الوثائق السرية حقائق سردها الإعلام
28 صفر 1432
حمزة إسماعيل أبو شنب

من المؤكد لدى الجميع- عدا طائشي التفكير- أن الوثائق التي نشرتها قناة الجزيرة أعطت حقائق وبراهين على صحة ما كان يقال بحق قادة السلطة من أنهم يحملون مشاريع انهزامية وانبطاحيه، ولم يكن مستغربا أن يعرف المشاهد العربي هذه الحقائق المؤلمة التي بينتها الوثائق، التي كانت أبلغ من كل التصريحات السابقة التي كانت تطلق هنا وهناك، لتقول أن المفاوضات تهدف إلى تصفية القضية بالحلول الإبداعية، وأن اللقاءات والمواقف التنازلية التي ادعت قيادة السلطة آنذاك أنها لا تمثل إلا أصحابها، مثل وثيقة جنيف تبين أنها نوقشت في الاجتماعات السرية مع الإسرائيليين وبتعليمات من رأس الهرم محمود عباس.

 

لم تبق قضية إلا وكان الإعلام قد تحدث فيها من قبل، ولم يكن أمام المفاوض المبدع إلا أن يكذب ما تنقله وسائل الإعلام، فقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية تفاصيل الكثير من اللقاءات والتقارير عن نشاط الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، وكان واضحاً أن الفلسطيني الجديد يعمل بجد، والكثير من قياداته ينتظرون الثناء والتقدير من قبل قيادات العدو، هذا ما كان واضحاً في تقرير للقناة العاشرة في نهاية 2008 م؛ خلال تصويره لنشاط للأجهزة الأمنية في منطقة الخليل، حيث كانت قيادات الأجهزة الأمنية تتفاخر بأن العقيدة الأمنية لعناصرهم هي حماية الاحتلال، وأنهم سيمنعون أي نشاط ضد إسرائيل ولو خطف جندي مثل شليط سيعملون بحزم على الإفراج عنه.

 

لم يفهم المبدعون كما يبدو كلمات الجنرال دايتون أمام معهد الشرق الأدنى في مايو 2009 م وهو يستعرض إنجازاته، ويعبر عنها بمدى التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، وكيف استطاع خلال فترة وجيزة تخريج عناصر الأمن المسالمين للاحتلال، المتفرغين لمواجهة حركة حماس، واصفا إياهم بـ "الفلسطينيين الجدد"، ثم يخرج علينا المتحدث باسم الأجهزة الأمنية ليتحدث عن مكاتب ارتباط تعمل لتسيير خدمات إيصال الكهرباء والماء وحركة المعابر، متجاهلاً كلمات رئيس جهاز الشاباك الأسبق " يوفال ديسكن" بعد صدور الوثائق حينما قال (لقد تجاوزنا التنسيق الأمني بيننا وبين السلطة إلى التعاون في العمليات الميدانية).

 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولكن في الوقت الذي كان يعلن فيه محمود عباس وقف التنازلات المجانية في المفاوضات، كانت القيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تتجول في جميع أنحاء الضفة الغربية، فتارة يقوم قائد الشاباك بزيارة لجنين ورام الله، وأخرى يقوم فيها قائد الأركان بزيارة بيت لحم في وضح النهار، مرسلاً لقادة السلطة برسالة مفادها أن المفاوضات والتنازلات التي يقدمها فريق المبدعين "عباس وعريقات وقريع" لو توقفت لا يمكن أن يتوقف النشاط الأمني العلني.

 

هذه المرحلة التي نعايشها، بات فيها العالم العربي مطلعاً على فضائح السلطة بشكل شبه كامل، ومن قبل ذلك اطلع الجميع على فضائح العرب في ويكيلكس، وشاهدنا كيف سقط النظام التونسي "البغيض" إثر ثورة شعبية عارمة، وها هو الشارع المصري ينتفض ضد حكومته، أما قيادات أسلو –التي يبدو أنها لا تتعظ لا من تجاربها ولا من تجارب الآخرين، فمازالت تتمادى في ضلالها القديم.

 

إذن شكراً لقناة الجزيرة التي كشفت ما كان يدور في الخفاء، والتي أثبتت مصداقية الأنباء التي كانت تنشر بين الحين والآخر، ويسارع كبير المفاوضين المبدع صائب عريقات لنفيها، ولعل المجال هنا لا يتسع للتفصيل بشأن المعلومات التي وضحتها الوثائق عن حجم التنازلات ومدى التقدم في التنسيق الأمني الذي آلت إليه الأمور في الضفة الغربية، لكنني أشير إلى إحدى هذه الوثائق، وهي عبارة عن محضر اجتماع بين كل من عباس وعاموس جلعاد في يونيو 2008، أبلغ فيه الأخير عباس بأن الجانب الإسرائيلي سيوجه ضربة عسكرية لقطاع غزة؛ فصمت عباس وقال لا يوجد حلول اخرى وكأن السكوت علامة الرضا والموافقة أو أن الشأن إسرائيلي بحت.

هذا موقف من مجمل المواقف المخزية التي اتخذها أعوان الاحتلال الذين - وبكل صراحة - يفتخرون بما يقومون به "و بكل وقاحة".