اختطاف "الربيع العربي" في مصر
19 ذو القعدة 1432
علا محمود سامي

الناظر إلى المشهد المصري متتبعا إياه منذ ثورة 25 يناير يلاحظ ثمة محاولات متعددة لإجهاض نجاح هذه الثورة، ليست فقط بمحاولات خارجية، ولكن بإيعاز من أبناء الداخل ، حيث تتنوع وتتخذ هذه المحاولات أشكالا متفاوتة. ومن أسف فان هذه المحاولات لا تقف فقط عند من يسمون في الإعلام المحلي ب"فلول" النظام السابق، ولكن بيد من يدعون أنهم من مفجري الثورة.

 

هذه المحاولات وإن كانت بقصد أو عن دون قد قصد، أو حتى بجهل، فإنها تصب في النهاية إلى ما توصف بالمؤامرات المستترة ضد الثورة المصرية ، للدرجة التي يمكن معها القول بأن ما يحدث هو إنهاك لمقومات الدولة المصرية، وهنا ينصب الحديث عن الدولة، بكل مقوماتها، وليس الجهة الحالية التي تدير شؤون البلاد.

 

هذا الإنهاك يبدو واضحا في محاولات جر المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، باعتباره الجهة التي تدير شؤون الحكم في مصر، إلى حالة من الضعف بالشكل الذي يستصعب عليه استكمال إدارة شؤون الحكم على الوجه المطلوب ، الأمر الذي سيحدث معه إنهاكا له ، ومن ثم إنهاكا للدولة بمقوماتها.

 

وحتى يكون الأمر أكثر وضوحا، فان المشهد المصري حاليا يبدو أنه يعاني من حالة استرخاء شرطي واضح، كرسالة من وزارة الداخلية إلى الشعب المصري بأن عليه أن يعلم بأهمية قيادات هذه الوزارة، وأنه ينبغي للشغب أن يكون مغلوبا على أمره في التعامل معها، وهى نفس الحالة التي كان يحرص عليها وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، المسجون حاليا، وكل من سبقوه في أن تكون الغلبة لهذه الوزارة ورجالها على أي كلمة أخرى، ما جعل الشرطة العسكرية تقوم بأضعاف الدور الذي كانت تقوم به الشرطة المدنية، في الوقت الذي يعرف فيه أن قوام الشرطة المدنية تضاعف كثيرا الأخرى العسكرية، ما يعد أن هناك محاولات من البعض لإنهاك الشرطة العسكرية، ومن ثم الجهة التي تدير شؤون البلاد.

 

ولذلك تسعى قوى هى جميعها تصب في إطار التوجه الليبرالي  في المطالبة بإسقاط المجلس العسكري، وإحلال مجلس رئاسي مدني بدلا منه ، يعبر عن هذه القوى، وتختاره هى، على الرغم من عدم وجود آلية لتشكيل مثل هذا المجلس ، وتحديد أعضاءه، فضلا عن أن هذه القوى تبحث عن مصالحها الضيقة، الأمر الذي سيخلق معها خلافا آنيا، ينصب على توجه فكري، ينظر إلى لغة المصالح، ويتطلع إلى تحقيق الأهداف الذاتية، بعيدا عن المصلحة العامة، وفي اطار من تعزيز الهيمنة والسيطرة.

 

ومنذ خلع الرئيس السابق ، ومثل هذه القوى لاتتوقف عن شغل الرأي العام، ومن ثم الجهة الحاكمة في أمور ، إما هى محسومة سلفا، أو أنها أمورا يمكن أن تبحث في وقت لاحق، غير مدركة أو عن جهل أو عن قصد أن المرحلة الحالية في مصر ، هى مرحلة انتقالية لايمكن البناء عليها، أو تأسيس دولة بالمعنى المتعارف عليه من القوة الاقتصادية والسياسية، بعدما خلف النظام المخلوع مؤسسات إدارية وتشريعية وصفها الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، المستشار السياسي لرئيس الوزراء بأنها مؤسسات"مخربة" على المستويات كافة، ما يرهق كل من يستطيع العمل على إصلاحها، وخاصة في المرحلة الانتقالية.

 

أمثال هؤلاء شغلوا مصر طوال الشهور الماضية بحديث عن وضع دستور للبلاد ، وفق أمزجتهم ، على الرغم من حسم الاستفتاء على التعديلات الدستورية هذا الأمر بأن يتم وضع الدستور بعد إجراء الانتخابات البرلمانية ، علاوة على إشغال هذه القوى للشأن العام ولايزالون في فزاعات هى في الأساس كانت نفس الفزاعات التي كان يروج لها نظام المخلوع حسني مبارك بأن الإسلاميين هم الذين سيسيطرون على مقاعد الحكم في مصر لاحقا، إلى غيرها من حملات التشويه التي أصبحت توجه إلى الرأي العام بتقسيم المسلمين في البلاد إما إلى سلفيين أو إخوان مسلمين ، وما تضمن هذا التصنيف من حملات ساخرة بحق الإسلاميين جميعا في مصر.

 

غير أنه وعندما أفلس هؤلاء ، رغم من تنوع مثل هذه الحملات لعدم تصديق الرأي العام لها ، والذي يدرك قيمة الإسلاميين لتجذر الدين الإسلامي في وجدانه، فقد أصبحوا يبحثون عن حملات أخرى، إما بنوع آخر من التشهير أو ممارسة حملات عدائية بحق الوطن المصري بإنهاك مؤسسته الحاكمة، على نحو ما تزال عالقة في أذهان كثيرين أعمال عنفهم يوم 9 سبتمبر الماضي، باقتحام وزارة الداخلية ومقار أمنية وسفارات عربية وأجنبية، خلاف ما أحدثوه في هذا اليوم من أعمال شغب وبلطجة، تحت شعارات مليونية التظاهر واسترداد الثورة .

 

وتحت الشعارين الأخيرين أصبح غلاة القوم يستبيحون لأنفسهم فعل كل شئ في مصر ، بدعوى الحفاظ على الثورة ، وحماية أهدافها، وكأن الثورة حكرا على أقلية لاتعرف سوى الجلوس على مقاعد برامج الفضائيات البالية ، التي لاتصدر لمشاهديها سوى سموم فكرية، لا تعرف مهنية، ولا تنكر منكرا يرتكبونه هم بأيديهم بحق الدين والوطن.

 

ولعل الإفصاح من جانب خبراء عسكريين عن التمويل الذي تتلقاه بعض الحركات والمنظمات من جانب الولايات المتحدة، وما أفصحت سفارتها هى بالقاهرة عن تلقي منظمات المجتمع المدني تمويل منها ، يفسر سر أمثال هؤلاء في تحركاتهم الحالية لإضعاف الدولة المصرية بكل مقومات الدولة، فأمريكا ومعها الكيان البغيض يرون أن الوقت قد حان لإسقاط مصر، الأمر الذي جعل المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة يصرح أخيرا بمحافظة الفيوم بأن مصر لم ولن تسقط وستصل إلى بر الأمان.

 

نعم ستصل مصر إلى بر الأمان، وستخيب ظنون ومحاولات الفاسدين في الأرض، وستفشل كل محاولات إنهاك الدولة وإضعاف مقوماتها، وسيرى المصريون وطنهم منارة إسلامية، مهما كانت محاولات القلة لتنفيذ مخططات أجنبية لإضعافها، خاصة وأن الغرب يدرك جيدا أن مداخل إضعاف العالم العربي والإسلامي لن يكون إلا من خلال مصر، وهو ليس مجاملة لأرض الكنانة، ولكن وفقا لتصريحات ومخططات وكتابات الغربيين والتي تؤكد بأن هناك مخططا لإضعاف مصر، تحت دعاوى زعزعة استقرار الإسلاميين فيها ، ومن ثم إضعاف العالم العربي والإسلامي، لتحقيق الاستقرار لصالح دولة الاحتلال في فلسطين.
ولذلك فانه يجرى حاليا تنفيذ مخطط لإجهاض "الربيع العربي"، وخاصة في الدول التي نجحت في التخلص من نير احتلالها الوطني، وهو المخطط الذي بدأ تنفيذه في مصر ، ويدبر في تونس وليبيا، ويفكر في اليمن وسوريا.