كم محرر "تعليقات" تحتاج لصناعة رأي عام؟!
4 جمادى الثانية 1431
أمير سعيد

[email protected]
ليست مهمة محرر التعليقات في أصلها مدعاة للاتهام، وعليها يقوم دور أساسي وجوهري في توسيع دائرة الحوار والنقاش والرأي حول المواد المنشورة في المواقع الإلكترونية من خلال ما يرد إليها من آراء مختلفة ومتنوعة، وهو ما يعني أن هذه المهمة خطيرة ومؤثرة ربما بأكبر ـ أحياناً ـ مما تحمله القصة الخبرية أو المقال أو غيرها من أفكار.

 

الحديث هنا بالتأكيد عن المواقع الشهيرة، وذات التأثير العالي في توجيه الرأي العام في العالم أو في حيز إقليمي أو محلي ما، لا عن تلك التي لا تتوافر على عدة تعليقات يتيمة أو تعدمها تماماً من المواقع الصغيرة والكرتونية، والمهمة الأساسية في عالم التعليقات تتعلق بالتأكيد بالسماح أو الحذف أو التعديل على التعليقات الواردة، وهي كفيلة في حد ذاتها في توجيه الرأي العام بشكل ما إذا ما أديرت على نحو تتجه إليه سياسات النشر، لكن الأخطر حينما تكسر حاجز تلك المهنة هذا الدور الملتحف بالحفاظ على الذوق العام أو القيم أو ما نحوها وتعبر إلى حيز مباشرة دور تحريري كامل لمحرر التعليقات أو لفريق محرري التعليقات.

 

وفي الغرب، تبدو هذه المهمة معروفة إلى حد ما في الأوساط الصحفية الإلكترونية، وتتطلب من القائمين بها قدراً من "المسؤولية" الوظيفية إن جاز التعبير لإخفاء هذا العبث بالعقول من القراء والزائرين، بكتمان الدور الرديف في العمل، وفي عالمنا العربي؛ فإن هذه المهمة الرديفة على حداثتها إلا أنها تحتاج لجهد أكبر في إخفائها عن الرأي العام.

 

وهناك من قد صاروا احترافيين إلى حد بعيد في توجيه الرأي العام نحو اتجاه فكري معين على نحو لا يمكن قراءته بسهولة، وقد لا يمكن لمدقق حصيف كشف هذا التلاعب بالمزاج الشعبي العام وحرفه باتجاه تريده المؤسسة الإعلامية الحاضنة أو الجهة التي تقف وراءها، لكن أيضاً ثمة ما يمكن ملاحظته في بعض كبريات المواقع العربية التي تتعاطى مع هذا الأسلوب التوجيهي الرخيص من خلال عدة سقطات تقع فيها فرقها العاملة في هذا المجال، إلى الحد الذي يمكن للمدقق أن يخرص عدد القائمين بتلك المهمة من خلال تكرار طريقة وضع فصلاتهم وتعليقاتهم وتنسيقها وغيرها، كما يمكن أيضاً ملاحظة الحرص على استهلال الأخبار بتعليقات أولية سريعة تسهم في تنبيه المعلقين الغافلين إلى نقاط يستدرجونهم إليها.
على أننا كيلا نظلم بعض المحررين المنفذين لتلك السياسات علينا أن نلاحظ أيضاً أن مهمة صياغة الرأي العام وتوجيهه أو حتى صناعته لا يقوم بها هؤلاء المحررون وحدهم، بل أيضاً تتوجه جهات أخرى لها مصالح معينة في الولوج إلى تلك الساحة.

 

أجهزة ما يهمها أن تساند جهات محددة، وأحزاب وقوى يعنيها ـ لاسيما أوقات الانتخابات والاضطرابات ـ أن تثبت أن آراء مواطنيها منحازة إليها وإلى من يمثلها، وآخرون لديهم أجندة تحمل بين صفحاتها مهمة التحريش بين الشعوب العربية أو إثارة النعرات الطائفية أو المذهبية أو الجهوية أو العرقية وما نحو ذلك. وهيئات معنية بنشر أفكار "تحررية" أو حتى "إنغلاقية" تدلي في هذه المساحة بدلوها.
قطاعات المعلقين لهم رؤاهم المختلفة لكنهم في العادة ليسوا مأجورين، وقد لا يرضيهم أن تمر أفكارهم عبر تلك الوسائل الرخيصة مهما بدت في صالحهم، إلا أنهم في النهاية يجدون أنفسهم قد أخذوا إلى غير ما يريدون وربما تغيرت آراؤهم من خلال هذه الطريقة الخفية في التوجيه.

 

أما الأثر فلا يمكننا في الحقيقة رصده بطريقة دقيقة لأنه لا توجد أي دراسة تتعلق بمدى اهتمام القراء بالتعليقات مقارنة باهتمامهم بالمادة الصحفية ذاتها، وقد لا يمكننا تصور اقتراب أي دراسة ـ إن وجدت ـ من منحنا صورة حقيقية لهذا التأثير، لكن من الممكن أن نقول إنه يبدو عاملاً لا يستهان به، ويبدو مشجعاً للتعامل معه من جهات مهمتها صياغة الرأي العام العربي وحرفه باتجاه ما تريد سياسات نستطيع أن نمدها على استقامتها لتصل إلى عواصم ربما لا نتوقعها على كل حال!!