عبد الوهاب.. وصناعة يجمعها القلم
27 ذو القعدة 1432
د. يوسف بن أحمد القاسم

ترجل أخونا الحبيب عبد الوهاب الفايز من رئاسة تحرير صحيفة الاقتصادية, فأجدها الآن فرصة مناسبة لأسجل إعجابي بهذا الرجل الذي امتطى صهوة هذه الصحيفة لسنوات, فانتقل بها من الحضيض إلى القمة, وكان علامة فارقة في عالم الصحافة السعودية, فانتقى الكفاءات لحد كبير, ونظر إلى الجميع نظرة مواطنة, فعزز من هذا المفهوم الذي كاد أن يختفي في عالم الصحافة السعودية بفعل أساليب الإقصاء, وبذل في الصحيفة جهدا استثنائياً, حتى جسد أسلوب الاحتراف الصحفي واقعاً في باحة الصحافة الورقية, حتى تحولت صحيفة الاقتصادية من كونها ورقة إعلامية إلى كونها أكاديمية متخصصة, وقد كان نادي الاقتصادية نواة لهذه الأكاديمية الصاعدة, كما كان محفلا للقاء الكتاب بالمسئولين, فصنعت الصحيفة بهذا النادي ملتقى للكتاب, يشعرون فيه بانتمائهم الإعلامي والوطني, تماماً كما يشعر كل واحد منهم بانتمائه لعائلته وأسرته, أو هكذا أظن..

 

لقد نجح عبد الوهاب بروحه المتدفقة أن يقوي اللحمة, وأن يصنع حجماً كبيراً من الترابط والتآخي بين كتاب يجمعهم القلم, ويميزهم تنوع التخصص.

 

لم يكن النادي أولى حسناته, بل كان دماثة خلقه يدفعه دوماً للاحتفاء بأسرته الإعلامية, وتهنئتهم عند كل مناسبة, وخصوصاً مناسبة الأعياد, حتى غدا الواحد منا محرجاً أمام هذه الحفاوة.

إنه بأخلاقه الفاضلة, وأدبه الجم, يفرض على فريقه الكبير, ذي التخصصات والمشارب المختلفة, أن يحترمه, وأن يفتح له كل آفاق التعاون, مهما كانت ضريبتها.

 

لقد كان كاتبا من طراز فريد. وتنوع مقالاته, واختلاف موضوعاتها, ينم عن شخصية اتسع قلبها الكبير لتحمل كل هموم بلده, وكل تطلعات إخوانه المسلمين في طول العالم وعرضه.

إن من يرصد عدداً محدودا من مقالاته يجد أنها كانت تتدفق براً وعطاء لكل ما ينفع العالم العربي والإسلامي, بل ما يحقق نشر الخير في العالم كله, ولنأخذ أمثلة قليلة على ذلك:

 

فهذا مقاله:"مشروع.. لإنجاح العمل الخيري" يحمل روحاً تتشوف لنشر الخير في بلادنا..

ومقاله:"نرجوكم..طالبوا بالدعم الذكي!" يتودد فيه لأبناء وطنه ليختاروا الطريق الصحيح في معالجة موضوع السكن, حسب اجتهاده..

 

وفي مقاله"الأرض والإسكان.. لن ينتهي الحديث" يكشف عن قلب كبير, لم ينس بسببه موظفاً عاملاً معه, ليعيش معه هاجس بناء السكن, حتى قال:"وفي الأمس تلقيت رسالة من أحد الموظفين الذي كنت أحاول مساعدته منذ سنوات ليجد مسكنا، يقول فيها:"أبشرك وافق البنك على قرض الأرض" وفيه شعور المرؤوس بمشاعر الرئيس.
وهذا مقاله:"لأجل هيبة الدولة!" أفصح فيه عن نصحه للجهات الرقابية ولأجهزة الدولة دون مواربة؛ كي تقوم بدورها في محاربة الفساد والمفسدين.

 

وفي مقاله:"تجارة التجزئة..." روح أخرى متوثبة, تقف مع شباب المملكة؛ لتبحث لها عن مخرج من أزمة البطالة, عبر حلول عدة, ومنها تجارة التجزئة.
ولم تكن مقالات حبيبنا عبد الوهاب لتقتصر على الجانب الاقتصادي, بل كتب مقالات في معالجة جوانب القصور فيما يمس أشرف البقاع, فكتب مثلا مقاله الرائع:"المساجد.. هل هذا طموحنا؟"

 

ولم تكن مقالاته تقتصر على الشأن المحلي, بل كتب مقالات عدة, يكشف فيها عن بعض مشاريع الدول المتربصة, كمقاله"إيران.. نجاح المشروع المدمر", كما سجل يراعه دعماً للمنكوبين في الصومال, ومنها مقاله:"حالة فشل دولي إسلامي"وأخر ينبض بالغيرة على بلاد عربية مجاورة, فكتب مثلا مقاله:"مصر والسودان حلم الوحدة"

 

ومما يميز أخانا عبد الوهاب, أنه لم يكن لتأسره الأسماء دون حقائقها, بل يأسره الواقع وحسب, كما يكشف عنه مقاله:"أمريكا .. المشكلة أكبر من الدين"
ومع حسه الإعلامي المرهف حول قضايا عدة, فإنه يقف دوماً مع الثوابت دون مواربة, كمقاله:"الابتعاث والمحرم", ومقاله:"الدين حلال لهم..حرام علينا", ومقاله:"العدل يجب أن تراه الناس"

 

وإضافة لمقالاته النشطة في مجال الرقي ببلادنا عبر مجالات شتى, فإنه لم يفته أن يلفت نظر قراءه لضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى, سواء في الأزمات, كما في مقاله:"اليابان.. شعب يعود لقلبه" أو غيرها, مما سجله في مقالاته التي تربو على 260 مقالا, كما في موقع الصحيفة على الانترنت, ومهما اتفقت أو اختلفت معه فيما كتب أو يكتب, إلا أنه قدم جهداً رائعاً يضاف لقائمة انجازاته..

 

لقد كان حبيبنا عبد الوهاب نمطاً فريداً في استقطاب الكفاءات على اختلاف تخصصاتها وانتماءاتها, وذلك لأنه أدرك جيداً أن الصحيفة الإعلامية مهما كانت شعبية أو متخصصة تستطيع أن تستوعب أبناء الوطن بكل أشكالهم وأطيافهم, ما دام أن هذا يحقق الهدف الذي تصبو إليه الصحيفة, بتقديم قيمة مضافة في مجال التخصص, بل إنه استطاع أن يستقطب كتابا كباراً متخصصين في مجال السياسة والاقتصاد وغيره من خارج المملكة, والعلة الجامعة بينهم هي القيمة المضافة, مع عنايته بنشر ما لا يخالف الثوابت حسب اجتهاده, وبهذا أعطى نموذجا عملياً متميزاً, يذكر, فيشكر..