الحركة الإسلامية في تونس من الثعالبي إلى الغنوشي
4 ذو الحجه 1432
منذر الأسعد

تحت العنوان المذكور أعلاه، صدر كتاب منذ سنوات للصحافي والكاتب الجزائري المعروف يحيى أبو زكريا من دون بيان الطبعة ولا الناشر ولا سنة الإصدار، وقد اطلعتُ على الكتاب في نسخة ورقية في موقع: arab-unity.net، وعدد صفحات الكتاب 92صفحة.

 

وقد حرصتُ على عرض رؤوس أقلام لهذا الكتاب، لأن فوز حركة النهضة بأكثرية المقاعد في انتخابات المجلس الـتأسيسي في تونس، والتي جرت قبل أيام قلائل، هو موضوع الساعة الآن، كما أن اسم زعيم الحركة: راشد الغنوشي يملأ الدنيا ويشغل الناس، في تونس مهد ثورات الربيع العربي، وكذلك في المحيط العربي والإسلامي، وفي الساحة الدولية والغربية تحديداً، لما يمثله فوز النهضة من صدمة هناك بتأثير رهاب الإسلام -إسلاموفوبيا- السائد في تلك البلدان وبخاصة في أوساط النخبة السياسية والفكرية والإعلامية.

 

يتألف الكتاب من ثلاثة عشر فصلاً، هي:
= مدخل
= تونس: نبذة تاريخية
= الحركة الوطنية التونسية في عهد الاستعمار
= الصراع بين الأصالة والمعاصرة
= الحركة السياسية والحزبية في تونس
= عهد الجنرال زين العابدين بن علي
= الحركة الإسلامية في تونس
= الجماعة الإسلامية التونسية
= حركة الاتجاه الإسلامي
= الأداء السياسي لحركة الاتجاه الإسلامي
= حركة الاتجاه الإسلامي والعنف
= حركة النهضة الإسلامية والحركات الإسلامية الأخرى
= مستقبل الحركات الإسلامية في المغرب العربي

 

وأما الثعالبي المذكور في عنوان كتاب يحيى أبو زكريا فهو الشيخ عبد العزيز الثعالبي، من أبرز رواد المقاومة التونسية للاحتلال الفرنسي البغيض، وهي مقاومة أصيلة انطلقت من جامع الزيتونة الشهير، الذي ظل على مدى قرون قلعة لعلوم الشريعة المطهرة واللغة العربية الشريفة، في منطقة شمال إفريقيا كلها.

 

والكتاب يبين تلك الريادة في مقارعة الاستعمار الفرنسي لتونس، والتي انعقد لواؤها للعلماء وطلبة العلم الشرعي بقيادة الثعالبي، الذي نفاه المحتلون بسبب نجاحه في تأليب المجتمع التونسي وتعزيز عوامل مناعته في وجه سياسات الفَرْنَسة والمسخ الثقافي الجذري.

 

إلا أن الغزاة حققوا حلمهم بزعزعة التصدي الشعبي لهم، عندما تسلل عملاؤهم المنبهرون بهم في صفوف حركة المقاومة، وأشهر هؤلاء الحبيب بو رقيبة الذي تواطأ معهم وارتضى استقلالاً شكلياً لتونس، وأقصى المقاومين الحقيقيين ليتصدر المشهد ويصبح رئيساً مستبدّاً للبلاد ويسهم في اقتلاع الأصالة من الحياة الثقافية لتونس من خلال تغريب التعليم وتهميش لغة القرآن الكريم..والمفارقة المضحكة المبكية أن هذا العميل "المخلص"لسادته الفرنسيين احتكر لقب: المجاهد الأكبر!!!

 

ويوضح الكتاب مسيرة التغريب القهري التي سار عليها بو رقيبة مدفوعاً بكراهية شديدة للإسلام والعرب معاً، وتبعية عمياء للغرب وبخاصة فرنسا، باستثناء الحريات العامة والفردية التي قمعها وبطش بِدُعَاتها.

 

وفي الكتاب يرصد أبو زكريا رحلة الحركة الإسلامية في تونس في ظل الاستبداد البورقيبي وهي رحلة مرت بمراحل ثلاث لكل مرحلة خصائصها وملابساتها.

 

ويوثّق سياسات القمع الحكومي الممنهج ضد كل محاولة من الشباب التونسيين استعادة شيء من هوية مجتمعهم للتصدي لمساعي التغريب القسرية، وهي سياسات تتألف من الازدراء والتشويه إعلامياً والمطاردة الأمنية وإيداع الدعاة في غياهب السجون والمعتقلات باتهامات جاهزة وغير صحيحة البتة...

 

ولا يفوت المؤلف أن ينسف أكاذيب التقدم التي رفع بو رقيبة شعارها مدعياً أن محاربة الإسلام شرط لها بل إنها ركنها الأساس، فقد انتهى نظام بو رقيبة إلى فشل ذريع في ميادين الاقتصاد والاجتماع والعلم، ولم ينجز التغريب لأهل تونس سوى الخوف ومزيد من الفقر ولا سيما أن النظام الرسمي بتكوينه الفرعوني الفردي الطاغي رعى الفساد الشامل لحاشية لا خلاق لها...

 

وإذا كان لي من مأخذ على الكتاب فهو عدم توسع المؤلف في توثيق الهزيمة التنموية لنظام بو رقيبة بناء على المعطيات والأرقام الثابتة، التي لا تحابي أحداً.ولن يكون ذاك التوسع دخيلاً على الكتاب، لأن المعركة بين المشروعين اللذين يؤرخ أبو زكريا لأحدهما معركة كبرى وهي أساس المواجهة.

 

وبما أن الكتاب صدر قبل سقوط وريث البورقيبية الطاغية: زين العابدين بن علي، فكان طبيعياً أن ينتهي عند تشريده حركة النهضة واستئصالها من المجتمع بوحشية وقسوة معروفتين للكافة.ولم يكن في استطاعة أبو زكريا ولا غيره من البشر أن يتوقع حصول الثورة الشعبية التونسية التي كنست ابن علي ومشروع تغريب تونس بالحديد والنار، بالتوقيت والأسلوب اللتين جرت بهما الأحداث الصاعقة، لنقف اليوم أمام مشهد نقيض حيث تربعت حركة النهضة على رأس هرم الفائزين بثقة الشعب التونسي!! وسبحان من بيده ملكوت كل شيء وإليه يُرْجَعُ الأمر كله.

 

ويبقى في النفس همسة لغوية لعل المؤلف بحسه الإسلامي والعروبي يشاطرني إياه وهو حذف الواو الثقيلة من عنوان كتابه الذي جاء هكذا: من الثعالبي وإلى الغنوشي!! وبخاصة أن هذا الخطأ متكرر لديه في عنوان كتاب آخر أورده في سيرته الذاتية الملحقة بكتابه هذا، وأعني كتاب: الجزائر من أحمد بن بلة وإلى عبد العزيز بو تفليقة!!