الجولان المضيّع مرتين!!
8 جمادى الأول 1432
منذر الأسعد

بعدما أسرف وحوش الحرس الجمهوري في إراقة دماء المتظاهرين السوريين المسالمين، ارتفعت أصوات المحتجين في شوارع المدن الثائرة وبخاصة في درعا الباسلة، تعرّي هؤلاء المجرمين بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس بشار الأسد: يا ماهر يا جبان خوذ (خذ) كلابك عالجولان (إلى الجولان الذي يحتله العدو الصهيوني منذ هزيمة 1967م)، وذلك في إشارة بليغة إلى افتضاح هذا النظام الهمجي الدموي الذي يتشدق بالـ"ممانعة" والـ"المقاومة"، لكنه لا يطلق رصاصة واحدة لتحرير هضبة الجولان منذ ثمانية وثلاثين عاماً. بل إن اليهود الذين عجزوا عن حماية أنفسهم في تل أبيب ذاتها، وعلى الحدود مع دول التسوية (مصر والأردن)، ينعمون بحماية فائقة في الجولان فلا يعكرها أي إزعاج ولو كان عبر رصاصة طائشة أو نيران صديقة!!!!!

 

المهم أن هذا النظام الذي لا يقدم للجولان غير الجعجعة اللفظية يصب نيران أسلحته الغادرة ضد شعبه الأعزل!! حتى انطبق عليه قول الشاعر العربي:

أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ *** زوراء تجفل من صفير الصافر

 

من هنا تأتي أهمية الكتاب الذي نعرض خطوطه العريضة في هذه العجالة، فعنوانه مباشر ومحدد بلا مواربة وهو : (سقوط الجولان) ومؤلفه خليل مصطفى، الذي يضع هويته تحت اسمه على الغلاف، إذ كان ضابط استخبارات الجيش السوري حتى كارثة سقوط الجولان في أيدي الصهاينة من دون قتال البتة!! فالكاتب يكون ذا أهمية فائقة إذا كان شاهد عيان ينقل مشاهداته بأمانة ودقة، فكيف وهو شاهد من الداخل يرى ما يراه المتابع الخارجي، ويعرف خفايا الأمور؟! بل إن مسيرته العسكرية كضابط في الجيش السوري وبخاصة أن لديه خلفية سياسية جلية أتاحت له رصد الأسباب التي مهّدت للكارثة التي لم تكن متوقعة ولو في الخيال بسبب مناعة هضبة الجولان وتضاريسها  الجبلية الوعرة، التي ترتفع كثيراً عن سهل صفد في فلسطين المحتلة، الأمر الذي يمنح الجيش السوري ميزة إستراتيجية عظيمة.

 

المؤلف خليل مصطفى ليس كاتباً محايداً يكتب عن موضوع بعيد بمشاعر باردة وأحاسيس متبلدة، فهو ابن الوطن وتدينه يتدفق في كلامه وبين سطوره، فضلاً عن كونه معنياً مباشرة بالقضية التي يعالجها.

 

والكتاب الممتد نحو327صفحة، يتكون من ثلاثة أقسام، خصص أولها لما قبل مؤامرة تسليم الجولان، وثانيها للمؤامرة في يوم التنفيذ (6/6/1967م)، في حين ترك القسم الثالث لتوقعاته وآماله التي أطلق عليها: أنوار في الطريق.

 

في القسم الأول الذي يضم ثلاثة فصول نطالع معلومات مهمة عن جغرافية الجولان ودوره ولمحة تاريخية عن مكانته العسكرية وأسباب تكالب العدو عليه، والتحضيرات العسكرية السورية لحماية الجولان من أطماع العدو اليهودي.

 

يعيد المؤلف مؤامرة تسليم الجولان للعدو بلا قتال، إلى جذورها الأولى متمثلة في الانقلاب العسكري الذي قام به الضباط البعثيون والناصريون فاستولوا على مقاليد السلطة في يوم 8آذار(مارس)1963م، ثم خدع البعثيون شركاءهم لينفردوا في الحكم الاستبدادي والدموي حيث حاربوا الدين وعلماءه وفتكوا بنخبة المجتمع من مفكرين وأدباء وتجار وشرعوا في تسريح الضباط الأكفاء من الجيش ليحل محلهم بعثيون لا أهلية لهم وجرى ترفيع البعثيين عشوائياً (حافظ الأسد من رتبة رائد إلى لواء ومصطفى طلاس من مقدم إلى لواء....). وهكذا تمت أكبر عملية تخريب للجيش السوري فبات فاقد القدرة على خوض أي مواجهة جدية مع العدو المتربص.

 

لكن ذلك لم يكن كافياً-على فداحته-لسقوط الجولان، فأكمل وزير الدفاع حافظ الأسد ورئيس الأركان أحمد سويداني المهمة فلم يشترك سلاح الطيران في الحرب –وقائده المباشر هو حافظ الأسد نفسه!!-وبث وزير الدفاع عبر الإذاعة بياناً يزعم فيه  سقوط القنيطرة-قاعدة الجولان وعاصمته-بيد اليهود، ولم تكن قد سقطت بعد!!

 

وانهارت معنويات الجيش ثم جاءت الخيانة الأخيرة بصدور أوامر الأسد الأب بالانسحاب الكيفي وهو ما جعلهم لقمة سائغة للصهاينة الذين قتلوهم كالعصافير العزلاء..

 

ومما يضاعف من قيمة كتاب خليل مصطفى الخرائط العادية والملونة لسوريا والجولان وأوضاع القوات السورية والصهيونية وأساليب الدفاع وغير ذلك من المسائل الحيوية.

 

لذلك كله حق لنا اختيار عنوان: الجولان المضيّع مرتين، فالأب هو الذي سلّمه للعدو بلا قتال والابن يحمي هذه الخيانة المستمرة ومع ذلك يتدثر برداء الممانعة والمقاومة!!