باحث فرنسي يفضح إعلام الصهاينة بمنهجية علمية وأدوات موضوعية.. الكتاب يتحدى الصهيونية في معقلها الأوربي الأكبر!!
6 ربيع الثاني 1431
ياسمينة صالح

لم  يصدر في المدة الأخيرة كتاب أوروبي يفضح الصهيونية اليهودية كما فعل كتاب "الحرب الإعلامية الإسرائيلية الجديدة" للباحث الفرنسي "دونيس سيفير" الصادر مؤخرا عن منشورات "لاديكوفرت" الفرنسية.

ولأن الكاتب تعاطى بالخصوص مع الحرب الإسرائيلية ضد غزة، وكيف أن الصهاينة حاولوا تقديمها كالعادة في صورة حرب دفاعية عن النفس، وكيف أن المجتمع الغربي (كشعوب) انتفض لأول مرة بتأثير الصور الحقيقية التي استطاعت الوصول إلى الرأي العام الدولي عن بشاعة التقتيل الذي مارسه الصهاينة ضد أطفال ونساء غزة، نقول لأن الكاتب تعاطى مع الحقائق، بدا كتابه كشعلة ضمير وإن جاءت متأخرة، خاصة أن الكتاب أصبح سريعاً ضمن الكتب الأكثر مبيعا في فرنسا على الرغم من محاولة التشويه التي تعرض لها إعلاميا بقيادة اللوبي اليهودي في فرنسا الذي يحتل كبريات العناوين الإعلامية في الجمهورية الفرنسية (9 قنوات فضائية و22 عنواناً صحفياً بين صحافة الكترونية وصحافة ورقية).

 

الحرب القذرة تبدأ إعلاميا!

يصف الكتاب الذي جاء في 153 صفحة من الحجم المتوسط  الطرق التي يتخذها جنرالات الحرب في الكيان الصهيوني باعتمادهم على جملة من المؤسسات التي تبدأ بالإعلام خصوصا، " ففي الحرب يجب أن يكون ثمة إعلام كامل يؤدي ذات الدور الذي تؤديه البندقية، والطائرة النفاثة، والقنابل التي سوف تسقط آليا على الضحايا، لأن الحرب سوف تكون مخططا مدروسا يجب التحكم من خلاله، والذي يرتبط فيما بعد بالعامل النفسي للإسرائيليين، ومن ثمة المجتمع الدولي الذي لا يجب أن يرى الحرب كما هي حقيقة، بل كما يبثها له الإعلام الصهيوني فقط، أي حربا نظيفة لا يموت فيها سوى" الإرهابيين"! بيد أن الصورة هنا يجب أن تؤدي الدور جيدا، ولا مجال للخطأ!" يتابع الكتاب  وصف العملية المشهدية التي يقوم عليها جهاز الحرب، والذي يبدأ في بث حلقات تلفزيونية تستضيف شخصيات عسكرية وإعلامية وحتى رياضية أو عامة للحديث عن "الحق الإسرائيلي" وعن "الآخر" الذي غالبا ما يتم وصفه بالعربي الإرهابي. في تلك الندوات المكوكية يدافع الضيوف ـ مهما اختلفت منابرهم الفكرية ـ عن نفس الأمر، عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ويتم الحديث عن الجيش الإسرائيلي المتدرب " على الحروب النظيفة" والذي لا يخطئ في عمله، بحيث أن أغلب الذين يسقطون في طريقه هم من الإرهابيين!!  وفي ذات الوقت، بشكل الصدفة المفتعلة، يتم اكتشاف نفس الندوات في دول أخرى مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وألمانيا، ندوات تحمل طابعا "حواريا" ولكنها تستخدم المصطلحات نفسها التي تصف الآخر بالإرهابي، وتصف دولة العدو بأنها "دولة ديمقراطية" وسط مجموعة من الدول العربية الشمولية غير الديمقراطية!! والحال أنه في تلك الحرب الإعلامية الجديدة يوجد العامل النفسي الذي يجب أن يكون مكملاً  للصورة، إذ يجب وضع الصورة النمطية ذاتها عن العربي البائس العابس، الذي لا يستحق الحياة، أو عن المسلم المتعصب الذي يتمنى قتل أي شخص دون سبب، ليكون ثمة سبب لشن الحرب على العربي البائس وعلى المسلم المتعصب، لكن الصورة هذه لا بد أن تثير الرعب في النهاية، فاليهود كما يصفهم الباحث الفرنسي الآخر "جيروم دو كيل" يخافون من الموت كثيرا، إذا سمعوا انفجار عجلة مطاطية في شارع ما، يرتمون على الأرض! يفكرون في أنها عملية انتقامية من فدائي عربي، وبعضهم يسأل نفسه: لماذا أنا هنا؟ والحال أن ذلك السؤال  يظل حاضرا في الكتاب الذي  نعرضه، إذ أن اليهودي الذي يشعر بالخوف الدائم من الانتقام يعي جيدا أنه سرق شيئا ليس له، يعي أن الأرض التي يتمتع بخيراتها ليست له، وأن البيوت التي يحصل عليها على حساب الفلسطينيين ليست بيته، لأنه بمجرد انفجار الوضع يفكر بالهرب من البلد، ويظل يسأل نفسه: ماذا أفعل هنا؟ بينما الفلسطيني لا يراوده هذا الشعور، بل هو يريد الموت هنا لأنها أرضه، ولأنها قناعته  بأنه يجب أن يموت في أرضه وهنا يأتي "مخرجو" الحرب لجعل التفاصيل مغايرة للحقيقة برمي الخوف والخزي على العربي الفلسطيني! لقد بدأت الإبادة الصهيونية على غزة وفق تلك الصورة، والتي جعلت اليهود يصدقون كذبة "الرعب العربي" من الصهاينة، وأنه في ظرف أيام فقط يتم القضاء على المقاومة، ويتم تسليم مقرها إلى الرئيس الفلسطيني ليعلن بدوره عن "قيام المزرعة الفلسطينية" التي وعده شارون بها قبل أن تصيبه المقاومة الفلسطينية بالشلل التام!

 

الإعلام الصهيوني واللوبي اليهودي:

يتناول الكتاب الجانب الدقيق من الآلة الإعلامية الصهيونية التي لم تعد تشتغل بمنأى من الإعلام الغربي، وبما في ذلك الإعلام العربي (الرسمي أحيانا) في تشويه الحقائق، فالحروب التي خاضتها إسرائيل ضد المدنيين في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة كانت في الأول والأخير حروبا إعلامية حتى استطاع الصهاينة أن يتنصلوا من القانون الدولي الذي يدينهم كمجرمي حرب. فكيف حدث هذا؟ يقول الكتاب إن إسرائيل تعتمد على أحسن الخبراء العسكريين في عملية الشرعنة لأي حرب، فهي لا تدخل الحرب لأجل الحرب، بل تدخل الحرب لأجل الأذى، فأهم ما تحاول صناعته داخل الحرب هو تدمير البنية التحتية، مع تدمير كامل للجانب النفسي لدى المواطن الذي تدور على أرضه تلك الحرب، فهي تضرب المخيلة البشرية في الأساس بحيث أن اتساع البشاعة داخل الحرب يعني قتل الجانب المعنوي/النفسي للمواطن الذي سوف يرفض الحرب ثانية، وسوف يضغط على سلطته كي ترفض الحرب أيضا، وهذا يعني خيار الاستسلام الأسهل داخل الحرب التي ظلت تمارسها إسرائيل ضد الدول العربية منذ الستينيات من القرن الماضي التي تشهد عليها مجازر رهيبة في صبرا وشاتيلا، والقصف الذي تعرض له المدنيون في "قانا" والمجزرة التي ارتكبها الصهاينة في جنين سنة 2003م، والحال أن غزة ليست الأخيرة. كل تلك المجازر ارتكبت على أساس ضرب المخيلة الإنسانية للمواطن، وترهيبه بحيث تصبح فكرة " الحرب" مروّعة ومخيبة ومرفوضة بالنسبة إليه، ولأجل هذه العملية تستعين إسرائيل بإعلامها الداخلي، وتستعين بموازاة ذلك بالإعلام الغربي وبالخصوص الإعلام الأمريكي الذي غالبا ما يجد المبررات للصهاينة بأنهم "يدافعون عن أنفسهم من الإرهابيين" وطبعا في السنوات الأخيرة صار ثمة إعلام رسمي موالٍ لكثير من النظم العربية الحاكمة يؤيد فكرة " المؤامرة" التي صنعتها إسرائيل، بحيث صار الإعلام العربي الموالي للنظام الحاكم في دول كثيرة يساند الضربة العسكرية على الفلسطينيين كما حدث في المجزرة الأخيرة ضد قطاع غزة، بحيث وجد الصهاينة أنفسهم أمام مرحلة جديدة من الإعلام العربي الذي صمت عن المجازر، أو أيّدها بشكل غير مباشر، أو انتقدها باحتشام، باستثناء الدور الكبير الذي قامت به قناة الجزيرة القطرية بفضحها للبشاعة الصهيونية وبثها للصور التي حركت الرأي العام الدولي وجعلته يخرج كشعوب إلى الشارع للتعبير عن تقززه من الجرائم الإسرائيلية: (مليون شخص خرجوا في اسبانيا ونصف مليون شخص خرجوا في فرنسا، وأكثر من 300 ألف شخص خرجوا في إيطاليا وبريطانيا والسويد وأمريكا). إنها الصورة الجديدة التي اصطدم بها صناع الموت في إسرائيل، الصورة التي جاءت كالكارثة بالنسبة إليهم، فالحرب التي أرادوها دقيقة على كل الأصعدة تحولت إلى كابوس بكل معنى الكلمة، بحيث عجز الإعلام المتواطئ  عن تبرير الحرب، وتبرير قتل الأطفال والنساء بتلك الطريقة، مثلما عجز عن تبرير استعمال القنابل الفسفورية ضد شعب أعزل على مرأى من العالم كله! لقد سقطت إسرائيل في شر أعمالها!

 

الإعلام الحديث بين شطري الحقيقة والكذب!

يقول الكتاب إن الدولة الصهيونية خسرت حرب الصورة بشكل كبير وقاطع، حتى الإعلام الغربي المدعم باللوبي الصهيوني عجز عن تلميع صورة الصهاينة، فما كانت تعتمد عليه إسرائيل في السابق (الغش والتزوير والكذب وتقديم الصورة الخاطئة) لم يعد ممكنا في وقتنا الراهن، وأصبح ثمة بدائل بسيطة يعتمد عليها البسطاء لنشر صورة البشاعة منها الجوال، حيث كشفت التقارير الدولية أن 120 فيديو، منها 55 صورة هزت الرأي العام الدولي التقطت بالجوال من قبل مواطنين فلسطينيين في غزة، أو من قبل أفراد من المنظمات الدولية التي زارت القطاع بعد الحرب، وأن تلك الصور تم طرحها بشكل آلي عبر مواقع الكترونية أوربية ساهمت في فضح الكذب الإسرائيلي الذي زعم أنه قام ب"حرب نظيفة" في القطاع .

 

فطوال الأيام الأولى، كانت إسرائيل تبث صور الدخان فقط على مناطق كانت تشير إليها بأنها "مناطق الإرهابيين"، ولم يكن ثمة جثث ولا دم، ولا ضحايا!! تلك هي الصور التي بثتها طوال 48 ساعة متتالية القنوات الفضائية الأمريكية لإيهام الرأي العام الأمريكي أن إسرائيل "ديمقراطية" وليست "إرهابية"! وطبعا بثتها في ذات الوقت العديد من التلفزيونات الأوربية التي ظلت تتفرج على "الحرب النظيفة" قبل أن تخرج إلى العالم صورة الحرب الحقيقية في جثث الأطفال. يقول الكاتب إن صورة طفلة في الثامنة من العمر مدفون نصفها في الأرض، لا يظهر سوى رأسها لم تهز الرأي العام العربي بقدر ما هزت الرأي العام الغربي، تلك الطفلة ساهمت في خروج الآلاف من الإسبان ومن الفرنسيين حيث قال أحد المواطنين الإسبان ردا على سؤال صحفي من التلفزيون الإسباني إنه عاد لتوه من العمل، وحين رأى في التلفزيون صورة  تلك الطفلة الصغيرة  شعر بالثورة تعتريه، وبمجرد أن عرف أن مظاهرة بدأت غرب مدريد  ركب سيارته والتحق بهم، مضيفا: هذا العار يجب أن يوجد من يوقفه!." لقد أظهرت الوسائل البسيطة التي تملكها الضحية أنها أكبر وأخطر من إمبراطوريات إعلامية لدى الغرب، فصورة المجزرة حين يتم نشرها في اليوتيوب، تهز أكثر من 10 ملايين مشترك في الموقع، ناهيك عن أن أغلب مستخدمي اليوتيوب من الشباب، وهذا يعني أن ردة فعل الغاضبة ستكون أكبر وأعمق..

 

إن كتاب "الحرب الإعلامية الإسرائيلية الجديدة" يثير الكثير من النقاط حول الدور الخبيث للإعلام الصهيوني، وكيف أنه يعتمد على مبدأ "اكذب حتى يصدقوك" والذي بكل أسف (كما يقول الكاتب) انحازت إليه دوائر إعلامية غربية كثيرة صدقت الخبث الصهيوني القائل إنه يدافع عن نفسه من "الإرهاب" والذي أيدته في حربه تلك كل الوسائل الإعلامية وغير الإعلامية الأمريكية التي بدورها تخوض نفس اللعبة القذرة في كل من العراق وأفغانستان، فقد أصبح الإعلام الجديد يدافع عن المجرمين على حساب الضحايا متناسيا أن صورة الضحايا أخطر وأكبر.