الثقة بالذات أساس الدعم النفسي 1-2
12 صفر 1432
جمال عرفة

من المواقف الشائعة في الحياة اليومية الاجتماعية أنك قد تجد شخصاً مأزوماً يقول لك بإلحاح: إنه "في حاجة إلى دعم نفسي كبير" ليتمكن من تجاوز هذا الموقف، فهو يطلب منك أن تدعمه وأنت لا تعرف ماذا يقصد وما الذي ينبغي أن تفعل له!.

 

والغريب أنك في كثير من هذه الحالات تجد هذا الشخص قادراً على تحمل الموقف أيّاً كان، ولكنه غير واثق في نفسه ثقة كافية، وهو غير متأكد من قدرته على أن يقوم بالفعل المطلوب، بل إنه لا يفكر حتى في التحدي ومجرد التجربة!

 

وتنتابك الحيرة والشعور بالإحباط، عندما تلاحظ أبناءك في المدارس أو الجامعات أضعف – في معدلات درجاتهم العلمية - من نظرائهم في الدراسة بالرغم من أنك توفر لهم الظروف النفسية ذاتها والاحتياجات المادية فأنت موقن من أن أولادك لا يعانون من أي نقص يفسر تأخرهم عن زملائهم!!

 

فإذا سألتَ ولدك المقصر: "لماذا أخذ زميلك (فلان) درجات أعلى منك برغم أنك لديك نفس ظروفه؟" قد يفاجئك عندما يقول لك وهو يتظاهر بأنه واثق من نفسه (وهي ثقة الضعيف المهزوم): "صديقي هذا معروف بأنه الأول على الفصل دوماً وهو متفوق ويحصل على أعلى الدرجات "، يسوق لك دفاعه غير المنطقي عن تقاعسه وكأنه حقيقة مُسَلَّمةٌ أو قاعدة ثابتة لا يستطيع مخلوق خرقها!؟.

 

وفي تجربتي الشخصية أذكر أنني عندما كنت في دراستي الثانوية كنت أحمل مثل تلك القناعة منذ بداية العام الدراسي، فكنت أتوقع أنني ربما أحصل على المركز العاشر -وربما العشرين- بين أقراني في الفصل (!)، وأتعامل مع دراستي علي هذا الأساس، وليس لدي طموح أكثر من النجاح بمجموع درجات لا يتجاوز درجات النجاح إلا قليلاً، ولا أفكر في التفوق بسبب قناعتي الداخلية أن هناك من هم أكثر مني تفوقاً وأنه لا سبيل لي إلى منافستهم!.

 

بل إنني كنت أرتب – في ذهني – مسبقاً من سيكون في نهاية العام هو الطالب الأول في فصلي ومن سيتبوأ الموقع الثاني وهكذا ولا أفكر في وضع نفسي بين هؤلاء "العباقرة"!، ولكن شيئا ما، وتجارب صغيرة جرت أمامي أقنعتني ودفعتني لتحدي هذا الخمول وعدم الثقة في نفسي وأن أعمل ما عليَّ من واجب ولا أقصر وأدعو الله بالتوفيق.. وفعلت.. وفوجئت أنني أول فصلي وأنني مرشح لكليات القمة، في حين أن الزميل الذي كان هو المرشح الأول في ذهني، جاء ترتيبه في المركز العشرين!؟.

 

الثقة بالنفس مفقودة؟

بصفتي مستشاراً اجتماعياً أجيب على مشكلات القراء الاجتماعية في موقع (إسلام أون لاين.نت)، لاحظتُ أن 85% منهم تقريباً لا يطلبون مني حل مشكلاتهم بقدر ما يبدو أنهم يائسون، يحتاجون إلى من يربِّت على أكتافهم ويشجعهم ويدعمهم نفسياً ويزرع الثقة فيهم لاتخاذ قرار أو للتغلب على مشكلة، بل إن بعضهم بلغ به القنوط-والعياذ بالله-حد التفكير في الانتحار، ولذلك فهو يفتقر بشدة لمن يردعه ويعيد إليه ثقته بنفسه.

 

إحدى الفتيات مثلاً أرسلتْ مشكلتها لعدة صحف ومواقع اجتماعية تطلب المساعدة في حلها، وعندما أطلعتْني على مشكلتها وعلى نصائح هؤلاء المستشارين لها، لاحظتُ أنهم ركّزوا في ردودهم على الشكل الخارجي للمشكلة دون الولوج إلى جوهرها، وهو ضرورة غرس الثقة في الفتاة نفسها كي تتجاوز هذا الموقف، وهو الأمر الذي فعلتُه قاصداً، وكم كانت سعادتي كبيرة عندما أفادتني صاحبة الشكوى لاحقاً - وهي في غاية السرور - أنني وضعتُ يدي على حقيقة مشكلتها وأنها تعافت بحمد الله ووصلت إلى بر الأمان!.

 

وكثيرا ما تصل إليَّ مشكلات مشابهة: بسيطة في ظاهرها لكنها عميقة في واقعها، وذلك مثل الرغبة في الانعزال والخجل والخوف من الوقوع في الخطأ إذا أراد المشتكي أن يتفوه بأي كلمة.....

 

وما من علاج سليم لتلك الحالات سوى دعم ثقة هذا الإنسان بنفسه-ذكراً كان أم أنثى- أولاً وأنه لا يقل عن أقرانه في شيء.ذلك أن أي إنسان قد يشعر تحت وطأة الحياة وضغوطها الكثيرة أنه غير قادر على حسم أمره أمام خيارات معينة، أو أنه لا يستطيع الانسجام مع الآخرين، أو أنه عاجز عن مواجهة جمهور كبير.

 

فلو طُلِبَ منه أن يتحدث مثلاً في جمع من الناس في حفل صغير أو كبير أو يلقي محاضرة، أو يظهر ليتحدث في التلفزيون فإنه يتلعثم أو يتعرق وغالبا ما يرفض المهمة إيثاراً للسلامة فهو يبتعد عن هذه المواقف المحرجة له لعدم ثقته في نفسه، في حين أن آخرين متدربين على مواجهة مثل هذه المواقف يتصدرون هذه المناسبات وقد يقولون كلاماً فارغاً!.

 

والمشكلة الكبرى هنا أن هذا الشخص "المهزوز" قد يكون له غريم أو "صديق لدود" يهوى التفاخر ويعشق الظهور، فيسعى في هذه الحالة إلى إيهام الضحية "غير الواثق في نفسه" بأنه لا يصلح لهذا الأمر ولا للخطابة في هذا الجمع أو حتي إبداء رأيه ويظل يؤثر عليه وينتقد تصرفاته بغرض تعويقه عن الظهور بدل مؤازرته في مواجهة مخاوفه، فيزيد هذا من مشكلة هذا "المهزوز" وهو لا يدري أنه قد يكون أكبر قدرات من صاحبه اللئيم.

 

والمطلوب هنا، أمر بسيط جدا، ويتلخص في أن نقف بجوار هذا الشخص ونعيد له ثقته في نفسه وأنه ليس أقل من غيره، وأن ندربه على مواجهة هذه التجمعات تدريجياً بالبدء في التحدث في تجمعات للأصدقاء، ثم في تجمعات أكبر ثم أكبر حتي تزول الرهبة والخوف من اللقاء مع الناس ويتعود على الحديث بلا خوف.. ومن المهم كذلك إفهام المتدرب أنه من الطبيعي أن يخطئ الإنسان أحياناً ويتلعثم ويتخبط في الكلام لأن الحياة عبارة عن سلسلة تجارب، وأنه ليس كل ما يقوله الآخرون مقدس أو غير قابل للنقد.والأهم أن يقتنع الشخص نفسه أنه لكي يتغير نحو الأفضل، فإن عليه أن يكون مستعداً لهذا ومؤمناً بـه سوف يتقدم بإذن الله.

 

وهناك دورات تدريبية يتبعها مثلاً المدرب الإداري في الشركة أو الصحيفة أو المصنع بهدف تعزيز قدراته على إلقاء محاضرة لعشرات أو مئات الأشخاص، فتبدأ من ثقته في نفسه أولاً بالوقوف أمام هذا الجمع، وتنتهي بكيفية تأثيره هو في مشاعر وعقول المتدربين وجذبهم – بوسائل تشويقية تكسر الجليد بينه وبينهم – وصولاً لإكسابهم قدرات هذا المدرب نفسه!.

 

دعم نفسي للاعبي الكرة!

حتى في لعبة كرة القدم يحدث نوع من عدم الثقة في النفس لدى لاعبي فريق ما، أو يحصل شيء من الإحباط لدى الجمهور بسبب نتائج فريق بلاده المخيبة لآماله..

 

وهذا الدعم النفسي للفرق الرياضية أو للشعوب – وبخاصة في الدول النامية التي تعتبر الكرة لديها هي أفيون الشعوب الحقيقي - ليس رفاهية ولا فلسفة، وإنما ضرورة يتطلبها الشحن الرسمي وما قد يسببه من إحباط في حالة هزيمة الفرق الرياضية بصورة لا يتوقعها الجمهور.

 

فهذا الجمهور يحتاج إلى من يساعده في التخلص من المشاعر السلبية، وإعادة شحذ طاقته الإيجابية، وتدريب أفراده على عزل ما قد يصلهم من إعلام يصور لهم فريق بلادهم بأنه لا يقهر، في حين أن الرياضة وكل الحياة هي دُوَلٌ بين الناس:ربح في يوم وهزيمة في يوم آخر..