19 جمادى الأول 1434

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛ أسألُ اللهَ لنا ولكم الخيرَ كله، دنيا وآخرة، إن شاء الله، إخواني الكرام، أنا شاب لدي 18 سنة، أدرس في الثانوية، ولكن أنا أُحب فتاة تبلغ من العمر 16 سنة، ولكن يشهدُ الرحمـن على أنني لا أريدها في فاحشةٍ أو حرام، بل إنني أُحبها حباً طيباً، الله أعلم به سبحانه، فكيف أتصرف إخواني الكرام؟.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

ابني الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر الله لكَ ثقتكَ بإخوانِك في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يجعل في كلامنا الأثر، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًا،...آمين.. ثم أما بعد:
بداية أوصيك ونفسي بتقوى الله (عز وجل)، في السر والعلن؛ ففيها النجاة والمخرج من كل ضائقة؛ قال تعالى: (وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، والاعتصام بالله (سبحانه وتعالى)، فإن فيه الهداية إلى أقوم الطرق، والعصمة من كل فتنة، قال تعالى: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، فاعتصم بالله، وفر إليه، استعن به على شياطين الإنس والجن، وعلى نفسك التي بين جنبيك.
ولدي:
قرأتُ سؤالك؛ وفهمت مُرادَك، وأقدر مشاعرك النبيلة، وحرصك على عدم الوقوع في الحرام، وبحثك عن أيسر الطرق إلى الحلال، وهي نوايا طيبة بالعموم ، أسأل الله عز وجل أن يجزيك عنها خير الجزاء، وأن يجعلها في ميزان حسناتك يوم القيامة، كما أسأله سبحانه أن يربط على قلبك، وأن يسكن عواطفك، وأن يوفقك لما فيه خيري الدنيا والآخرة.. اللهم آمين يارب العالمين.
وأستعين بالله تعالى، وألخص لك ردي على رسالتك، في النقاط التالية:
1- الزواج سنة متبعة: قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (الروم: 21)، وهو أمر مندوب إليه في حال القدرة عليه؛ فقد أوصى به حبيبُنا محمد (صلى الله عليه وسلم) شباب أمته، فقال لهم: (‏يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج‏).
2- للزواج فوائد عديدة: أشار إليها الشارع الحكيم، منها: غض البصر، وصيانة الأعراض، وحفظ النسل، وتكوين الأسرة الصالحة، وإعفاف الزوج والزوجة، وصيانتهما عن الوقوع في الحرام، وقضاء الوطر، وتكثير سواد الأمة، واستمرار عمارة الأرض بالمخلوقين، لتنفيذ شرائع الله وأحكامه.
3- الإسلام دينٌ واقعي: لا يتجاهل المشاعر، وإنما يسعى لترشيدها، وتهذيبها، وتقويمها في النور،وفي طاعتة الله سبحانه، ووضعها في إطار مشروعٍ، يرضى عنه اللهُ عز وجل، ويوافق عليه نبينا (صلى الله عليه وسلم)، ولا ترفضه الفطرة السوية التي فطرنا الله عليها، وتسعد به بيوتنا المسلمة، فيُسرُ به آباؤنا وأمهاتنا وأهلونا.
4- الله سبحانه هو الذي خلقنا وهو أعلم بما يصلحنا وأعلم بما هو خير لنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا، وقد علم سبحانه وجود مثل هذا الذي تسميه "حباً" يمكن أن يقع بين النساء والرجال، لكنه سبحانه قد قنن هذه الرغبة وسيرها في مسارها الصحيح وهو الزواج - كما سبق - ولم يرتض الإسلام أن تكون هذه المشاعر حرة بلا ضابط وإلا فسدت المجتمعات وانتشر الخراب، وقد وجه الشرع الحنيف الشباب إلى ما يطهر نفوسهم فقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع الباءة منكم فليتزوج وإلا فعليه بالصوم فإنه له وجاء" كما حذرت السنة المشرفة من إطلاق النظر لما حرم الله لما يمكن أن ينتج عنه من تعلق في القلب، وشرعت عدم الخلطة بين الجنسين إلا مع المحارم، حتى تظل مجتمعاتنا كريمة طاهرة نقية، فأنصحك بما وجه إليه ديننا من كل تلك التوجيهات (الصوم - غض البصر - عدم الخلطة) مع التعلق بذكر الله سبحانه ليطرد الشيطان عنك .
5- إذا حدث مع أحد الشباب المسلم ما أشرنا إليه من رغبة في الزواج منها والإعجاب بالدين والخلق، من سيرة الفتاة المعروفة عنها، وبغير وقوع في محرمات، كالنظر إليها والحديث معها وغير ذلك، وكانت ظروفه العمرية والمالية والعائلية والتعليمية تسمح ببناء أسرة، وفتح بيت مسلم، فليستخر الله عز وجل وليتقدم مع أهله إلى أهلها ليخطبها، ويعقدا قرانهما، ويعلنا زفافهما، ليعيشا معًا في هناءٍ وسعادة، وليكونا لبنة في بناء المجتمع المسلم، العابد لربه، الشاكر لنعمه، الواقف عند حدوده.
6- فإذا كانت ظروفهما لا تسمح بإتمام الزواج في هذا التوقيت، لصغر سنهما، أو رفض أهلهما، أو انشغالهما بواجب الوقت وهو إتمام الدراسة، أو لضيق ذات اليد، وعدم ملك مؤنة الزواج، أو نقص القدرة على الوفاء باحتياجات البيت الجديد، فعليهما أن يصبرا حتى يزول العائق والمانع المؤقت، ببلوغ السن المناسبة للزواج، أو قبول الأهل، أو إنهاء الدراسة، أو توفير مكان الزواج، أو تيسر الحالة المادية، ... إلخ، قال الله تعالى " وليستعفف الذين لايجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله "
7- وحتى يزول المانع المؤقت في مثل تلك المواقف ، وينتهي العائق الذي حال دون إتمام الزواج، فعلى الطرفين أن يمتنعا عن كل ما يغضب الله سبحانه من النظر، والحديث، أو التراسل عبر البريد أو الجوال أو الإيميل، وكل ما من شأنه أن يؤجج المشاعر، مما قد يتسبب في الوقوع في المحظور الشرعي، ومن ثم استحقاق غضب الله عز وجل وعقوبته. وأن ينصرفا إلى إزالة العائق بالشكل الطبيعي، فيتما دراستيهما، ويستكملا الناقص منهما، حتى يأذن الله بإتمام الزواج الشرعي.
8- يجب أن تضع ما تتحدث عنه مما اسميته " حبا " في مكانه، فهو إنما هو مجرد الميل العاطفي للجنس الآخر، والذي هو ظاهرة فطرية، تحدث بين الجنسين، وخاصة في المرحلة العمرية التي يسميها خبراء علم النفس والتربية، وعلماء الاجتماع (المراهقة)، وهي مرحلة عمرية تقع بين مرحلتي: الطفولة (بأقسامها الثلاث: الصغرى والوسطى والكبرى)، والرجولة، وفيها يتعرض الشاب والفتاة، لتغيرات فسيولوجية هائلة، بوسعها تدمير أخلاقيات وسلوكيات الشباب والفتاة في هذه المرحلة، ما لم يسيرا وفق شريعة الرحمن، فيسخر الله لهما موجهين أمناء، وأصدقاء صالحين، وزملاء مؤمنين، يأخذون بأيديهما إلى طرق الإيمان، والهداية، والاستقامة.
وأود قبل الختام؛ أن أوضح لك- ولدي الحبيب- أن الطريق أمامك طويل، فحسب رسالتك، فمازالت أمامكما الدراسة في المرحلة الثانوية، والتي ربما تكون أنت في نهايتها، وبعدها تتفرغ لإتمام دراستك الجامعية، ومن ثم البحث عن فرصة عمل تدعمك إذا ما تقدمت لأهلها طالبًا الزواج منها.
فإذا كان الأمر كذلك، فإنني أدعوك إلى التريث، وصرف هذه المشاعر الآن عن طريقك، والتشمير عن ساعد الجد لاستكمال الدراسة، والتفوق فيها، لاستحقاق فرصة عمل مناسبة، تؤهلك لفتح بيت مسلم، وتجعلك جديرًا بامرأة صالحة إذا ما تقدمت يومًا لخطبتها، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وأقبل على دراستك، وانهل من علومك، واصرف قلبك عما تشعر به، فإنه لا يعدو أن يكون تزيينا زينته لك نفسك واستغله الشيطان ليوقعك في الهوى والعشق وكله محرم عند الله لأنه لاينتج خيرا أبدا.