
اشتدت حدة الجدل في ألمانيا بعد اعتراض سكان مقاطعة سارلاند الالمانية على إنشاء مأذنة لمسجد فيها، كما تعالت بعض الأصوات اليمينية في البلاد للمطالبة بإجراء استفتاء يحظر بناء المآذن على غرار ما جرى في سويسرا، بعد ملاحظة سرعة انتشار الاسلام في ألمانيا في الآونة الأخيرة.
ودعا الحزب الوطني الديمقراطي اليميني المتطرف لإجراء الاستفتاء على الرغم من أن الحزب له عضوان فقط من 51 عضوا بمجلس مدينة فولكلينجن.
وسبق أن كشف استطلاع للرأي أن غالبية الألمان ترفض حظر بناء مآذن المساجد في بلادهم. لكن الصحف الالمانية أشارت إلى أن قسما كبيرا من سكان بلدة فولكلينغن الالمانية الحدودية مع فرنسا يعارض إنشاء مأذنة بطول 8 أمتار لمسجد بثلاث قباب في بلدتهم مشيرة الى أن السبب الحقيقي الكامن وراء المعارضة هو شعور الألمان بالقلق من سرعة إنتشار الإسلام في البلاد.
ولفتت الصحف الى ان نصف سكان فولكلينغن على الأقل, البالغ عددهم حوالي 40 ألف نسمة يرفضون إنشاء مأذنة لمسجد "السليمية" في البلدة ويرون بأنه "لامكان للمأذن في المانيا" ويطالبون بحظر إنشائه في المانيا على غرار القرار السويسري الصادر بالخصوص.
كما أقدمت بلدية فولكلينغن على سحب مخطط بناء المسجد بعد رفض مجلس البلدية مقترح إنشاء مإذنتين للمسجد المذكور. وإحتجت لجنة إنشاء المسجد على قرار السحب قائلة أنه لايستند الى أي مبرر قانوني.
وفي تصريح صحفي شدد ممثل الجالية التركية المقيمة في البلدة عدنان آتاكلي على ضرورة إحتواء المساجد على المآذن مثل إمتلاك الكنائس للأبراج داعيًا إلى إجراء إستفتاء حول الموضوع في البلدة.
ويتذرع معارضو المئذنة بزعمهم أنها "تشوه" جمال المدينة، وتبدو كغريب "يتسلل" على مدينتهم.
وكانت صحيفة "التايمز" البريطانية، قد نقلت في عددها الصادر أمس الخميس عن كريستوف جوتشالك (60 عاما)، وهو تاجر مؤيد لبناء المئذنة بمدينة فولكلينجن الواقعة غرب ألمانيا قوله: "إذا كانت أبنيتهم (المساجد) موافقة للقوانين، فلن يستطيع أحد أن يمنعهم"، لافتاً إلى أن "بعض الناس يقولون إنهم ضد المآذن لأسباب جمالية، ولكني أعتقد أنها حجة غبية؛ لأن مدينة فولكلينجن شمال غرب البلاد، هي واحدة من أبشع المدن في أوروبا كلها".
ويشكل المسلمون في مدينة فولكلينجن نحو 5% من إجمالي السكان البالغ عددهم 40 ألف نسمة.
ويصل عدد مسلمي ألمانيا ككل إلى نحو 3.5 ملايين نسمة، 3 ملايين منهم من أصل تركي (وهم أكبر أقلية في ألمانيا) و280 ألفا من أصل عربي، من بين 82 مليون نسمة هم تعداد سكان البلاد.
يذكر أن دراسة أوروبية حديثة قد أشارت إلى أن مسلمي ألمانيا يعانون بشدة من تعامل المجتمع معهم كغرباء ورفضه الاعتراف بهم كمواطنين ألمان, رغم مشاركتهم الفعالة في المجتمع.
واعتبرت الدراسة أن إحساس الأقلية المسلمة في ألمانيا بالرفض والعزل المجتمعي المفروض عليهم يمثل ظاهرة عامة ينبغي على المؤسسات المعنية مواجهتها والسعي لمنح المسلمين في عموم البلاد وضعا لائقا مماثلا لما يوجد في بلدان أوروبية أخرى.
وحللت الدراسة التي صدرت عن "المعهد البريطاني لبحوث الانفتاح المجتمعي", المشاعر الإنسانية والواقع المجتمعي للمسلمين في 11 عاصمة ومدينة بسبع دول أوروبية هي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والسويد وهولندا وبلجيكا والدانمارك.
ولفتت الدراسة إلى أن أكثرية مسلمي برلين يشعرون بأن المجتمع الألماني ينظر إليهم كأشخاص غير مرغوب فيهم وينبغي إبقاؤهم على الهامش، وأشارت إلى أن 11% فقط من المسلمين في برلين يعتقدون أن جيرانهم الألمان يعتبرونهم ألمانا مثلهم، في حين تصل هذه النسبة إلى 25% في المتوسط بين مسلمي الدول الأوروبية الست الباقية.
وذكرت الدراسة أن 25% من مسلمي برلين وهامبورغ يعتبرون أنفسهم مواطنين ألمانا، بينما يفخر 70% و82% من المسلمين في مدينتي لندن وليستر البريطانيتين وأكثرية مسلمي باريس بهوياتهم الإنجليزية والفرنسية.
ومن جانبه علق مفوض الاندماج في حكومة برلين المحلية غونتر بينينغ على الدراسة بالقول إن "ما كشفته يعد محصلة لسياسة رسمية متأخرة فشلت في توطين الإسلام وإعطاء مسلمي ألمانيا إحساسا بأنهم يعيشون في وطنهم".
ودعا المؤسسات السياسية الألمانية للسعي لكسب ثقة مسلمي البلاد عبر التصدي لظاهرة "الإسلاموفوبيا" ووضع حد لمزاعم السياسيين بشأن عدم استعداد المهاجرين العرب والأتراك للاندماج.
وكانت بلدية ريندسبرج الألمانية قد سمحت مؤخرا برفع الأذان عبر مكبرات صوت في مساجد المدينة، رغم اعتراض بعض الألمان الذين اعتبروا ذلك مصدرا للإزعاج. لكن رئيس البلدية أكد أن مستوى صوت الأذان لن يتجاوز زقزقة العصافير.
وردا على احتجاج بعض السكان على الإجراء غير الشائع في العديد من الدول الأوروبية، قال أندرياس بريتنر رئيس بلدية المدينة: "ليست هناك مبررات قانونية لمنع ذلك (الأذان في المكبرات)"، مؤكدا أنه سمح بتركيب مكبرات صوت ليرفع عبرها الأذان في الصلوات الخمس، وذلك للمرة الأولى بالمدينة.
وأوضح رئيس البلدية الذي ينتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي أن دراسة أجريت حول الأصوات التي تثير إزعاجا أثبتت أن قوة صوت رفع الأذان "لن تتجاوز مستوى صوت الراديو أو زقزقة العصافير".
وأضاف: "لون البشرة واختلاف الأصول والأجناس والديانات لا تلعب أي دور في مثل هذه القرارات، ونحن مرتاحون لقرارنا".
وكان مشروع الدعوة للأذان في المكبرات الذي تولاه المركز الإسلامي بالمدينة قد أثار انتقادات قسم من السكان الذين اعتبروا أن الدعوة للصلاة خمس مرات في اليوم "ستحدث ضجة".