المصالحة الفلسطينية ..السيناريوهات والعقبات
17 محرم 1432
حمزة إسماعيل أبو شنب

سيلتقي وفدا حماس وفتح مجدداً في نهاية الشهر الحالي لمناقشة ملف المصالحة وتقديم حلول للقضايا العالقة ، هذا اللقاء يأتي استمراراً لسلسلة لقاءات سابقة جمعت الوفدين في العاصمة السورية دمشق في محاولة  لرأب الصدع وإنهاء الانقسام الحاصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة . 
بالرغم من التقدم الذي حصل في بداية لقاءات دمشق ، إلا أن هذه اللقاءات لم تحرز حتى الآن أيَّ تقدم يذكر في القضايا الجوهرية ، فسرعان ما يتم التراجع عن النقاط المتفق عليها ، لتبقى التعقيدات قائمةً رغم اللقاءات ، ولعل حوارات القاهرة كانت خير دليل على حجم الفجوة بين مواقف الطرفين. 

 

ماذا تريد فتح و وماذا تريد حماس من المصالحة ؟ 
كلا الطرفين مقتنع بأن حالة الانقسام لا يمكن أن تستمر أمام السياسات الإسرائيلية المتعنتة حيال القضية الفلسطينية ، وكلاهما يرى بأن الحالة الفلسطينية انعكست على علاقات الدول العربية الرسمية فيما بينها، ولكن كلاً منهما لديه أهدافه التي يرى بأنها الأكثر صوابية للوصول إلى الحقوق الفلسطينية .  

 

 

أهداف حركة فتح :
1.    تعزيز موقف أبي مازن في المفاوضات المتعثرة ، فعباس بات يشعر بالنقص أمام الإسرائيليين دائمي التشكيك فيه ، كونه لا يملك السيطرة على قطاع غزة ، حيث أن حركة حماس التي تحكم قبضتها على قطاع غزة تشكل انتقاصا كبيرا في هيبة وشرعية "الرئيس" .
2.    كبح نفوذ سلام فياض في الضفة الغربية ، والتي أصبحت واضحة التأثير على حركة فتح ، التي تعاني من تهميش لدورها في القرار الحكومي ، وخطة سلام فياض "الخاصة" لإقامة الدولة في عام 2011 خير دليل على ذلك النفوذ المدعوم غربيا وأمريكيا.
3.    استعادة السيطرة – أو الحضور على الأقل-  في قطاع غزة بعد الخروج منه بهزيمة عسكرية على يد حركة حماس ، وعدم ترك الساحة لحركة حماس ، فقطاع غزة على صغر مساحته مقارنة بالضفة الغربية إلا أنه يشكل رقما صعبا لا يمكن تجاوزه في القضية الفلسطينية لعدة عوامل لا يتيسر لنا ذكرها في هذه المقالة.
4.    إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في الضفة الغربية وقطاع غزة بنظام التمثيل النسبي لاعتقادها –حركة فتح- بأن حماس سوف تخسر خسارة فادحة في أي انتخابات قادمة ، وبذلك تخرج من الحكم ، من ذات الباب الذي دخلت منه.
5.    الحفاظ على الإنجاز الأمني في الضفة الغربية وتعزيزه بالضغوط الخارجية ( الأمريكية والإسرائيلية) الرافضة لمشاركة حماس في الأجهزة الأمنية.
6.    سحب سلاح كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في قطاع غزة، تحت شعار "سلاح واحد لسلطة واحدة". 
7.    احتواء حركة حماس وتحجيم دورها عبر إشراكها في "منظمة التحرير" ، لأنها –فتح- مقتنعة بصعوبة إجراء انتخابات للمجلس الوطني في الشتات.

 

على صعيد حركة حماس فإن أهدافها المرجوة من المصالحة :
1.    تعزيز تواجدها في الساحة السياسية الفلسطينية بعد فوزها في الانتخابات عام 2006 .
2.    تعزيز موقفها السياسي الرافض للمفاوضات والداعي للمقاومة بكافة أشكالها .
3.    استعداد عافيتها في الضفة الغربية بعد ملاحقة السلطة لها ووقف جميع أنشطتها.
4.    مشاركة عناصرها في الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية مما يعزز دورها في العمل المقاوِم على ساحة الضفة ، والتي تعتبرها حماس هي ساحة المواجهة الأبرز مع الاحتلال. 
5.    الانفتاح على العالم العربي الرسمي بشكل أوسع، ورفض شروط الرباعية لتغير قواعد اللعبة في المنطقة .  

 

 

و بسبب التناقض الواضح بين الأهداف التي يريدها كل طرف من المصالحة ، وفي ظل غياب الدور الفاعل للفصائل الأخرى، تبرز عقبات داخلية وخارجية تؤثر على الحوار، من أهم العقبات الداخلية ما يلي: 
1.    الأجهزة الأمنية هي عقدة وليست العقبة في ملف المصالحة ، لأن البرامج السياسية تنعكس على أداء الأجهزة على الأرض ، فحركة فتح تعتبر أن التنسيق الأمني من التزامات السلطة التي يجب أن تنفذها ، في الوقت التي تعتبر فيه حماس هذا السلوك خيانة وطنية ، تهدف لضرب حركات المقاومة ، وحماية أمن إسرائيل.
2.    القانون الذي أجريت على أساسه انتخابات عام 2006 ، حيث ترى حركة فتح بأن الانتخابات وفق القانون القديم "المختلط" - 50% نسبي (قائمة) و 50 % دوائر (أفراد) - هو السبب في خسارتها الفادحة وصعود حماس واكتساحها أغلبية مقاعد التشريعي، فنظام الدوائر مكن حماس من الحصول على 49 مقعداً مقابل 17 مقعداً لحركة فتح من أصل 66، في حين كانت النتيجة شبه متساوية في نظام التمثيل النسبي، حيث حصلت حماس على 29 مقعداً مقابل 28 لفتح, لذا تشدد فتح في جميع الحوارات واللقاءات على إجراء أي انتخابات قادمة وفق النظام النسبي للانتخابات، حتى لا تحظى حماس مرة أخرى بالأغلبية في المجلس التشريعي، أما حماس فرؤيتها في هذه النقطة على النقيض تماماً، فهي تدعم في اتجاه إبقاء القانون على حاله، وقد توصل الجانبان إلى تفاهمات بخصوص هذه النقطة ، ولكن سرعان ما تم التراجع عنها.  
3.    منظمة التحرير هي الأخرى من العقبات.. فحركة فتح تعتبرها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ولا يمكن تجاوزها، في حين تعتبر حركة حماس المنظمة مترهلة ويجب إصلاحها، وهي جزء من التمثيل الفلسطيني وليست الكل، وقراراتها لا تلزم أحداً، وبرنامجها يمثل فقط من يشاركون فيها.

 

أما العقبات الخارجية التي تعيق إتمام المصالحة، فهي مصطنعة من عدة أطراف إسرائيل، الولايات المتحدة، مصر، وجميعهم يصممون على نقاط محددة وهي:  
1.    اعتراف حماس بشروط اللجنة الرباعية الداعية لنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل ووقف العمل المسلح.
2.    التزام حماس بالاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل.
3.    عدم تولي حركة حماس أي مسؤولية أمنية رفيعة المستوى في قطاع غزة، وعدم دمج عناصر الحركة في الضفة ضمن أية مهمة أمنية، وهذا المطلب هددت إسرائيل باجتياح الضفة الغربية إذا تم التوافق عليه.
4.    نجاح تجربة حماس في الحكم  واستمرارها في السيطرة على قطاع غزة يشكل إزعاجاً للحكومة المصرية لسببين، الأول: أنها تعتبر حماس مشكلة أمنية تهدد الأمن القومي المصري، والثاني وهو الأخطر: أن حركة حماس هي امتداد لحركة الإخوان المسلمين في مصر.  

 

هذه العقبات سواء الداخلية منها أو الخارجية نلخصها بالقول ( إن أولوية الأطراف الخارجية تنحصر في ضمان أمن إسرائيل ، بينما يحرص الطرف الداخلي على إنهاء المقاومة المسلحة)، ويبقي السؤال.. ما الذي سيتمخض عنه اللقاء القادم؟ وهل سيكون الأخير بين الطرفين؟ للإجابة على هذا السؤال نطرح بعض السيناريوهات المتوقع حدوثها في نهاية المطاف بين الطرفين:
السيناريو الأول: هو الاتفاق بين الطرفين على بنود المصالحة المتعلقة بلجنة الانتخابات، منظمة التحرير، حكومة الوحدة، وتأجيل بحث الملف الأمني إلى ما بعد إجراء الانتخابات في الضفة الغربية وغزة، وبهذا يكون الفائز هو الذي يمكنه أن يعيد صياغة الأجهزة الأمنية على المعايير التي يتم تحديدها من قبل الطرفين خلال الحوارات واللقاءات، ولكن هذا السيناريو من الممكن أن ترفضه مصر لأنه وعليه ستضطر للتعامل مع الأجهزة الأمنية في قطاع غزة إلى حين إجراء الانتخابات، وهي ترفض أن تتعامل مع أجهزة أمنية شكلتها حركة حماس.

 

السيناريو الثاني: أن يتم الاتفاق على جميع الملفات العالقة وتأجيل التنفيذ لحين إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وانتخابات المجلس الوطني "في الأماكن التي يمكن أن تحدث فيها انتخابات"، ويتم تشكيل مجلس تنسيقي بين حكومة غزة وحكومة الضفة، وهذا تم طرحه سابقاً ولكن العقبة في هذه الطرح أنه سيعزز وجود حكومتين في الضفة وغزة، ومن السهل على أي طرف منهما لا تعجبه نتائج الانتخابات أن يرفضها ويعطلها، وبهذا تعود الأمور إلى وضعها الراهن.
السيناريو الثالث : الاستمرار في الحوار مع حماس دون تقدم، وتعويل حركة فتح على دخول حركة حماس مواجهة جديدة مع الاحتلال، أكثر شراسة وعنفا من سابقتها، ترضخ حماس بعدها لمطالب مصر بالتوقيع على الورقة المصرية كما هي دون تحفظ، وهذا الأمر حاولته مصر إبان الحرب على غزة 2008/2009، وفشلت في ترويض حركة حماس، وهذا السيناريو يحظى بالقبول لدى الكثيرين من رجالات السلطة.

 

السيناريو الرابع : هو محافظة حماس على تواصل الاتصالات مع فتح وجميع الأطراف المعنية بالمصالحة ولكن دون التنازل عن شروطها سواء في الملف الأمني أو ملف منظمة التحرير، وذلك من خلال تعديل الورقة المصرية أو إضافة ملاحق لها، وهذا يعزز استمرار وضع الانقسام في ظل فشل مشروع مفاوضات فتح في الضفة الغربية، وتسجيل إنجازات حكومة سلام فياض له شخصياً، وهذا سبب في تراجعها على المستوى الشعبي في الضفة، في الوقت الذي تشهد فيه حماس في قطاع غزة حملات لكسر الحصار مما يعزز صمودها في الحكم، وتمسكها بمواقفها في ظل التراجع الواضح للتأثير الأمريكي في المنطقة، وفشل مشاريع أوباما في التسوية، وهذا هو أرجح السيناريوهات التي قد تكون، وهو بقاء الأحوال على ما هي عليه مع استمرار اللقاءات بين الجانبيين.

 

الخلاصة:
نرى أن الملف الأمني يصعب كثيراً الوصول فيه إلى تفاهمات مفصلة بسبب الاختلاف في البرامج السياسية ، وبالرغم من انزعاج حركة فتح الواضح من سلام فياض رئيس الحكومة في الضفة، إلا أنها لا يمكن أن توافق على مطالب حماس بتغيره في أي مرحلة انتقالية ، بسبب ارتباط الدعم الأوروبي والأمريكي في هذه المرحلة بتواجده في رئاسة الحكومة وهذا الدعم هو الذي مازال يعطي فتح سر استمرارها ووجودها في رئاسة السلطة ، في المقابل في ظل انسداد الأفق الذي وصلت إليه عملية التسوية ، وبعد الحشد الجماهيري الذي جمعته حماس في مهرجان انطلاقتها الـ 23 ، وأمام تواصل قوافل كسر الحصار - والتي من المتوقع زيارة شخصيات دولية رسمية فيها مثل رجب طيب أردوغان، وتشيفس وشخصيات اعتبارية أخرى- فإن حركة حماس تعززت لديها القناعة أكثر بقوتها وستبقي تناور على وقف الملاحقة لعناصرها في الضفة الغربية دون التفريط بسيطرتها على قطاع غزة ، وفي ظل هذه الحالة تبقى مصر الدولة العربية الوحيدة التي تحاول أن تضغط على حماس من أجل إتمام المصالحة وفق الشروط التي لا تقبلها الحركة ، أما بقية الدول فلا تريد الخوض في غمار الانقسام الفلسطيني.