التصريح- التهديد الإيراني الأخطر
17 ربيع الأول 1431
طلعت رميح

أطلق قادة سياسيون وعسكريون وبرلمانيون وإعلاميون إيرانيون آلاف التصريحات المهددة لدول المحيط العربي من جهة، والكيان الصهيوني للتغطية على الأولى من جهة أخرى، كما خص بعضها الولايات المتحدة، ووصل الأمر في بعض التصريحات لتهديد الحلفاء تلميحا مثل روسيا والصين، بما يشير إلى أن لغة التهديد هى إحدى أدوات السياسة الإيرانية، غير أن التصريح أو التهديد الأخير الذي أطلقه نائب قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي حول امدادات النفط لأوروبا تظل هي التهديدات الأخطر في مضمونها الاستراتيجى كليا.

 

سلامي هدد بتخفيض إمداد بلاده لأوروبا بالطاقة. لكنه أضاف – وفق ما نقلت وكالة "فارس" الإيرانية - أن إيران لديها نصف الاحتياطي العالمي من الطاقة، وواصل قائلا "إذا ما أرادت طهران فإن أوروبا ستمضي الشتاء في البرد، مضيفا أن الصواريخ الإيرانية قادرة على استهداف أي بقعة يوجد بها المتآمرون".

 

وإذا دققنا النظر فى التصريح نلحظ أنه مكون من ثلاثة مقاطع ويطرح ثلاثة أمور :

الأول: أن التهديد حدد أوروبا بالاسم.
والثاني: أنه تحدث عن أن طهران لديها نصف الاحتياطي العالمي من الطاقة.
والثالث: هو الإشارة إلى أن الصواريخ الإيرانية قادرة على استهداف أي بقعة؛ فلذا نرى أن التصريح واحد من أهم التصريحات دلالة بل وأخطرها أيضا، برغم أنه تصريح مختصر، بل ربما يبدو للوهلة الأولى واحدا من التصريحات التى اعتدنا سماعها من المسئولين الإيرانيين خاصة قيادات الحرس الثوري.

 

التهديد لأوروبا
التهديد يحدد أوروبا، وفى ذلك تبدو الاستراتيجية الإيرانية في حالة استهداف إحداث ضغط على أوروبا، لإضعاف معارضتها لامتداد النفوذ الإيراني في منطقة المحيط ولتقليل معارضتها للطفرة الحاصلة في البرنامج النووي الإيراني خاصة بعد مواقفها المؤيدة لما جاء فى التقرير الاخير للوكالة الذرية للطاقة الذي ألمح إلى طابع عسكري لبعض جوانب البرنامج الإيراني..الخ .

 

والتصريح هو نمط من محاولة استثمار ظرف التساقط الكثيف للثلوج في أوروبا الذي يولد حاجة الشديدة للطاقة، للتأثير على مواقف الرأي العام الأوروبي ..الخ . ويمكن قراءة هذا التلويح من زاوية أخرى، بأن إيران تشير إلى أنها تقدم لأوروبا ما هي بحاجة اليه وأنها لم تستثمر ظروف الجو السىء وحالة الحاجة الشديدة للطاقة في أوروبا لتفعل ما تهدد به، لحفز الموقف الأوروبي للتفاوض مع إيران.

 

لكن التصريح بالمقابل، إذ يحدد أوروبا بالتهديد فهو يستثنى دولا أخرى من التهديد، وأهمها اليابان والصين، بما يشير إلى رؤية استراتيجية محددة عند من أطلق التصريح، سواء كان القصد طمانة تلك الدول الى استمرار تدفق النفط الإيراني لها، أم كان القصد بان إيران تملك أوراقا لمكافأة وعقاب (تهديد مبطن) من يقف أو لا يقف معها.

 

وفى ذلك تبدو الدلالة الثالثة، أن التصريح لم يشر إلى الولايات المتحدة بأي إشارة مباشرة أو غير مباشرة فى هذا الجزء من التصريح. وهو ما يلق بإشارة ضوء على اتجاه إيراني متصاعد – ويجب أن لا يفاجأ أحد بذلك – للسير على قنطرة للتواصل مع الولايات المتحدة، من خلال الضغط على أوروبا، إذ المتابع للتطور في الاستراتيجية الإيرانية يجد محاولة دائمة للتقدم ما بعد وصول اوباما للحكم وبالارتباط مع تطور مدى الصواريخ الإيرانية، باتجاه الولايات المتحدة وطلب الحوار المباشر معها مع تقليل الاتصالات مع أوروبا – التي كانت من قبل هى جهة التواصل بين إيران وأمريكا علنيا، إذ كانت ترفض إدارة بوش التواصل العلني مع إيران- التي تتحول الآن لتصبح فى حالة الخوف من إيران أكثر من الولايات المتحدة، التي يمثل التطور والضغط العسكري الإيراني حالة بعيدة عن التأثير فى أمنها القومى والاستراتيجى على عكس أوروبا كليا .والمعنى هنا اننا امام تصريح كاشف لجوانب مهمة من الخطط والسياسات الإيرانية في اللحظة الراهنة تجاه مختلف الأطراف.

 

السيطرة على الطاقة
فى الجزء الثاني من التصريح وجدنا نائب الحرس الثوري يتحدث عن أن إيران لديها نصف الطاقة فى العالم. فماذا يقصد؟. بالطبع فالمعروف أن نسبة "ثروة" إيران أو نصيبها في الطاقة العالمية هي أقل حتى من دول عربية، فضلا عن ان النفط موجود فى العراق والسعودية والجزائر والسودان ونيجريا وروسيا بنسب كبيرة (لا نريد إغراق القارئ الكريم بالأرقام)، وان كل التقارير الدولية عن الطاقة لم تضع إيران حتى فى مقدمة الدول التى تملك الثروات من الطاقة، وهو ما يعنى ان مقصد مطلق التصريح لم يكن مكرسا للحديث عن النفط او الطاقة الموجودة فى إيران او ضمن حدودها الجغرافية .

 

ربما هو يقصد أن السيطرة الإيرانية على نصف الطاقة فى العالم، لا تتعلق فقط بالطاقة على الارض الإيرانية بل كذلك بالطاقة على الأراضي العراقية وغيرها من دول الخليج مثلا. وربما قصد الإشارة بتعزيز على فكرة السيطرة على الخليج العربي، من زاوية القدرة على منع تصدير النفط العربي، وبذلك فإن وجود النفط فى اباره لا يعنى شيئا طالما لا يصدر، وهو ما يتوافق مع تصريحات وتهديدات إيرانية سابقة بمنع تصدير النفط من الخليج العربي، وكذا هو ما يتعزز بالقصص الواردة فى مثل هذا النمط من تصريحات إيرانية سابقة تحدثت عن نشر الصواريخ البحرية وتطوير ونشر قدرات القطع البحرية الإيرانية فى الخليج العربي لمنع المرور كليا من مضيق هرمز .وربما هو يلمح الى القدرة على تخريب المنشات النفطية فى الدول الاخرى، ولم لا وهو فى موقع نائب الحرس الثورى تحديدا ..الخ .

 

ويمكن القول بالمقابل ان المسئول الإيراني، قصد رفع "سعر" إيران فى المساومة والتفاوض الجارى مع الولايات المتحدة ؟.الا يمكن القول بان هذا المسئول قصد القول، اننا نستطيع شل تدفق نصف الطاقة فى العالم، وان على من يفاوضنا ان يضع فى حساباته ان مطالبنا فى الاقليم (العربي) تتعلق بالقدرة على السيطرة على تدفق كل هذه الطاقة ؟
لكن لم نذهب بعيدا فى التحليلات ولا نرى ان المسئول الإيراني تحدث هو نفسه فى ذات التصريح عن القدرات الصاروخية الإيرانية ؟!.

 

الصواريخ والبترول
يبدو الأمر واضحا فى رؤية دلالات ما ورد فى التصريح إذا راجعنا ما ورد فى الجزء الثالث من التصريح، إذ المسئول الإيراني تحدث عن القدرة الصاروخية القادرة على الوصول إلى أي بقعه يقبع فيها المتآمرون. وبغض النظر عن ورود لفظ ومسمى المتآمرين في آخر الفقرة، فهو لفظ ذو دلالة هامة هنا، فى ظل الحملة الإيرانية المتصاعدة من وسائل اعلامها ومن عملائها فى العراق ضد دول الخليج العربية .بطبيعة الحال فالصواريخ الإيرانية لا تستطيع الوصول مؤكدا الا الى الدول العربية الاقرب الى إيران جغرافيا، ومن ثم فان المقصود بوضوح هو ان الصواريخ الإيرانية هى وسيلة السيطرة على النفط العربي وهى قادرة على قصف المنشات النفطية، ومنع تدفق النفط الى الخارج، بما يعنى حكما بموت الاقتصادات الخليجية تحت زعم مواجهة الغرب .

 

هنا تنتقل التهديدات بوضوح نقلة ابعد مما كان يجرى سابقا من تهديد طرق مرور النفط، اذ الحديث هنا يحوى تلميحا يقترب من درجة التصريح بقصف منشات النفط لا طرق التصدير فقط. هنا يخطو الحرس الثوري فى التهديادات خطوة هي الأخطر من كل التصريحات السابقة، إذ التصريحات تقول، ان نفوذ إيران يبدا من حدودها وحتى اخر نقطة تصل اليها صواريخها، وهنا يجرى الانتقال لاستخدام سلاح تهديد الغرب بالنفط العربي –لا الإيراني-فى مقابل الحصول على مكاسب فى ادارة الاقليم وعلى صعيد تطور البرنامج النووى الإيراني، وبما يفتح الطريق من بعد –مع امتلاك السلاح الذرى –لحديث من نوع اخر يعتمد لغة فرض الهيمنة الكاملة على منطقة الخليج، من خلال التهديد بانهاء صلاحية ابار النفط حين قصفها بالأسلحة الذرية ..الخ .

 

واذا شئنا التوضيح اكثر لهذا النمط من الهجوم الإيراني وباستهدافه الدول العربية لا غيرها، فلنراجع تصريحات او تحذيرات وزير النقل الإيراني حميد بهبهاني من أن بلاده ستمنع أي طائرة ركاب لا تصف الخليج -الفاصل بينها وبين الدول العربية -بالخليج الفارسي بدلا من الخليج العربي، من دخول المجال الجوي الإيراني.

 

وقد امهل المسؤول الإيراني شركات الطيران الاجنبية –حسب نص التصريح -خمسة عشر يوما لتنفيذ الإجراءات الضرورية لإظهار هذه المعلومة على شاشاتها خلال الرحلات القادمة والمغادرة.،واذا كان الامر المستهدف هو الطيران العربي لا غيره، فقد بدا تطبيق التهديد الإيراني فى النفاذ فعلا اذ أبعدت السلطات في طهران مضيفا يونانيا يعمل في شركة طيران إيرانية تدعى "كيش اير" استعمل عبارة "الخليج العربي" بدلا من "الخليج الفارسي" على لوحة عرض.

 

التصريح والتلميح
فى المفاوضات الامريكية الإيرانية –وفق ما تذكر بعض المصادر-طلبت إيران من فريق اوباما (قبل الانتخابات ) ان تترك ادارته المساحة الممتدة من شمال العراق حتى اخر الخليج فى اليمن للنفوذ الإيراني وفق تقاسم المصالح، على ان تطلق إيران يد اسرائيل والولايات المتحدة فى مناطق المحيط .وتذكر المصادر ان مندوبى حملة اوباما لم يردوا خلال هذا اللقاء على العرض وهو ما اعتبرته إيران توافقا عبر الصمت حيث المفاوضات كانت تجرى مع مسئولى حملة انتخابية لا مع مسئولين رسميين، وانه لم يكن مطلوبا الرد اذ اللقاء كان بمثابة إبلاغ بالنوايا. وهذا هو ما يجرى حاليا وفق دورة الاتفاق-التفاوض-الصراع.

 

والمعنى المقصود هو ان التصريحات والقاءات يجب ان تقرا بطريقة موسعه للفهم لا بالمنطوق المباشر لها فقط، ووفقا لتلك النوعية من القراءة يظهر أن التصريح الأخير لنائب الحرس الثورى الإيراني هو رأس جبل جليد، وأن القادم هو تكيثيف الضغوط باتجاه دول الخليج، إذ تنقل إيران المعركة إلى اتجاهها الاصلى، بما يضمن الضغط على الطرف الذي تتصور أنه الأضعف، واستخدام ضعفه المتصور للضغط على الأطراف الاقوى دون الدخول معها فى مواجهة مباشرة. وان القادم هو تحقيق المكاسب الرمزية ذات الدلالات الابعد تاثيرا على خطوط فرض الهيمنة على الاخرين، دون حرب او اعمال حربية، حتى يمكن القول بان تصعيد لهجة ولغة التهديد خلال الفترة الماضية ضد "إسرائيل"، ربما يكون الهدف الرئيسى منه، ادخال الجوار فى حالة خوف، بابداء القدرة على مصارعة القوى واستثمار صمته للظهور بمظهر الاقوى، لاخافة الاخرين !