
أرسلت جبهة علماء الأزهر رسالة للملوك والرؤساء العرب قبل انعقاد القمة العربية في ليبيا يومي السبت والأحد القادمين, دعتهم فيها لنصرة المسجد الأقصى الذي يتعرض لحملة تهويد صهيونية شرسة في الفترة الأخيرة.
وقالت الجبهة في رسالتها التي وصل موقع المسلم نسخة منها: "المسجد الأقصى شرف الأمة وعنوان كرامتها فإياكم أن تخدعوا عنه وتسلموه مرة ثانية لمكر سادة اليهود ولليهود وكيدهم، وتقعوا فيما وقع فيه من سبقكم في الانخداع بوعود سادة اليهود وأزلامهم".
وأضافت: "لقد كانت أعظم غلطة ارتكبها الإنجليز ثم وريثتها وحلفائها من بعد في قضية فلسطين هو اعتمادهم على الوقت في تخدير أعصاب العرب، ظانين أن أصحاب البلاد وإخوانهم عن قريب سيأنسون بالنظم الجديدة حولها والنظام الجديد فيها، ولكن الأيام برهنت على أن الوقت – والحمد لله – كان للعرب والمسلمين هو من بواعث الإيقاظ لا من بواعث التخدير –على رغم ما منُوا به من غدر الغادرين وخيانة الخائنين الذي خُدعوا بهم طويلا ؛وكانوا يسبحون بحمدهم لأجلها بكرة وأصيلا-، فالمسجد الأقصى الآن والحمد لله يزداد بأهله المستضعفين المجاهدين مع الزمن قوة واستبسالا، واستماتة على رغم قسوة الحصار وغلظة قلوب المحاصرين،وإن حقه وحق الفلسطينيين ينجلي وتألق ويتضح كل يوم ويبرق نورا ساطعا عن الذي قبله، فالوقت سائر مع المجاهدين والمسلمين لمصلحته ومصلحتهم رغم ما يلقى المسجد الأقصى وأهله من غفلة وتغافل من الأنظمة يكتمل بها حلقة المكر التي أعدت للإجهاز على حرمته وعنق العرب والمسلمين فإنه على ذلك وأهله معه يكسبون كل يوم أنصارا ،ويوقظون نياما، ويحيى الله بثباتهم أفئدة قوم كانوا من الهالكين".
وتابعت الجبهة في رسالتها": "إن المسجد الأقصى الأسير ليس له في أمجاد العربية والإسلام شيئا مجهولا يُعوزه التقديم والتعريف، فقد أنشأه الله كالمسجدين حرماً آمنا مطمئنا، فحُرْمتُه من حرمتهما، ثم بارك حوله، وأقرَّ فيه الصخرة المشرفة التي زاحمتها على الأفئدة البرامج الهابطة، والسياسات الماكرة، إليه أسرى الله بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم حيث عُرِج به إلى السماوات العلى، فهوت إليه قلوب الذاكرين كما تهوى إلى لاحقيه، وشُدَّت إليه الرحال، ثم جاء الأنجاس المناكيس ليحولوا بينه وبين حقه في ذلك كله، وبذلوا وسادتهم الوعود والأماني التي ثبت بعد ذلك أنه كاذبة، ومع هذا سكتنا على حقه وأسلمتموه على ما أراده له اليهود وأشياعهم، ثم خذلته السياسات الماكره واختذلت حقه في رعاية حرمته إلى الضعفاء والمستضعفين من ساكني أرضه دون غيرهم من جماهير المسلمين الذين شغلوا بدنياهم الرخيصة وهمومهم الذليلة والله من وراء الجميع محيط".
وزادت الجبهة: "لقد عاصر هذا الحرم المقدس الأجيال والأقيال، فأقاموا فيه أحقابا من الزمن وألفوه يجتذب المؤمنين والمعتمرين ، ومعلما من معالم مفاخر الهداية والدين، لا يتطاول إليه باغ، ولا يجسر عليه سفاك أو جبار" .
وقالت الجبهة موجهة خطابها للملوك والرؤساء العرب: "هكذا كان حاله على مر التاريخ حتى رمانا القدر بملاعين الصليبيين وقادتهم من الإنجليز حين أقامت السلطة البريطانية في شهر إبريل عام 1937م صفر 1357هـ قوة مسلحة في بعض غرف المسجد الأقصى تطل بأسلحتها وجبروتها على بيت الله الآمن، وتقف في نجوى العبد بين يدي ربه، فما يفرغ الناس من الصلاة إلا وترى هذه الجماعة من جنود الإنجليز- الذين تواروا الآن عن أنظار الناظرين وأقلام الدارسين - فاشية في ساحات الحرم وأروقته تمسك عليهم بقية حمدهم ودعائهم ، فتفسد عليهم طمأنينة الخشوع وهدوء الخضوع تمهيدا لهذا اليوم الذي تهدد أركانه أبناء القردة والخنازير". وقبل هذه الضلالة البريطانية لم يكن لأحدٍ أن يطأ حرم المسجد الأقصى إلا وقد وضع سلاحه؛ وتجرَّد من كل مظاهر القوة حتى يمثل ضعيفا في بيت الكبير المتعال، بل إن أمراء الجيوش من العرب والأعاجم في جميع أدوار التاريخ كانت تبتهج نفوسهم أن يزوروا الصخرة المشرفة وقد نكسوا رءوسهم في باحاتها، وتركوا خلفهم حرسهم وحاشيتهم ينتظرون على المعابر والأبواب.
وأشارت الجبهة في رسالتها إلى أن "الإنجليز الذين يحبون أن يعرف الناس فيهم الديمقراطية والتدين والبعد عن إثارة الشعور الديني واجتناب العبث بالأماكن المقدسة قد حاولوا غير مرة أن يشوهوا جلال المسجد الأقصى فاعتزموا قبل اليهود إنشاء مخفر عسكري في جواره فلم ينبثق مطلع شهر إبريل عام 1937م صفر 1357هـ إلا والمسجد الأقصى يشهد لأول مرة في التاريخ كتيبة من الجند الإنجليز تستبيح حماه؛ وتنتهك حصانته، تصول في ساحاته وتجول، فيختلط صليل السلاح بصوت الآذان ،وتطغى الرطانة الإنجليزية فيه على التهليل والتكبير".
وأضافت: "ولم يكن هذا العدوان من جانب السلطات البريطانية على أولى القبلتين وثالث الحرمين انتهاكا للحرمات الدينية فحسب ،ولكنها كانت شرارة النار تلقيها أيدي السياسة الإنجليزية في هذا البيت المقدس وفاتحة الشر للعالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها، فلحق بها والحمد لله عارُ إهراق الدماء التي تجنبت الدماء منذ الدهر الأقدم فلم يجرح فيه طير، ولم يطلب عنده ثأر ، ومع هذا غفلنا بكثرة المواجع عن مباديها وآليها الحقيقيين ، نقبل وصاياهم، وننفذ في الأمة خطاياهم بعد ما عاثوا وفعلوا في أشرف الديار، وأطهر البقاع بعد المسجدين".
وختمت الجبهة رسالتها قائلة: "أذكروا أيها القادة في يومكم هذا ما كان من هؤلاء لتكونوا على بينة من خارطة الطريق،واذكروا شهداء الأقصى الذين لا يزالون يُقتلون وهم في مزارعهم وبين أحضان أطفاله بالدم البارد، واعلموا أن هذا المصير ورب الكعبة هو ما يتمناه اليهود لكم ولعروشكم من صميم أفئدتهم ؛ وهم على الدوام كما قال الله تعالى فيهم ( إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) (الممتحنة:2) . اذكروا أيها السادة والقادة شهداء الأقصى وبقية فلسطين الذين عُلقوا ولا يزالون يعلقون بالعشرات على أعواد المشانق وبينهم الشيخ الذي بلغ الثمانين والمرأة التي انتزعت من أحضان رضيعها. اذكروا حرمات الدين المقدسة التي انتهكت شر انتهاك بعد أن ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال إلى أملاك اليهود ولم تر الأمة منكم حتى اليوم ما يشفي غليلها أو يهدئ من روعاتها. أذكروا إخوانكم أعضاء المجلس التشريعي الذين اعتقلوا من المجالس النيابة وأرسلوا إلى السجون كالمجرمين، ولا زالت بقية مجالسكم النيابية ملازمة لرذيلة الصمت تنتظر على أيدي اليهود مثل مصير إخوانهم في البرلمان الفلسطيني الذي تحالفت عليه السلطة مع المستعمر . أذكروا الآلاف من أبنائكم وإخوانكم المعتقلين المكبلين بالحديد يعانون ذل الأسر ويستعذبون رنين القيود ، ولم يصلهم حتى اليوم عنكم نكير معتبر أو صراخ يشفع لكم أمام التاريخ قبل أن تلقوا الله عز وجل – وهو يوم آت قريب- اذكروا أيها القادة الآلاف من المجاهدين الذين هجروا بيوتهم وعائلاتهم خفافا وثقالا يذودون عن شرف الإسلام الرفيع في الأقصى دونكم بالدم النجيع ، ويدفعون عن الدين والوطن الدنايا بأكرم المنايا.، ويحرسون المسجد الأقصى المبارك والأماكن الإسلامية المقدسة بدمائهم؛وأرواحهم التي بذلوها رخيصة في سبيل المحافظة على بقائها إسلامية عربية على رجاء أن يدكهم منكم يد حاني؛ أو لقمة سائغة وحتى اليوم لا هذا ولا ذاك..اذكروا أيها القادةُ النساءَ يعتدي عليهم المجرمون في خدورهن، ويسلب أبناؤهن الرضع من على صدورهن ويقاد عددا منهن إلى ظلمات السجون دون أن يقام لكم حساب،أو يقدر لكم اعتبار. اذكروا أيها القادة هذا وغيره، كي تُعقبوه هذه المرة بعمل نافع يصد الأذى ويوقف المعتدي المتوغل عند أدنى الحدود فما قيمة الأنَّاتِ التي يُصَعِّدُها المسلمون بكرة وعشيا إذا لم يلقوا منكم طريقة يتبعونها لتخفيف الويلات عن البلاد المقدسة، وشد أزر سكانها المسلمين وحماتها المجاهدين المستضعفين الذين يدفعون عن شرفكم وشرف الأمة فيما يدافعون. واعلموا أيها القادة أنه كما كانت حربُ الصائفةِ بين العرب والروم سُنَّةًً دائمة من سُنن التاريخ، توارثها خلفاء بني أمية عن الخلفاء الراشدين كل خليفة عن سلفه،ثم توارثها عنهم خلفاء بني العباس كل خليفة عن الذي قبله؛ فإن مقاومة جريمة تهويد فلسطين قد توارثها والحمد لله أهل فلسطين الأطفال عن آبائهم الأبطال، وهم الذين سيجعلون مصير اليهود كمصيرهم في ألمانيا والنمسا عن قريب سواء بسواء إن لم يكن شرًّا من ذلك المصير. فلن يكون العرب أقل اعتزازا بعروبتهم من الألمان بقوميتهم، ولن يكون البحر العربي المتوسط الذي جاء إليه اليهود ليغسلوا قاذوراتهم في لججه أضعف من البحر الألماني في نفي الخبث، وإن من يعتقد ذلك يجهل حقيقة العرب ولا يعرف التاريخ، ثم هو يعتقد باطلا، ويخدع نفسه،ويتورط فيما لا طائل تحته؛ ولا نتيجة له غير الخسران المبين؛ ولعنة الله والملائكة والناس أجمعين". (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر:44).