات التصرف. وقال رئيس الوزراء التونسي، حمادي الجبالي، إن "مبلغ 5200 مليون دينار قليل وسنرفع فيه بالربع على الأقل" وأفاد بأن الدولة تريد التعويل على إمكاناتها الذاتية وأنها لن تلجأ إلى مصادر التمويل الخارجية، أي الاقتراض، إلا للضرورة" وتوقع الجبالي أن تمكن الشفافية والحوكمة الرشيدة من تحسين تغطية الموارد الجبائية والجمركية " وأردفإن " عهد التدخل والتحايل وسلب الأموال، المتأتية من الجباية والأداءات الجمركية، قد انتهى " وحسب خبراء الجباية تخسر الدولة سنويا 15 ألف مليون دينار جراء التهرب الضريبي والجمركي الذي كان سائدا في عهد المخلوع.

 

وتوقع الجبالي تحسن أداء المؤسسات العمومية المنتجة، وخاصة شركة فسفات قفصة والمركب الكيميائي بقابس، بعد أن شرعا في استئناف نشاطهما الذي عطلته الاعتصامات. وأفاد بأن نصيب الأسد في مشاريع التنمية لعام 2012 سيكون للجهات الداخلية التي تم تهميشها في العهد البائد. وأن أحزمة وجيوب الفقر التي نسميها مترفة ستأخذ نصيبها أيضا.

 

وزير التنمية الجهوية والتخطيط، جمال الدين الغربي، أكد على إنه تم إقرار نسبة نمو في حدود 4، 5 في المائة ضمن الميزان الاقتصادي للعام الجاري، يقابله إحداث 75 ألف موطن عمل جديد. ويربط وزير المالية الجديد، حسين الديماسي، التنمية بالأمن، إذ أن"استتباب الأمن في البلاد، وإرساء توافق اجتماعي بين الأطراف الاجتماعية والسياسية، من شأنه أن يعيد الاقتصاد إلى نسق نمو أفضل".

 

عام من الانتظارات:

الشيء الذي يمكن تسجيله باهتمام بالغ، هو تعب الناس من الانتظار بعد عام من الثورة. وتحول الاعتصمامات والمظاهرات ومساعي بعض القوى السياسية المهزومة في الانتخابات إلى تعطيل حركة الإنتاج، والتشجيع على البطالة باسم المطالبة بالحقوق، حيث زادت الاحتجاجات من عدد العاطلين ولم تقلصه. كما تهرب بعض الشركات الأجنبية إلى المغرب الأقصى، وتنتظر أخرى حالة الأمن والاستقرار المرجوة للدخول إلى تونس والاستثمار في المناطق المحرومة. وأغلبية المحتجين يتفهمون الوضع عند لقائهم بمن يجيد الشرح، لكنهم يؤكدون أنهم في حالة صعبة، ولذلك غالبا ما يعقب بعض المحتجين على أوضاعهم المعيشية أو الوظيفية ومطالبهم بعبارة، توا توا. ولكنهم يتراجعون عن المضي في العناد المبرر اجتماعيا رغم عدم موضوعيته من الناحية الإجرائية، فلا أحد يملك عصا سحرية لتحقيق مطالب كل الناس في وقت واحد. بينما ارتفع سقف البطالة إلى نحو 800 ألف عاطل عن العمل، وأصحاب الشهادات العليا الذين ينتظرون منذ نحو 10 سنوات يؤكدون بأن صبرهم نفذ.

 

وتقول الحكومة الجديدة إنها لم تستلم الوزارات سوى منذ أيام، وهي في حاجة لوقت لمعرفة ما لديها من إمكانيات إضافية، لتوظيفها في مشروعها التنموي الإصلاحي، علاوة على إن برنامج الحكومة المنتخبة يحتاج لوقت كاف حتى يحيط بأكثر الحالات الاجتماعية تضررا، وفق البرنامج الذي تم وضعه.