عاشوراء الدم.. حصاد الظلم في إيران
9 محرم 1432
أمير سعيد

مفارقة لافتة يقودها إلينا تحول مناسبة عاشوراء التي تحتفل بها الطائفة الشيعية احتفالاً خاصاً من النمط الطقسي التعبدي إلى بركة دم يغوص فيها عشرات أو مئات الشيعة كل عام لأسباب سياسية محضة؛ فإيران التي رفعت من سقف الاهتمام بهذه المناسبة التي ينظر إليها "مذهبها" على أنها تعبير عن "الثورة ضد الظلم" التي قام بها الحسين بن علي رضي الله عنه، أضحت معنية بدفع فاتورة مظالمها في اليوم ذاته الذي تدعي فيه انتصارها واحتفائها بالثورة ضد الظلم.

 

"مظلوميات" الأقاليم بلغت حداً طفح بالدم على نحو لم يكن مألوفاً من قبل، وصار محررو الأخبار ومعدو البرامج ينتظرون القادم من العمليات الدموية التي تستهدف مدنيين شيعة أو عسكريين ثوريين متواجدين في حسينيات وأماكن أداء تلك الطقوس المرفوضة من السنة وعقلاء الشيعة على حد سواء.

 

والعملية التي حصلت في إقليم سيستان ـ بلوشستان وأسفرت عن مقتل وجرح مائة على الأقل من المتواجدين في الاحتفال تجسد شيئاً من ذلك لا يمكن تجاهله، لأن تصاعد ردات الفعل وتقارب الفترات الزمنية بين حالات النضال التحرري توحي بأن منسوب الظلم الذي يمارسه النظام المركزي في طهران قد جاوز الحد الذي يمكن تقبله من قوميات وأصحاب عقيدة لم يعد التدجين مجدياً معهم مع ارتفاع درجات الوعي في أطراف الدولة الإيرانية الشاسعة، سواء أتمت ترجمة هذا الحنق المتزايد في وسائل مشروعة أم غير مشروعة.

 

والذي يمكن رصده في العملية التي جرت اليوم في الإقليم الذي تسكنه غالبية سنية المعتقد بلوشية القومية والذي لا يسعى مناضلوه في الغالب للانفصال وإنما لتحقيق العدالة والحكم الذاتي لأبنائه والتمتع بحرية المعتقد واحترام الخصوصية الإثنية، أن الريح قد جرت بما لا يشتهي الربان في طهران؛ إذ أصبح الظلم هو المحرك للمظلومين في عاشوراء من غير منتسبي مذهب الدولة الإمامي الرسمي الذي لا يعترف بدين أو مذهب للإيرانيين سواه.

 

وإن التماسك الذي برهنت الدولة الإيرانية على قدرتها الفائقة على الاحتفاظ به خلال عهدي الشاه والثورة الإيرانية قد بات محل نظر الآن مع إخفاق طهران في إقامة نظام عادل يحفظ للأطراف خصوصيتها الدينية والعرقية ويمنحها حظها من التمثيل الحقيقي لأحجامها الكبيرة في التركيبة الديموجرافية لإيران.

 

لقد سعت طهران جهدها إلى تصدير ثورتها للخارج، ومارست ضغوطها على دول منطقة الخليج العربي من أجل تكريس "فرسنته" لكنها أخفقت في "تفريس" إيران ذاتها، وجهودها التي بذلتها في هذا الصعيد لا يمكن الاستهانة بها، بيد أنها لم تفلح في إخماد رماد نيران الاحتقان الديني والإثني داخلها، وبشيء من النظر قليلاً إلى نموذج البلوش، نجدها حيث نجحت في اختطاف زعيم منظمة جند الله الشاب عبد الله ريغي بمعاونة استخبارية أمريكية وباكستانية رسمية معروفة؛ فهي لم تسد كوة النضال البلوشي بذلك وإنما فتحت فوهة البركان، والفاتورة التي لم تزل تدفعها بسبب هذا التعاون الدولي لإخماد الثورة البلوشية باهظة الثمن إلا حد الندم على تلك القرصنة الدولية التي أودت بحياة الرجل بعد اعتقاله على نحو كان يحمل حجماً هائلاً من التشفي كان عصياً على سكان الجبال البلوشية تحمله.

 

لم يكن الناس لا في إيران ولا خارجها يلتفتون إلى أن الفرس فيها أقلية رغم استيلائهم على معظم دواليب الحكم فيها ومكامن الثورة وخزائنها، ولم يكن كثيرون يدركون أن ثلث سكان هذا البلد الذي يحكمه نظام طائفي هم من السنة المضطهدين، ولم يكونوا يعلمون أيضاً أن 90% من ثروة إيران النفطية في الأحواز العربية المحتلة وهم فيها فقراء، ولم يتوافر لكثيرين علمٌ بأن معظم الأذريين الإيرانيين الذين يمثلون نحو 35 مليوناً من سكان إيران يتطلعون للوحدة مع إخوانهم في أذربيجان، التي وقف النظام الملالي الإيراني ضدها في حربها مع "المسيحيين" الأرمن لاستخلاص إقليم بخاري قرة باغ (ناجورنو كاراباخ) في العمق الأذري.

 

إن الأحقاد والمظالم التي يصنعها النظام الإيراني باسم الثورة على الظلم ستظل تتفاقم؛ فلقد بطل السحر، وانتشر الوعي بما لم يعد يسمح بمزيد من نثر الأوهام والاستبداد والاحتكارية باسم دين منها برئ، وإذ سيظل يصدر هذا النظام مشاكله الداخلية للخارج؛ فإن الضربات ستتوالى على خاصرته، وسيدفع دوماً بسطاء الثمن في حسينية هنا أو هناك (إن لم يكن فيها قادة الحرس الثوري مثلما كان في عمليات منتصف العام الحالي)، وسنذكر مع هؤلاء البسطاء يوماً كانوا يعيشون فيه تحت حكم السنة لقرون، حينها كانوا ينعمون بالأمن والطمأنينة، ويمارسون حتى بدعهم وطقوسهم الغريبة بحرية وأمان، لم تعد تتوافر لهم الآن في قلب دولة الملالي وحصدة الأخماس.. والسبب يعرفه الجميع.. إنه الظلم الذي طفح من الثائرين عليه!!