حول تصريحات الهلباوي بشأن النظام السوري
10 رمضان 1431
د. ياسر سعد

أصابتني تصريحات د. كمال الهلباوي حول النظام السوري والإخوان المسلمين بخيبة أمل شديدة وبمشاعر من المرارة والحزن، ليس لمحتواها الغريب فحسب بل لأنها صادرة من رجل على درجة عالية من الثقافة وهو من كان يدير معهد للدراسات الإستراتيجية في باكستان سابقا فيما يرأس حاليا مركز حوار الحضارات في لندن حاليا. صدور تصريح يرسم مواقف سياسية بالغة الحساسية فيما يتجاوز عن حقائق دامغة ويتغافل عن تجارب مرة، تستدعي بتقديري من صاحبها إما الاعتذار أو الاعتزال.

 

الهلباوي أثنى في تصريحاته على الأستاذ البيانوني لرغبته وإصراره على عدم التجديد مضيفا بأن المراقب العام السابق "سعى إلى محاولة إنهاء المشكلة مع النظام، ولم يتم ذلك وكان له موقف عظيم هو وإخوانه في تعليق قضية الصدام مع النظام، والاحتكاك به نتيجة مواقف النظام الممانعة للاحتلال، والمساندة بشكل قوي للمقاومة في فلسطين وفي لبنان". الهلباوي يصف موقف تعليق أنشطة الأخوان المعارضة للنظام السوري في الأيام الأخيرة من العدوان الإسرائيلي على غزة بأنه موقف عظيم، ولست أدري من أين تأتي العظمة لموقف سياسي خالفه كثير من الأخوان السوريين فيما أيده آخرون. وهنا لست في وارد تقويم موقف سياسي ولكن وجه الاعتراض على المبالغة في توصيف الموقف (بالعظيم) من رجل يفترض فيه أن مفكر يضع الأمور في نصابها.

 

الهلباوي دعا القيادة الجديدة لإخوان سورية بالعمل على طي صفحة الخلاف التاريخي مع النظام وقال: "أنصح الإخوان في سورية في ضوء الظروف الحاضرة بشكل خاص أن لا يصطدموا بالنظام وأن لا يقعوا في فخ الصدام حتى لا يتهموا اتهامات لا تليق بالإخوان ولا بالجماعة". وأضاف "أرجو للقيادة الجديدة للإخوان خيرا وتوفيقا في تحمل المسؤولية، وإذا أتيحت أي فرصة فلا بد من انتهازها لإصلاح العلاقة مع النظام، فالجيل الجديد سواء في الدولة أو في النظام أو في الإخوان ليس مسؤولا عن المشكلات والتحديات والأخطاء التي وقعت من أي من الطرفين في السابق، وعلى الجيل الجديد إذا أتيحت له الفرصة للعودة والعمل في المجتمع فإنني أرى أن هذا من أولويات نقل الدعوة ودعم المجتمع المدني داخل سورية".

 

وهنا يقع الرجل المفكر في تناقضات هو ونحن في غنى عنها، فهو بعد أن يشيد بالبيانوني لمحاولاته إصلاح العلاقة مع النظام يعود ليؤكد ويشدد على القيادة الجديدة بالمضي قدما في نفس المسار على الرغم من إعراض النظام السوري عن تلك المبادرات واستهتاره بها وإصراره على التعامل معها في مسار أمني صرف. أما الأمر المستغرب فهو في تبرير الهلباوي لذلك بقوله "أن لا يقعوا في فخ الصدام حتى لا يتهموا اتهامات لا تليق بالإخوان ولا بالجماعة"، وكأن الخوف من الاتهامات من الخصوم سببا ومدعاة للتنازل أو التهافت. أما تبرئة الهلباوي للجيل الجديد في الدولة أو النظام عن المشكلات والتحديات والأخطاء السابقة فهي من الأمر المرفوضة وذلك لأن الإرث الوحيد والذي جاء ببشار للسلطة كونه ابن حافظ الأسد والذي تورط نظامه في مجازر حماة وتدمر وجسر الشغور وغيرها. ولو افترضنا بأن النظام السوري الحالي بريء عن الدماء والمظالم التي ارتكبت في عهد والده، فما هي سياساته الإنسانية وما هي صفات نظامه بعد عقد من استيلائه على السلطة بتعديل دستوري هازل؟؟

 

الهلباوي أشاد بمواقف مواقف النظام السوري في دعم "المقاومة" ودعم "الجمهورية الإسلامية" في إيران، ومواجهة الهيمنة الأمريكية، ودعاه في الوقت ذاته أن يتيح مساحة كافية لحقوق الإنسان وأن يتيح أيضا مساحة كافية للدعاة المخلصين، وأن يسعى سعيا حثيثا إلى تحرير الجولان والاستفادة من الروح الجهادية سواء عند الجيش أو عند الشعب في تحرير الأراضي المحتلة، وإطلاق سراح مساجين الرأي وفي مقدمتهم الدعاة المحتجزين من مدد طويلة، والأستاذ الجليل هيثم المالح، وأن لا يحاكم النظام المدنيين أمام محاكم عسكرية. وإذا كانت دعوة الهلباوي لإطلاق الحريات مشكورة فإنني شبه واثق أنها لن تلقى آذان عند النظام والذي يحاكم أبناء الشعب السوري ومفكريه بتهم مضحكة من قبيل إيذاء الشعور القومي لمجرد أن يطالبوا بالإصلاح أو برفع المظالم أو بالتعبير عن مواقف سياسية بطرق سلمية.

 

وإذا كانت مواقف النظام السوري الإعلامية تسر البعض ممن يشعر بالضيق من التهافت العربي الرسمي، فإن من الواجب التذكير بتصريحين للأسد -ما قبل قافلة الحرية وما بعدها حين كانت العلاقات التركية-الإسرائيلية تتجه للتوتر- جاء فيهما إن من مصلحة السلام أن تكون تلك العلاقات على ما يرام. وليس من العسير للمرء أن يستذكر مواقف النظام السوري وحرصه الشديد على الهدوء على حدود الجولان المحتل ومواقفه الهزلية من الانتهاكات "الإسرائيلية" كالطيران فوق قصر بشار الأسد أو تدمير مجمع الكبر.
وإذا كنا لا نشك مطلقا في المنطلقات الخيرة للدكتور الهلباوي في تصريحاته، فإننا يجب أن نؤكد على أن من العبث والهزل أن يدعي أي نظام أنه يقاوم احتلال أو يصد هيمنة القوى الخارجية فيما هو غارق حتى أذنيه في الفساد وتنتهك أجهزته حقوق المواطن الأساسية والذي يحرم من حرية التعبير أو المشاركة في الحياة السياسية إلا من خلال التطبيل والتصفيق والهتافات الفارغة.

 

إن الوضع في سورية في غاية البؤس وعلى كل الأصعدة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وإنسانيا، وهو ما يستدعى من المفكرين وأصحاب الفكر أن يتصدوا له إنقاذا لسورية ولمستقبلها ولأبنائها، المستباحة منذ أربعة عقود –والوصف للراحل سعد الدين قبيل وفاته- بكل الوسائل السياسية والإعلامية المتاحة من نظام لا يملك غير شرعية الأمر الواقع وسائله البطش والقمع وأساليبه الفساد والإفساد.