هل خرجنا من المازق ؟.. ليس بعد
20 جمادى الأول 1432
طلعت رميح

-القوات المسلحه عبرت بالبلاد مرحلة خطرة.. وضبطت ايقاع التغيير وحالت دون الاندفاع المدمر..  والبطء الخائف..  لكن هناك من يدفع باتجاهات اخرى
-فى مهام العمل الوطنى قضايا متفجرة.. والقلق ان تلتقى البطالة والعنف الاجتماعى مع المؤامرات والفتن لندخل نفقا مظلما.. يا حضرات الساسة تنبهوا لمخاطر اقوالكم وافعالكم.. والا ستحل الكارثة
-دور القوات المسلحه مطلوب الان اكثر من اى وقت مضى للحفاظ على الامن الاستراتيجى فى الجنوب والشرق والغرب والشمال..  واولوياته تبدا من تحقيق استقرار الداخل
-معادلات الوضع الانتقالى تحوى تناقضات خطرة..  لكن البعض يستهويه تسطيح الامور والهاء الناس وابعادهم عن مواجهة حقائق ومخاطر الواقع الراهن

 

يعجز المتابع ان يجمل ما يحدث فى مصر الان ويحدد خريطته ويبلور التوقعات بشانه مستقبليا، اذ الاحداث كثيرة ومتدفقة بغير انقطاع الى درجة التوتر، كما المواطنون يعيشون مزيجا معقدا بين فرحة انتصار الثورة وتتالى انجازاتها، من جهة، وحيرة التساؤل حول المستقبل من جهة اخرى، فى ظل اراء سياسية متضادة بات مطلوبا راي المواطن فيها، وهو كان من قبل لا يتعرض لمثل هذا الاختبار فى ظل نظام كان معياره فى نجاح واستمرار الحكم،  ان يطبق الصمت على المجتمع، وان تكون مساحة الحرية محصورة فى من يسمح لهم بالحديث عبر اجهزة الاعلام، وفق قاعدة انتم تقولون ما تريدون وهذا كفاية عليكم، ونحن نفعل ما نريد وهذا هو الاهم.

 

ماذا يحدث فى مصر الان، وهل خرجنا من المازق الذى عشناه طوال الفترة الماضية، وما المكاسب التى تحققت والمخاطر التى نواجهها، ومن المنوط به التحرك الان وما هى معادلات الوضع والمرحلة الراهن ما بعد انجازات الشعب والقوات المسلحه ؟. اسئلة تتطلب اجابات حقيقية، اذ لا ينفع الناس والوطن هذا الاصرار على اغراق الصحف فى قضايا لا تهتم بها الا الصحف الصفراء.

 

معادلات جديدة
الان، يمكن القول باطمئنان وثقة، ان البلاد قد انتقلت على نحو فعلى من المرحلة السابقة الى وضع جديد، فما نعيشه الان وضع جديد مختلف كليا عن ما كنا نعيش فيه طوال سنوات سابقة. وهنا فالسؤال الاهم هو ما هى مقومات وتناقضات الوضع الجديد، وذلك اهم من التركيز على ما يلبسه المسئول الفلانى فى السجن وكيف رفض ان ياكل من طعام السجون، وان فلانه لم تستطع تغيير ملابسها لثلاثة ايام.. الخ.

 

فى الوضع الراهن، جرت اوسع عملية احالة للفاسدين الى المحاكم –حتى تصح مقولة ان الشعبحبس النظام ولم يسقطه فقط-واجرى الاستفتاء واصدار المجلس الاعلى للقوات المسلحه المصرية الاعلان الدستورى، كما جرى تثبيت التوافق الوطنى وتاكيده على القبول باليات الديموقراطية وشفافية الانتخابات وحرية الاعلام واحترام راى الناخب والسماح بتشكيل الاحزاب، وكل تلك انجازات ضخمة لم تكن حتى فى الخيال. لكنها جميعا ذات طبيعه مستقبلية، وان ما نعيشه الان هو مرحلة انتقالية يجب فهم تحدياتها وتناقضاتها ومخاطرها، حتى نتمكن من تحقيق ما هو مستقبلى.

 

ان ما لا يجب ان ننساه هو ان البلاد تعيش فى مرحلة انتقالية، قلقة وخطرة، تتطلب عقلا وبصيرة وحسا وطنيا جامعا ولا تقبل الجموح، حتى نصل الى انفاذ بناء مصر التى جرى التوافق على اطار الحكم المقبل بها. المهم والاساس هو كيف ننتقل الى خطط بناء مصر، انطلاقا من مواجهة التحديات الداخلية والخارجية الحالة والمستقبلية.

 

فى المستقبل ستكون هناك انتخابات برلمانية ورئاسية ووفق نتائجها ستصبح فى البلاد حياة سياسية واضحه العلاقات والمعادلات بين من يتولى الحكم من الاحزاب والاشخاص، وبين من سيقف فى صف المعارضة، لتكون دورة الفعل السياسى وصدور القرار مسالة عادية ومستقرة،  وحينها ستعود القوات المسلحه الى ثكناتها ومعها اكثر من80  مليون وردة يضع واحدة منها كل مواطن مصرى باسمه وحاضره ومستقبلة على اليات وفى رقاب الافراد والضباط والقيادة التى رسم التاريخ المصرى لها موقع الريادة.
لكن الاهم ان نرى الطريق الى حين الوصول الى ذلك، فهذا الطريق هو طريق خطر، والمرحلة الانتقالية لها ثقافة يجب ان نتعلمها ونفهمها ومن الخطر، ان لا يجر التطرق الى معادلات حكمها على نحو محدد، وان نكتفى بقصص الاثارة والتشويق التى تستنزف طاقات المجتمع وتبعده عن متابعة الجوهرى فيما يجرى.

 

نحن فى وضع انتقالى ملىء بالتناقضات والمخاطر الحقيقية. تلك المخاطر لا علاقة لها بحواديت وقصص المجلس الرئاسى ولا قصص من يحكم الان، ومن يرشح نفسه "قبل الهنا بسنة "، ولا بحكايات عودة الدورى وسلوك الجماهير فى مباراة الفريق التونسى.. الخ.
نحن فى وضع فيه حكومة ذات وضعية مؤقتة -اذ الحكومة لا يقدر لها الاستمرار بعد الانتخابات المقرر اجرائها فى نهاية العام، ومع ذلك –وهذا هو شق المعادلة الثانى-فالمطلوب منها وضع اساس التغيير الدائم لا تصريف العمال مؤقتا. هى حكومة مطلوب منها تغيير مسار السياسة واتجاهات القرار التنفيذى –بحكم ان النظام جديد-رغم انه حكومة مؤقتة. هذا الامر يطرح معادلات خطرة وارتباكات وقدر من الاضطراب، خاصة اذا وضعنا فى الاعتبار حجم الاضطراب السائد فى الجهاز التنفيذى وحجم الخراب الذى خلفته الحكومة السابقة، وحجم المطالب التى تواجهها تلك الحكومة فى تسيير الاعمال والحياة اليومية، بعد حالة توقف اصابت الاقتصاد بكل الياته لفترة من الزمن !

 

ونحن فى وضع انكسرت فيه هيبة الدولة وانكسرت فيه اجهزة تطبيق القانون والحفاظ على امن المؤسسات وامن المجتمع والافراد، ممثلة فى جهاز الشرطة، الذى يبدو وفق ما هو متاح من تجربة خلال فترة عودته، انه ما يزال بحاجة الى وقت ليس بالقصير حتى يعود لممارسة هذا الدور.

 

هذه الوضعية للشرطة طرحت ان تقوم القوات المسلحه بدور فى حفظ كل انماط هذا الامن الضرورى لبقاء المجتمع، بما احدث معادلة جديدة فى وضعية ضبط الامن مفاصلها عديدة، اولها ان القوات المسلحه تقوم بمهام لا يمكن ان تقوم بها الا كحالة مؤقتة، وبدون قاعدة بيانات كتلك التى كانت متوفرة لدى الشرطة، وانها تقوم فى الوقت ذاته بمحاولة استعادة الشرطة لدورها.

 

وهنا اصبحنا فى مواجهة خطر انسيابية حركة الناس والمؤسسات بلا ضوابط مشددة، وفى مواجهة استفحال ظواهر لم تكن على هذا النحو فى الوضع السابق، وفى معاناة مع افتقاد المواطن شعوره بالامان الى درجة تصاعد الطلب على التسلح الشخصى. هنا تكون القضية الاجدر بالنقاش هى ان دور المجتمع لم يعد حاضرا كما كان فى مرحلة الاضطراب الاولى بعد انسحاب الشرطة، وذلك امر يجب ان نواجه به النفس وان تواجه كل القوى السياسية نفسها به. مطلوب مساهمة من المجتمع فى مساندة دور القوات المسلحه والشرطة وما يجرى حتى الان لا يحقق المطلوب.

 

ونحن فى وضع دخلت فيه الى ساحة الفعل السياسى والتاثير فى الراى العام والقرار العديد من القوى وكم هائل من المواطنين، بما يوجد نمطا جديدا من الوضع السياسى الذى يصيب اى مجتمع بالدوار السياسى. تلك معادلة جديدة تصيب الكل بعدم الاستقرار والعجز عن الامساك بمستقبل محدد مرئى، وتصيب الكثيرين بالارتياب والتشكك الناتج عن عدم الفهم وبتخمة العقل السياسى لدى القوى السياسية والمواطنين.

 

الان صارت كل قوة سياسية،  فى مواجهة مع نفسها، وقد كان كل منها من قبل فى مواجهة السلطة، كما اصبحت القوى السياسية فى مواجهة حادة مع بعضها البعض، ولم تعد تعيش فى الحالة السابقة التى تميزت بمحاولة نسيان كل قوة خلافاتها مع الاخرى على نحو او اخر، اذ لم تعد مهددة بسلطة باطشة او تستمد مشروعية بقائها من العلاقات مع السلطة لا الشعب، او لانها كانت فى وضع مضطرة فيه لاقامة قدر من التوازن بين علاقتها بالنظام السياسى وعلاقتها مع بعضها البعض دون ان ترمش عيناها فى متابعة احوال وقرارات السلطة. لقد كانت الاحزاب السياسية فى ووضع اقرب ما تكون فيه الى نمط الوجاهة الاجتماعية وجماعات المصالح المغلقة على ذاتها، فصار القديم منها فى مواجهة احزاب وتيارات جديدة تمارس صراعا فكريا وتطرح رؤى فكرية وايديولوجية، كما صارت تحاول ايجاد موضع قدم لها فى نظام ووضع لم تكن قد استعدت له، اذ جاءت احداث التغيير من خارج عقلها وفكرها وسلوكها ودورها. الحالة السياسية فى وضع اضطراب حقيقى وتحاج الى وقت حتى تستقر تفاعلاتها.

 

وزاد الامر تعقيدا، ان صارت تلك الاحزاب والتيارات المعزولة تواجه طوفانا من المواطنين الذين اصبحوا لا يكتفون بموقع المتفرج، بل صاروا فى موقع الناقد والسائل المقلب، باعتبارهم اصحاب القرار المستقبلى فى تحديد من سيحكم. هذا الطوفان البشرى من المواطنين القادمين الى ساحة التاثير السياسى هو جمهور لم تتحدد ملامحه بعد مواقفه التصويتية وهو ما يزال فى وضع تسونامى انتخابى مستقبلى، بما يعقد مهمة الاحزاب والتيارات الفكرية، ويدفعها الى الجدل المتوتر الان، والى نمط الصراع لم تتحدد ملامحه المستقبلية.

 

والخلاصة اننا فى مرحلة انتقالية مرتبكة بطبيعتها ومضطربة بظروفها، وهى ان لم تشكل حالة مرضية بل حالة طبيعية لبلد غير نظامه السياسى، الا انها ليست وضعية هينة فى مخاطرها وتتطلب فهما وادراكا وصبرا وفكرا، حتى لا تتحول الى حالة اضطراب سياسى. ان الساسة والاعلاميين مطالبين فى ظل الحرية الراهنة باقصى درجات التنبه للاقوال والافكار والافعال، والا ستحل كارثة على الجميع.

 

القوات المسلحه ودورها
لو كان الامر بيد الامريكان –كما حدث فى تجارب التغيير فى بلدان اخرى-لكانت البلاد غرقت فى فوضى، ولكنا عشنا تجربة دموية على الشاكلة التى عاشتها وتعيشها البلدان الاخرى، لعل اوضحها الان لبيبيا واليمن وسوريا، ولولا دور القوات المسلحه، لكانت اسرائيل قد وجدت فى الوضع المضطرب فرصة لاجهاض المقدرات الاستراتيجية لمصر، ومع كل ذلك فهناك من لا يزال يتعامل مع القوات المسلحه وكان دورها هو المشكلة لا ميوله الفوضوية.

 

والقصد ان القوات المسلحه المصرية بقيادة المجلس الاعلى قد سجلت نجاحا استراتيجيا فى مواجهة احتمالات التدخل والدور الخارجى فى الاحداث، وانها حافظت على المقدرات الاستراتيجية لبلادنا وسارت رويدا رويدا بالتغيير، بخطى منسقة الى حيث تقف بلادنا الان على اقدامها، وتدور فى دورة بناء نظام سياسى محدد الملامح. لقد تمكنت القوات المسلحه من ضبط ايقاع حركة التغيير واوقفت كل حالات الاندفاع بضبط التوقيتات حتى وصلنا بامان الى وضع لم تعد فيها مطالب اساسية لجمهور الثورة، وكل ذلك باقل الخسائر.

 

لقد ضبطت القوات المسلحه ايقاع التغيير وتحملت بصبر واناة كل المشكلات التى تفجرت عفويا وتلك التى اريد تفجيرها بهدف تغيير اتجاه ومسار الاحداث لتدخل البلاد صراعات مدمرة، كما نجحت فى اقناع الجمهور الثائر برياديتها وبانها ملجا الوطن وحصن الاستقرار الاستراتيجى للدولة والمجتمع.

 

وواقع الحال ان اداء القوات المسلحه لكل هذا الدور، لم يكن له ان يمر مرور الكرام على البعض الذى طرح ويطرح افكارا فوضوية، ويرى ان الثورة فى حالة من حالات التحطيم والتدمير باكثر منها نقطة انطلاق للنهضة والبناء، بما جعل بعضا من الدور يتوجه للنيل من القوات المسلحه.

 

لقد ظهرت دعوات فوضوية مباشرة واخرى غير مباشرة مثل عدم التصدى لها وقوعا فى خطر شديد. وقد لاحظ المتابعون ان تلك الدعوات لم تصدر الا حينما اصبحت القوات المسلحه بمثابة السد الاخير للحفاظ على جريان مياه نهر المجتمع، بما جعل الكثيرين يرونها محاولة لزرع الفوضى واحداث الطوفان.

 

فى الافكار والدعوات غير المباشرة طالب البعض بتشكيل مجلس رئاسى، من عدة شخصيات بينها احد قادة القوات المسلحه، وهو ما احتوى فى المضمون محاولة للقفز على السلطة من اعلى من ناحية، وابعادا للقوات المسلحه عن سلطة القرار التى كانت الضمانة للاستقرار خلال عملية التغيير وعدم دفع البلاد الى المجهول الذى كان يراد لها ان تعيشه. قيل فى هذا الاقتراح الكثير لكن عمقه الحقيقى كان تحويل الدور الوطنى الجامع للقوات المسلحه الذى ضمن ان يجرى التغيير وفق ثوابت مستقرة، الى دور منافس ومتنافس ومتصارع مع ادوار اخرى فى داخل غرفة القرار، ليخرج هذا الطرف او ذاك ليسجل بطولات على حساب المصلحه الوطنية.

 

وفى الدعوات المباشرة لاحداث مواجهة مع القوات المسلحه، جرت محاولة للوقيعه المباشرة بين المواطنين والقوات المسلحه، لتتحول العلاقة من علاقة تضامن وتساند وفهم متبادل لدور كل طرف من الاطراف الى علاقة صراع وتضارب، وهو ما نظرت اليه تيارات ومجموعات سياسية باعتباره محاولة لاسقاط البلاد فى فوضى وصراع دموى خطير لا يحقق اية مصلحه وطنية.

 

وواقع الحال، ان القوات المسلحه هى الاشد حرصا على عدم تحمل الاعباء الداخلية التى تقوم بها الان، لاسباب كثيرة، اولها ان ليس هذا دورها، وثانيها انها تتحمل ابعباءا كبيرة وضخمة ومرهقة وتجد نفسها فى وضع تحكم ولا تحكم، اذ هى تدير البلاد لفترة انتقالية، غير ان الاساس فى واقع الحال، ليس هذا الطرح الساذج الذى يتحدث عن ضرورة عودة القوات الى ثكناتها وان دورها هو حماية الحدود، اذ دور القوات المسلحه هو تحقيق الامن والبقاء والمصالح الاستراتيجية لمصر، فى ظروف بالغة التعقيد والخطر.

 

 

المخاطر القادمة
الامر الاهم ان ندرك ان البلاد فى مرحلة انتقالية معقدة وخطرة، وان الصراع من اجل الحفاظ على البلاد خلال المراحل الانتقالية هو الاشد تعقيدا، مما لو كان هناك حكم واضح المعالم حتى لو كان به من العيوب الكثير.
فى المرحلة الانتقالية الحالية، يهدد البلاد خطر العنف. المتابع بعيون وطنية باحثة مدققة، يدرك ان العنف متصاعد فى البلاد، وان ثمة ضرورة لادراك احتمالات تفجره على نحو اشد ضررا. المتابع للاحداث يجد احداثا يومية يستخدم فيها الاسلحه النارية، بما يرفع وضعية حالة البلطجة من الاحداث التقليدية التى عرفناها باسم البلطجة قبل 25 يناير، الى نمط جديد خطير، يجب ان نقرا البلطجة الجارية الان وفق رؤية انها احداث عنف مسلحه خطيرة، تقوم بها تشكيلات عصابية وليست مجرد اعمال اخلال بالامن تجرى فى بعض الاحياء من قبل خارجين على القانون يمكن لضابط القسم ان يتصرف فى مواجهتها وهو ما يتطلب خططا عاجلة لانهائها قبل ان ندخل فى حالة استقرار تلك البؤر بما يصعب القضاء عليها، وهو ما يمثل عامل خطر على الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة.

 

وقد شهدنا الان كيف ان البلطجة لم تعد ظاهرة اعمال خارجة على القانون وانما اصبحت ظاهرة مؤثرة حتى على الحياة الاقتصادية والاجتماعية حين اعلن من بعض المسئولين عن ان البلطجة احد اسباب مشكلة انابيب البوتاجاز. ولقد عاشت البلاد وقائع عنف سياسى فى الفترة الاخيرة، اذ احداث الفتانة التى نجحت القوات المسلحه فى القضاء عليها حملت ملامحا خطرة بحكم ما استخدم فيها من اسلحه نارية. وها قد شهد ميدان التحرير عنفا سياسيا خطرا فى المرحلة الاخيرة.
هذا العنف اصبح ظاهرة تتطلب دراسة وخطط للتصدى على طريقة خبراء علم السياسة والاجتماع والاعلام، وليس على طريقة الامن فقط، باعتبارها ظواهر عنف اجتماعى وليست مجرد حالة لمواجهة محابيس هاربين وفقط.

 

تلك المواجهة هامة وضرورية وفق اسس علمية،  فى ظل انضمام بطالة مؤقتة بسبب نتائج احداث التغيير، الى جيش البطالة الناتج عن الاخطاء الاقتصادية والاجتماعية للنظام السابق، والخوف كل الخوف ان يصبح توسع البطالة حالة مغزية اجتماعيا لامر تصاعد العنف فى المجتمع، خاصة فى ظل محاولات جهات خارجية تسريب اسلحه للداخل باسعار زهيدة لاثارة الفتن، وفق ما قاله مسئولون بشمال سيناء.
واذا كانت هناك العشرات من المشكلات الداخلية التى تمثل خطرا على المستقبل الذى نتمناه، فان ثمة مخاطر خارجية استراتيجية تتطلب انتباها وطنيا عاما ورؤى وخطط للمواجهة، حتى لا نغرق فى مشكلاتنا الداخلية لنصحو على مخاطر تعرقل تطور البلاد ومستقبلها. 

 

 الان، قد انفصل جنوب السودان وسواء انتهى الامر الى حرب داخلية او استقر الحال وتواجدت نشاطات صهيونية مستقرة او تواجدت قوات غربية هناك، فكل ذلك لا يخدم مصالح مصر. كما ان حلف الاطلنطى صار يقوم بعمل عسكرى الان على حدود مصر الغربية. وكلا الخطرين مضاف اليه طبيعة الوجود الصهيونى فى شرق الحدود، حيث لا يبقى من اتجاهات الامن الاستراتيجى لمصر سوى الشمال، وهناك تتواجد الاساطيل الغربية فى البحر المتوسط. تلك اوضاع تفرض تحديات بالغة الخطر فى كل المحاور الاستراتيجية للامن القومى المصرى. وذاك هو اساس دور القوات المسلحه الذى يجعل من ادارتها الان ضرورة حادة للدولة المصرية اذ لا امن استراتيجى خارجى والبلاد تعيش حالة اضطراب داخلى.