(الديمقراطيون) خذلان سورية
19 جمادى الأول 1432
أحمد عبد العزيز القايدي

كثيرا ما يتحدث أصدقائنا الديمقراطيون السعوديين عن الحرية مع شيء من التقديس والإجلال لهذه القيمة، واعتبارها الحل لكثير من مشاكل أمتنا والمخرج الوحيد من حالة الانحطاط والفشل التي تعيشها، وقد يصل الأمر إلى مفاصلة الناس وشن الحروب على من يرفضها، وعليه فمن الطبيعي والمنطقي أن ينصر أصدقائنا هؤلاء الثورات ضد الأنظمة المستبدة في عالمنا العربي.

 

 كانت المفاجأة في سورية فلاحس و لا خبر-إلا من رحم الله – المقالات والتقارير إبان أحداث مصر كانت تنشر باستمرار على الانترنت، في الفيس بوك وضعت أعلام الدول في صور الحائط وكذلك تواريخ التجمعات و الاعتصامات وانطلاق الاحتجاجات ونشرت الصور ومقاطع الفيديو والبوسترات .... ومثل مصر فعلوا مع ليبيا واليمن.

 

لكن في سورية تبحث في مواقع القوم ومدوناتهم وصفحة أحدهم في الفيس بوك تبحث عن  مقال أو خبر عن مقطع أو تعليق لا تجد شيء وإن وجدت تجده بارد فارغ من فكرة الحرية والديمقراطية وإسقاط النظام، بل أسوء من هذا قد تجد صوت النظام السوري أو من يدعوا للتريث والحكمة في معالجة الأمر واختلاف الحال في سورية عنه في مصر واليمن وكأن الحريات نسبية أو قابلة للإلغاء.

 

سورية فيها كل فصول القصة الإصلاحية التي نذروا أنفسهم للتبشير بها في كل محفل، لا ديمقراطية لا تداول للسلطة لا أحزاب لا إعلام حر لا سيادة للدستور والقانون لا قضاء مستقل لا حقوق إنسان لا أمن وأمان لا حرية لا كرامة لا...., فالصورة قاتمة سوداوية -دموية في أغلب الأحيان- أكثر منها في تونس ومصر وليبيا واليمن، إذا لماذا السكوت؟؟!!

 

هذه الحالة العجيبة من أنصار الحرية غير مفهومه، هل أتعبت تونس ومصر وليبيا واليمن القوم فهم في فترة استراحة محارب الآن، أم أنهم سئموا إعادة الفكرة وملوا من تكرار عرضها، أم أن ما حدث في هذه الدول كفاية وزيادة خير و لا حاجة لمزيد من الثورات، أم أن بريق الفكرة ذهب وأصبحت شيء من الماضي، أم هي حالة توافق نفسي مع سكوت رموز وإعلام الحرية والديمقراطية.

 

أم أن السبب أسوء من ذلك ... فلأن مدعي الإصلاح الذين علموهم الحرية ووعظوهم بالديمقراطية وأوصياء الفكرة والمبشرون بها سكتوا عن أحوال سورية والتفوا عليها إن نطقوا في نفاق بغيض و استغباء لمن يستمع لهم ويقين بأن هوس الأتباع بهم سيدفعهم لقبول الموقف الانتقائي، وصدقَ أصحابنا ظن أساتذتهم وتبعوا موقفهم المنافق، وهم هنا بحاجة على منطقهم من يخرجهم من أسر العبودية لدعاة الحرية إلى الحرية الحقيقية!!!

 

وقد يعيد بعضهم الاسطوانة المعطوبة، سورية المقاومة الممانعة لابد أن تبقى في استقرار داخلي حتى تظل قادرة على رعاية المقاومة ورموزها، ونحن نرى سورية كيف تستخدم هذه الورقة بطريقة خيانية عندما تلوح بها للغرب وتتكسب بها من الشعوب والنخب وتشرع بها ذبح السوريين وتقتلهم باسمها، وهي مع هذا منذ أربعة عقود تحفظ الحدود اليهودية أكثر مما فعلت مصر بل الأردن، ثم أصحابنا هؤلاء يؤمنون بأن الشعب سيكون سيد قراره إذا نزلت بهم أنوار الحرية والديمقراطية ونحن نعرف جيدا قرار الشعب السوري البطل في قضية الأمة المركزية، فلماذا هذا التخذيل والطعن في ظهر الشعب السوري؟

 

على أصدقائنا هؤلاء أن يحددوا بوصلتهم هل هم مع الحرية فعلا أم مع أشخاص يستخدمونها كشعار فقط باسمه يجمعوا الناس من حولهم ومشاريعهم ... فمتى قرر هؤلاء الناس أن الحرية هنا مشروعة صاح أصحابنا... الحرية الطريق إلى الجنة وإن أطبقوا أصواتهم هناك أصاب الديمقراطيون السعوديين الخرس أيضا، وهي حالة تأكد فراغ كثير من القوم منهجيا والأمر بالنسبة لقوم منهم بريق فكرة جديدة ثورية تأسر الشاب الحر.

 

دخل القوم في صراعات ومناطحات مع أحباب لهم على فكرة غير واضحة ولا مكتملة الأطراف – في حديث كثير منهم - وسجلوا قطيعة تامة مع أفكار أمنوا بها دهرا من الزمن ومنهم لا شغل له إلا تحريض الناس وصدهم عن أهل العلم والدعاة والشغب – بصبيانية- عليهم وتشويه أسماءهم بطرق عجزت عن ابتداعها الأنظمة الفاسدة نفسها.

 

بعد موقف أرباب الحرية والإصلاح من سورية ..... على أصدقائنا أن يتأملوا في الأسباب الحقيقة التي قادتهم للتحول عن المنهج الشرعي القويم، أهي حالة سخط على سكوت المشايخ عن أوضاع المسلمين المحزنة وهو حق، غفلة كثير من الصالحين عن حال الأمة وهو حق، خصومات شخصية وتنظيمية، أم أن الأمر -كما يشاع كذبا- فقر المنهج الشرعي وعجزه عن إشاعة معاني الكرامة والإباء والمقاومة والصمود و قبوله لحالة الفساد القائمة وتشريعه لكثير من مظاهر الظلم والاستبداد.

 

على أحبابنا هؤلاء أن يتأملوا ذلك جيدا، حتى لا يكونوا مجرد أدوات لأشخاص هم سعداء بحالة اختراق ثقافة الشاب الملتزم والشغب على المنهج الشرعي الذي يشكل أكبر تهديد لمشاريعهم البالية المستهلكة، أو لأشخاص آخرين يساهمون بقوة في إحداث حالة الفوضى هذه من أجل التربح المادي البحت، أو آخرين أسرتهم الشبهة فسخروا أنفسهم لها وقادهم اجتهادهم إلى الظن أنها حقيقة ونور... وأي حق ونور هذا الذي لا يأتي من وراءه إلا البعد عن التزام السنة والعبادة والإقبال على الشهوة والفتنة.

 

إن الشاب الحر الذي نشء على التوحيد والسنة ووعى أصول منهجه وتربى على الرابطة الإسلامية يقف مع المسلمين حين وقوع الظلم عليهم في كل مكان حسب استطاعته وإن خذلهم الناس وأسلموهم للذئاب رأيته يقف مع المسلمين في صفهم وضمن معسكرهم لا يلتفت إلى أحد ولا ينتظر موقف فلان وفلان لأنه يرعى في ذلك كله الله واليوم الأخر لا اسم و لا سمعة ولاهوى.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطل وارزقنا اجتنابه ..... دعاء عمري راشدي