
طالبت هيئة علماء المسلمين القادة العرب المشاركين في القمة الثانية والعشرين التي بدأت أعمالها أمس في ليبيا، بإعادة النظر في مواقفهم إزاء العراق وقواه الوطنية التي تسعى جاهدة لانتشاله من الهاوية السحيقة التي تردى إليها على مدى السنين السبع الماضية .
وقالت الهيئة في رسالة مفتوحة وجهتها إلى الملوك والرؤساء والأمراء العرب المجتمعين في القمة العربية ووصلت نسخة منها إلى موقع "المسلم": " إننا نخاطبكم باسم شعب عربي مسلم، دفع ثمنا غاليا، بسبب غياب موقف عربي لإنقاذه، أو تخفيف آلامه على الأقل، من كارثة حلت به لم يشهد العصر الحديث لها مثيلا على يد القوى التي تدعي التطور والمدنية والحرص على حقوق الإنسان.. على يد أمريكا وحلفائها، وفي القرن الحادي والعشرين، وبلا مبررات حقيقية، وخارج وأضافت الهيئة: "لقد احتل بلدنا كما تعلمون ويعلم العالم كله، ظلما وعدوانا، عمدا وعن سابق إصرار، ودمر تدميرا كاملا، وفقدنا أكثر من مليون ونصف شهيد، ولا زال الدم سائلا، وهاجر الملايين من أبناء شعبنا خارج العراق، وهجرت ملايين أخرى داخل العراق عن مناطقها، وهم يعيشون اليوم ومنذ ما يقرب من خمس سنوات في الخيام وبمناطق منعزلة، ويفتقرون لأدنى مقومات العيش الإنساني الكريم. وغدا شعبنا الأفقر في المنطقة، في بلد هو الأغنى فيها، ولم نجد منكم ولا من غيركم من يعيننا على تجاوز محنتنا، فكأن العراق ليس من الدول العربية، ولا معدودا فيها، وكأن شعبه لا يمت إليكم بصلات القربى والدم والدين".
وتابعت الهيئة: "ونذكركم أيها القادة المحترمون، بأن العراق بلد مسلم عربي عريق، ومواقفه العربية الأصيلة واضحة ومعروفة عبر التاريخ، ولم يمتن بها يوما على أحد، وأن شعبه جزء منكم، وله حق عليكم بأن تقفوا إلى جانبه في الملمات والأزمات التي يتعرض لها اليوم، وتعينوه على الخروج منها بشكل جاد وفعال بعيدا عن المعالجات الشكلية التي غالبا ما تكون في غير صالحه ولا صالحكم. بعد سبع سنوات من الاحتلال الأمريكي للعراق، لا يزال المحتلون جاثمين على أرضه، يعيثون فيه فسادا ويسومون أهله سوء العذاب، ويتحكمون بمصيره، ويقررون سياساته على الرغم من إعلانهم جدولا خادعا لانسحابهم المزعوم، مع تشديد قبضتهم عليه أكثر من أي وقت مضى، وقد استعان المحتلون ببعض من يحسبون على العراق وهم لا ينتمون إليه أصلا أو ثقافة، ولا يدينون له بالولاء، فشكلوا أكثر من عملية سياسية بنوها على أسس المحاصصة الطائفية والعرقية، كما هو معلوم، وقد أسهمت بشكل واسع في إذكاء الروح الطائفية والاقصائية التي لم يعرفها العراق والعراقيون من قبل، كما أسهمت في تأجيج الفتن التي كانت تقف وراءها الجهات السياسية المستأثرة بالحكم في ظل الاحتلال، والجهات التي لها مصلحة في تمزيق أوصال العراق وشعبه، وكادت أن تعرض العراق وشعبه إلى التمزيق والاحتراب، لولا إرادة لله سبحانه وتعالى، ثم وعي شعبنا وأصالته، اللذان حالا دون ذلك والحمد لله؛ وكان آخرها عملية الانتخابات التي جرت مؤخرا على الأسس نفسها والآليات عينها التي بنيت وفقها العمليات السابقة، مع المزيد من التزوير والهيمنة عليها من قبل أصحاب السلطة والمال والمشاريع المشبوهة، فضلا عما صاحبها من أعمال إرهاب وتخويف للناس وغير ذلك مما يشير إلى أنها لا يؤمل منها تصحيح شيء من أوضاع العراق السيئة إن لم تسهم في زيادة سوئها.
وزادت: "وإن التعويل على أية حكومة أو عملية سياسية في ظل الاحتلال خطأ فادح، فهذه الحكومات هي جزء كبير من المشكلة في العراق إذ هي أحد أهم أسباب عدم استقراره، وغياب الأمن الحقيقي فيه، ومع هذا يدعي أصحابها: أن الأمن قد تحقق في العراق، وأن الاستقرار قد استتب له، والاحتلال نفسه يغطيها في ذلك والواقع ينفي ما تدعيه، فلا يوجد أمن ولا أمان، منذ أن وطئت أقدام المحتلين وحلفاؤهم أرض العراق، إذ لازالت حدود العراق مشرعة لكل من يريد دخوله، من عصابات الشر والإجرام التي تعيث في أرضه خرابا وفسادا، فضلا عن ما تقوم به الحكومة الحالية من إرهاب وقتل واختطاف واعتقال لكل من تعتقد أنهم يخالفونها في الرأي أو التوجه، ومن كل الفئات والتوجهات، والتهمة للجميع هي الإرهاب المزعوم، وذلك بواسطة أجهزتها الأمنية والمخابراتية التي بنتها من حزب واحد تقريبا، وهي عبارة عن ميليشيات رسمية بديلة للميليشيات الحزبية السابقة التي قامت بالتصفيات الطائفية العلنية في سنة (2006) وما بعدها، فالأخيرة تقوم بنفس ما كانت تقوم به سابقتها، تقتل من تشاء وتخيف من تشاء، وتقتل بالعشرات يوميا من تريد، ولكن هذه المرة تحت غطاء الأجهزة الأمنية لهذه الحكومات، وبصفة رسمية. حيث تضاعف عدد القتلى والمختطفين من أبناء شعبنا في عهد هذه الحكومة إلى ضعفي أعدادهم في العهود التي سبقتها، كما تضاعفت أعداد المعتقلين؛ إذ تقول كثير من التقارير والمعلومات التي تردنا تباعا، ومنها ما هو موثقٌ صورة وصوتا: إن عدد من اعتقلوا ودخلوا سجون الحكومة الحالية المعلنة والسرية بلغ مئات الآلاف مابين معتقل وسجين عراقي على مدى السنوات الأربع الماضية من عمرها، ولم يخرج منهم من سجونها إلا النزر اليسير وهم يذوقون أعتى أنواع التعذيب، والتهديد بالقتل، والاغتصاب والتجويع وغير ذلك من الأعمال والممارسات الوحشية. وما زالت هذه الأعمال مستمرة بعد الانتخابات الأخيرة حيث تقوم أجهزة الحكومة العسكرية والأمنية حتى اللحظة بحملات الاعتقال والاغتيال والتهديد لأبناء شعبنا من كل مكوناته وفئاته الشعبية والسياسية، مما يدل على أنها تضمر شرا للعراق وأهله".
واختتمت الهيئة رسالتها قائلة: "إن الشعب العراقي الذي جرب حكومات الاحتلال وسئم من أدائها وأداء المشاركين فيها وعبر عن ذلك مرارا وتكرارا من خلال المناسبات والأحداث المؤلمة التي مرت بالعراق وتمر به يوميا، ومن خلال وسائل الإعلام المتعددة؛ يتطلع إليكم أيها القادة العرب في مؤتمركم هذا وبعد سبع سنين من ترككم له وحيدا يواجه الأهوال والمصاعب التي ألمت به بفعل الاحتلال وحلفائه والمتدخلين في شؤونه من أعدائه والطامعين فيه؛ أن تعيدوا النظر في مواقفكم منه ومن قواه الوطنية التي تمثل ـ اليوم ـ الغالبية العظمى من أبنائه بكل فئاتهم ومكوناتهم التي تسعى لانتشاله من الهاوية السحيقة التي تردى إليها على مدى السنين السبع الماضية بعد أن بانت لكم ولغيركم نوايا الاحتلال، وتوجهات حلفائه ونواياهم، وأن تقفوا إلى جانبه كما وقف دائما إلى جانب الكثير منكم في الملمات، ولا تتركوه فريسة لأعدائه وأعداء أمته، قبل أن يفوت الأوان وقبل أن يقول التاريخ قولته".