في زمن جحر الضب التغريبي.... هل بدأ الغربيون يعودون إلى ضميرهم؟-5
28 محرم 1432
خباب الحمد

-5- والأخيرة

•    ما الفائدة من كل ذلك؟

لسائل أن يسأل: ماذا يريد راقم هذه السطور من ورائها؟
وما فائدة ما ذكره من حشد لبعض المواقف الغربيَّة التي تنادي ببعض المبادئ الإسلاميَّة؟

 

إن ما أود أن أقوله حيال ذلك ألخصه في عدَّة نقاط:

1)    يقول الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33]، فهذا الدين على قدر ما يراد الكفرة والطغاة أن يحاربوه، فهو بقوَّته ونصاعته وعظمة مبادئه قادر على أن يجذب إليه كثيراً مِمَّن هاجموه واتهموه بتهم كاذبة!!

 

2)    أدرك جيداً مدى التخبط الذي يعيشه الغربيون من دمار اقتصادي، وبوار أخلاقي، وشنار اجتماعي، وعار يلحق تحركاتهم السياسيَّة الاحتلاليَّة التي يفتعلونها في العالم العربي والإسلامي، وتآزرهم بعضهم مع بعض للوقوف ضدَّ الدين الإسلامي والعقيدة الصحيحة فهذا أمره لا ينطلي على أي عاقل.

 

3)    لكنَّ الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8].

وإنَّ من العدل أن نذكر تلك اليقظة التي تحصل لبعض الغربيين وقيامهم من سباتهم العميق، وبعدهم السحيق عن المنهج الرباني، ونبيِّن أنَّ ما قاموا به من صواب يوافق منهج الإسلام، فالإسلام نادى به منذ أكثر من خمسة عشر قرنا فمالهم لا يفقهون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يتذكرون؟

 

4)    وعليه فالإشادة بأي جهد صادر عن الغرب ينحو نحو التقدم الإنساني والحضاري، ويخالف منهج الارتكاس والانحباس في الأطر الضيقة التي كانوا عليها على مبدأ أهل الجاهلية: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23].

فمن أصاب فمستحسن شكره على الإصابة، وتبيين أنَّ ما فعله يوزاي مسطرة الصواب، ودفعهم نحو الأمام لاتخاد مزيد من القرارات الصائبة في منحى التحول نحو الأحسن والتغيير إلى الأفضل، مع تبيين أنَّ ما قاموا به من صواب وحق يوافق الإسلام هو موجود في دين الإسلام منذ قرون عدَّة؛ لكي يتنبَّهوا أنَّ هذا الدين جاء لخير العباد والبلاد وأنَّه صالح ومصلح لكل زمان ومكان، ولكي تثار لديهم مكامن حبّ الفضول للتعرف على الإسلام أكثر فأكثر.

 

5)    إنَّ أي موقف صحيح يصدر عن الغرب أو الشرق الذي لا يؤمن بالله ورسالة الإسلام، لهو دليل على أنَّ التجارب السيئة التي خاضوها كانت عقيمة لم تنجح ولن تفلح، وتصرفات كهذه تتفق ودين الإسلام فلن تخرج إلاَّ من شخصيات غلًّبت جانب العقل والمصلحة بل غلبتها فطرتها السليمة التي أفسدتها تربيتهم السيئة، فكانوا متفكرين بحقيقة ضلالهم وغيِّهم وهل هو صواب أم خطأ؟ وهل هم على حق أو باطل؟ فإن كان منافياً للحق؛ فماذا بعد الحق إلاَّ الضلال!

 

6)    بمثل هذه المواقف الصادرة من عقلاء الغرب والشرق، لابدَّ أن تتكوَّن لدى بعض المنهزمين من المسلمين والمنبهرين بحضارتهم، الثقة بما يسمعونه من دعاة الإسلام وعلمائهم عن حقيقة العدالة المطلقة في دين الإسلام، وأنَّه دين رب العالمين، فيقطعوا عن أنفسهم ذلك الانبهار الصادر تلقائياً منهم بأنَّ ذلك الغرب المنتفش بعتوِّه واستكباره متوهمين أن كل ما يصدر عنه صواب، فليس بعد الكفر ذنب، وصحيح أنَّهم قد يقومون بأمور صحيحة،لا حرج من الاستفادة منها إن لم تخالف شرعة الإسلام فالحكمة ضالة المؤمن، غير أنَّ المسلم في نهاية المطاف لديه جذور عقائدية يستمد منّها طبيعة تصوراته ونظراته لحقيقة الحياة الدنيا.

 

7)    ونحن نعجب حينما نرى من يقلدون الغربيين من التغريبيين في البلاد الإسلاميَّة في كل شيء ويجعلونهم قبلتهم في شؤونهم الحياتية والدنيويَّة، كيف لا يستفيدون من نماذج التقدم الغربيَّة الموافقة للدين الإسلامي بعد أن كانوا متخلفين وبعيدين عن سلوك النهج القويم، فإنَّ من ينادي بما ذكرته آنفاً ليسوا علماء مسلمين ـ وللمعلوميَّة فذكرهم عند العلمانيين يسبب لهم الغثيان وحالة من الاشمئزاز ـ فلعلَّهم يستفيدون من تجاربهم الحديثة في نقد بعض المعالم البارزة من الحضارة الغربيَّة التي كانوا يفاخرون بها الأمم ويصورونها خيراً محضاً!!

 

8)    حري بنا نحن المسلمين أن نثبت على عقيدتنا وإسلامنا وديننا العظيم، فهو دين الحق والحقيقة المطلقة في الكون والحياة، فكان لزاماً حمد الله وشكره على هذه النعمة، وبذل الوسع الصادق لنشر دين الإسلام، والمجاهرة به في كل مكان وزمان، والاعتزاز بقيمه ومبادئه:

يا أيها الدنيا أصيخي واسمعي * أنَّا بغير محمد لا نقتدي

إن الشاعر والناقد الأدبي الحائزُ على جائزة نوبل في الأدب "توماس ستيرنز إليوت" قال: (إنَّ قوماً بلا دين سيجدون في النهاية أنَّهم لا يملكون شيئَاً يحيون من أجله).

 

وإنَّ الانتساب إلى الدين نعمة عظيمة لا يعرفها إلاَّ من ذاقها وهي نعمة ترفع العبد وتباركه وتزكيه، والحمد لله الذي هدانا للدين الحق - الإسلام - وكفى به نعمة وما كنَّا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق فجزاهم الله خير ما جزى رسولاً عن أداء رسالته.

 

ومن أراد أن يحيا حياة العظماء فليحيَ بالإسلام وليعمل بالإسلام وليعمل للإسلام؛ وإنَّ الشقاء الحقيقي أن ينتسب المرء للإسلام لكنَّه يعيش به وهو خجل منه، ولا يذود عن حياضه ولا يدافع عن حِماه، بل تراه عبئاً وكلاً على الآخرين.

 

•    وأخيراً:

ينقل (دوبو) كلمة رئيس بلدية (كليفند) متهكمًا: "إذا لم نكن واعين فسيذكرنا التاريخ على أننا الجيل الذي رفع إنسانًا إلى القمر، بينما هو غائص إلى ركبته في الأوحال والقاذورات".

 

ويعترف العالم الأوروبي ج. هـ دينسون حيث يقول في كتابه "العواطف كأساس للحضارة": "إن شجرة الحضارة البشرية تترنح اليوم، وتهتز كما كانت تهتز وتترنح قبيل مولد "الرجل الذي وحَّد العالم جميعه، فما أشدُّ حاجة البشرية إلى رسالة محمد لتنقذها مرة أخرى".

 

وإني أقول بكل ثقة ومسؤولية: لو عرف الغربُ اللهَ تعالى لأدركوا لا محالة أنَّه سبحانه وبحمده لا يفرض على عباده إلا ما فيه الخير والهدى لهم ولكنَّهم كما قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [يونس:39].

 

وهذه مشكلة المستكبر أنَّه يرفض سماع كلام الحق والإيمان قبل أن يتعرَّف عليه ويعيه ويفكِّر فيه: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سـبأ:46].

 

هكذا أمرهم رب السماوات والأرض، لكنَّهم أعرضوا واستكبروا وإذا جاءتهم الآيات ردوها بكل سخرية وعجرفة، ومع هذا يناديهم الله تعالى ويقول لهم: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:15-16].

والله سبحانه هو الهادي إلى سبيل الرشاد، فاللهم افتح قلوب عبادك واشرح صدورهم لكل خير، وجنِّبهم كل ضر وضير، واجعلنا وإياهم نسير على شرعة الإسلام ومنهجه... آمين.