تفجير إيران وتقسيمها.. بضاعتها ردت إليها
18 شوال 1431
أمير سعيد

[email protected]
التفجير الذي استهدف عرضاً عسكرياً إيرانياً في ذكرى بدء الحرب العراقية الإيرانية، والتي أشعلتها إيران  وانتهت بهزيمتها، وأعقبته إدانات واسعة من دول غربية وعربية لاعتباره عملاً إرهابياً استهدف أبرياء حضروا لمشاهدة عرض عسكري في مدينة مهاباد الكردية، وتفننت وسائل الإعلام الإيرانية والقريبة منها في توجيه الرأي العام العالمي نحو استهجانه والنظر إليه كعمل إجرامي تسبب في مقتل مدنيين لا ذنب لهم، من خلال صور النساء الجرحى التي وزعت على وسائل الإعلام تلك، والواقع أنه قد يكون كذلك في ظاهره بطبيعة الحال، لاسيما حينما يذهب ضحاياه ـ بحسب الإعلام الإيراني ـ متفرجون أكراد سنة لا علاقة لهم بالنظام الإيراني من قريب أو بعيد، غير أن غمامة الإدانات والتغطيات الإعلامية للحادثة قد حجبت أهم دلالاته على الصعيد البنيوي الإيراني.

 

لم يكن هذا الحادث فريداً من نوعه في منطقة الأكراد بشمال غرب إيران؛ فقد سبقته العديد من الأعمال المنسوبة إلى حزب "حياة حرة لكردستان" الذي بدأ حملة مسلحة في عام 1984 بهدف إقامة وطن للأكراد في جنوب شرق العراق وشمال غرب إيران، ولكن حدوثه في أعقاب اضطرابات وأعمال قتالية في مناطق أخرى يمنحه أهمية أكبر من حجم تأثيره الميداني بكثير.

 

بخلاف "المناضلين" الأكراد، كانت جماعة تنتمي لقومية أخرى في الكيان الإيراني تخوض معارك شرسة مع نظام طهران في الوقت ذاته تقريباً، استمرت لمدة يومين، وهي فترة ليست قليلة بالنظر إلى حجم قوة الكوماندوز البلوشية التي كانت تكافح من أجل الاحتفاظ بأسرى من العسكريين الإيرانيين مقارنة بقوات الحرس الثوري الذي حاولت بكل جبروتها لكنها أخفقت في تحرير "الرهائن" دون خسائر في صفوفها أو في صفوف الأسرى أنفسهم الذين كانوا ضباطاً في الجيش، حيث سقط العديد من القتلى بين "المنقِذين" و"المنقَذين".

 

جماعة جند الله الناشطة في إقليم سيستان بلوشستان جنوب غرب إيران تبنت عملية خطف الأسرى من باص كان يقلهم، هي ذاتها المسؤولة عن هجوم عنيف في يوليو الماضي عندما سقط 27 قتيلاً وأصيب نحو 270 آخرين، معظمهم من الحرس الثوري الإيراني في تفجير نفذ ببراعة في حسينية بمدينة زاهدان أشهر المدن السنية في إيران، توارى فيها العسكريون الإيرانيون وقنصتهم الجماعة.

 

نعود من الجنوب إلى الشمال، حيث قال النائب عن مدينة مهاباد في مجلس الشورى الايراني جلال محمود زاده في حديث مع وكالة فارس الايرانية للأنباء أن القتلى من "أبناء المنتسبين إلى الحرس الثوري والجيش" وعدد من الجرحى كذلك.

 

إيران قالت في هذه وتلك أن المنفذين هم من "أعداء الثورة"، وادعت أنها نجحت في اعتقال المسؤولين عن تلك العمليات، وستسوق إلى مشانق الأوناش الإيرانية المعروفة عدداً من سنة إيران، وهذا أمر مألوف في نمطية التخدير الإعلامي للتغطية على هشاشة الوضع الأمني، وسهولة الاختراق، ووحشية الانتقام التي عادة ما تستهدف أبرياء للموت ككبش محرقة للفشل وتلبية لشهوة الانتقام العشوائي.

 

هذا مألوف، لكن ألم يفكر الذين كشفوا عن "براعتهم" في توقيف "الجناة" في أنهم إنما كشفوا عن سوءات الحرس الثوري الذي صار هدفاً سهلاً لكل قومية وكل أيديولوجية أيا كانت؟!

 

من أقصى الجنوب، حيث البلوش يثورون، وأقصى الشمال حين ينتفض الأكراد، ألا يدل ذلك على أن إيران بدأت تعاني بالفعل من ضربات تحت حزام ثورتها القوي؟ وأليس في هذا وذاك تأكيداً لاتساع رقعة الرفض لـ"الروافض"، بين القوميات والمذاهب المختلفة في إيران؟! فإذا كان "جند الله" القريب من القاعدة بزعم السلطات الأمنية الإيرانية ـ وهو أمر لا يبدو دقيقاً بالمرة ـ و"حياة حرة لكردستان" القريب من حزب العمال الكردستاني الماركسي، كلاهما يناضل من أجل حقوق أقليته، فإن ذلك يشي بأن الغضب لا تحد الأيديولوجية أيضاً كما لم تفعل ذلك القومية من قبل. أو في أقل تقدير وحسب التحليلات الإيرانية الخجولة التي تتدعي مسؤولية "جند الله" عن عملية الشمال كذلك؛ فإن هذا سيكون اعترافاً آخر بأن قوة المعارضة البلوشية آخذة في النمو بشكل مضطرد، واستخباراتها القادرة على تتبع واختراق استحكامات الحرس الثوري الإيراني ماضية نحو الاحترافية برغم تغييب زعيمها ريغي في صفقة خسيسة أشرف على تنفيذها عملاء لإيران داخل النظام الباكستاني.

 

لقد قامت الاستراتيجية الإيرانية في نشر التشيع في العالم طبقاً لنظرية "تصدير الثورة" بالأساس مستهدفة تصدير الأزمات إلى خارج الحدود الإيرانية، وإشغال الجيران وغير الجيران بمشاكلهم الداخلية، وربما الفتن التي تصنعها أجهزة الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري في دول عديدة، ونجحت في تحقيق ذلك بالفعل لفترة طويلة،  لكن بعد ثلاثين عاماً من الثورة يبدو نجاح تلك السياسة موضع شك كبير، لاسيما أن دولاً كثيرة قد أبصرت الخطر محدقاً بها، فهل تراها ظنت إيران أنها بتصدير ثورتها ستكون في مأمن عن استهداف الآخرين وربما دعمهم لقوميات الداخل؟!

 

إن الحاصل يومئ إلى أن نطاق الاضطرابات في إيران آخذ في التوسع على مستوييه الأفقي والرأسي، وإن بدا ذلك بطيئاً الآن، لكن بطأه ربما لن يستمر كثيراً إذ سرعان ما ستتسارع وتيرته بعدما نجحت إيران في تجييش الأعداء بل وصناعتهم أحياناً.. لقد استدعت إيران "العفريت" فهل سيمكنها يوماً ما أن تصرفه وهي لم تزل دولة موحدة، أما أننا سنسمع بعد سنوات  ـ مجدداً ـ حديثاً صاخباً عن عربستان الأحواز، ومهاباد الأكراد، وسيستان بلوشستان؟!