إيران إذ تفقد (الإصلاحيين) البوصلة
17 صفر 1431
أحمد عبد العزيز القايدي

خلافنا مع الشيعة لا ينكره إلا جاهل بتاريخ أمتنا العقدي والسياسي ويحاول اختزال أمتنا في عصره الذي يعيشه بتغيراته وتناقضاته وضعفه، أو بصورة أكثر ضيقاً في مدرسته الفكرية التي لم يمض على تجمع أطرافها عقد من الزمان، وقد يكون منبهرا بالنموذج الإيراني الممانع لأقوى قوة في العالم. 

والعربي بطبعه يحب الإباء و العزة، وربما مازال يعيش رهاب الهجمة على منهج السلف منذ 11 سبتمبر فهو لا يريد أن يكون مستهدفا أو محل تجهيل الناس أو استخفافهم، وربما تشكل رأيه كردة فعل تجاه أصولي رماه بالجهل في مجلس نقاش، وقد يكون إمعة وجد أشخاص يحسنون الحديث والكتابة ويدعوهم الناس بالمفكرين أو (الإصلاحيين) قالوا قولاً فقال القوم كما قالوا.

 

 

ينظر كثير من إخواننا إلى ملف إيران وكأنه رواية خيالية تحكي فصولها عن عهود الظلام الأوربي أو فيلم هوليودي يتحدث عن قوى الخير والشر، فنحن تحت تأثير قوى الشر التي هي هنا بطبيعة الحال أمريكا وهي تحاول خلق صراع بين السنة والشيعة تستفيد منه على كل الصعد، أو كما في خيال الصبيان امرأة عجوز شمطاء مشعوذة تسكن قمة الجبل وهي هنا أمريكا أيضا ، و تريد الاستيلاء على القرية -السنة والشيعة- التي في سفح الجبل بنشرها رذاذ سحري يشيع الكراهية بين أهالي القرية وينشب القتال ويستغيث بها أحد الطرفين على الفريق الأخر وبذلك تكون لها السيطرة على الجميع.

 

 

يدعي (الإصلاحيون) أن موقد الخلاف مع الشيعة ومحركه هم الأمريكان، كما حصل عندما دعم الأمريكان المجاهدين الأفغان إبان الغزو السوفيتي . وفي الحقيقة ، فإن هذه الدعوى تلقفوها من تيارات عدة – منها إيراني- وسلموا لأصاحبها برأيهم؛ والواقع أن هذا الخلاف لا علاقة للأمريكان به لأنه كان قبل أن يكونوا وسيبقى بعد رحيلهم وسيضل وإن كان من مصلحتهم إنهائه، فهو خلاف حقيقي على هويتنا وتاريخنا .. خلاف مع من يلعن بناة هذه الأمة ومنشئوها.  وعليه فلم يكن للأمريكان دور في إحداثه ولن يكون لهم دور في إنهائه.

 

 

لنقل أننا سلمنا لأعزائنا (الإصلاحيين) بدور أمريكا في نشوب خلاف بين السنة والشيعة، ثم لنفترض بأن نفوذ النصارى الكاثوليك تزايد في أمريكا وتمكنوا من إدارة عقول الناس في ذاك البلد، وعليه قررت أمريكا التخلي عن اليهود و دعم العرب لقتال اليهود .. هل سيخرج علينا أصدقائنا هؤلاء بنفس منطقهم السابق – رفض معاداة الشيعة لأنها مكسب للأمريكان - ويطلبوا منا مصالحة اليهود و عدم قتالهم والتقارب معهم و يحذرونا من أن نكون أداة بيد أمريكا نخوض عنها حروبها، وربما زاد بعضهم إن اليهود أبناء عمومتنا وخلافنا معهم في الفروع لا في أصل الإيمان بالله وفيهم موحدين ومعتدلين تعاونوا معهم لقتال أهل الثليث !.

 

 

المقاومة قيمة ثابتة غير قابلة للتجزئة أو المساومة فليست في بلد (فلسطين) شريفة وحتمية وفي أخر (العراق – أفغانستان) إرهاب تجب محاربته والتعاون مع خصومه وفي أخر(لبنان)  تحتكر بالقوة و تأخذ إجازات لسنوات عدة الويل لمن يعمل فيها . ومن كان هذا حاله مع المقاومة فقد كفى الناس التحقق من صدقه وأبان للناس دجله واحتياله، و لا ينخدع به بعد ذلك إلا يائس من نصرة غيره أو غافل. ومن الحمق وقلة العقل اعتقاد البعض أن مخاصمة إيران حصار للمقاومة، لأنها ببساطة تحارب المقاومة في بلدين وبالنسبة لفلسطين فإن إيران لا يعنيها من المقاومة إلا ما يسهل عليها اختراق المجتمع السني.

 

 

(الإصلاحي) حالم غافل يريد أن يقنع نفسه بأن العيش مع الشيعة ممكن كما يعيش مع إخوته في البيت ، يؤمن بأن العلاقات بين البشر لابد أن تكون قائمة على الحب والسلام حتى وإن بلغ الشيعة حدودك واستهدفوها بنيرانهم فإن عليك إحسان الظن بهم ومناقشتهم أولاً حيال المشكلة.

من أكثر الرؤى جهلا بحال أمتنا تلك التي يخبرك بها إصلاحي محترق عتيد؛ حول دفع الحكومات العربية بعض الإسلاميين لمواجهة الشيعة، حسناً ... إذا فالقاعدة تقبض أموالا مقابل مخاصمة الشيعة، و حزب التحرير عقد صفقات تجارية مع حكومات عربية مقابل رفض فكرة ولاية الفقيه، وبعض الشرعيين من جماعة الإخوان المسلمين مؤتمرون بأمر خصمهم التقليدي في مواجهة الشيعة، وأخيراً أكبر خصم للشيعة من المؤمنين بمنهج السلف الذين يلاقون موتاً بطيئاً في سجون سوريه ولبنان والقدس يعادون الشيعة إكراماً لجلاديهم!.

 

 

يستعلي القوم على غيرهم ويرون بأن حل الخلاف بيد العقلاء من الشيعة والسنة وكأن خصوم إيران حمقى شوارعية متعطشين للصراعات، ثم نصب (الإصلاحيون) أنفسهم فصاروا هم العقلاء عن أهل السنة؛ في الطرف الأخر لم يجد القوم أكثر عقلاً من المرجع الشيعي اللبناني فضل الله وكثيراً ما امتدحوه وعدلوه لكن الرجل صفعهم على قفاهم عندما هاجم القرضاوي إبان تصريحاته حيال التبشير الشيعي، ولو سلمنا بترك الأمر للعقلاء فكم حجم هؤلاء عند الشيعة وما مقدار تأثيرهم ولو تم الاتفاق معهم على أمر هل يضمنوا التزام أغلب الشيعة أو نصفهم باتفاقاتنا معهم.

 

 

خاض إصلاحي جلد جدلاً امتد لحلقات مع أحد الأفاضل حول إيران ومن العجائب التي أتى بها ذاك الإصلاحي ويرى بأنها سبب للوقوف بجانب إيران هي ديمقراطيتها ، ديمقراطية لا يوجد في مجلسها نصيب حقيقي للسنة وغيرهم، وفي أول مواد دستورها تحديد لهويتها الإقصائية (دولة شيعية إمامية)، ومؤخرا فجع العالم بإعدام إيران (الديمقراطية) لأشخاص لم يكن لهم ذنب إلا التظاهر الحق الذي تكفله كل الديمقراطيات الكاذبة والصادقة.

 

 

السبب الرئيسي لموقف الرفقاء (الإصلاحيين) أن القوم لا يوجد لديهم أولوية للتوحيد، ليسوا على استعداد أن يخوضوا خصاماً إبراهيمياً مع الآخرين من أجل معبود واحد خلق الخلق كلهم لعبادته ، وفي المقابل هم على أتم استعداد لمخاصمة الدنيا كلها من أجل مفهوم  (الحرية) وكأنه أول واجب على المكلف، ومن يخاصم لنتاج عقول البشر ولا يخاصم لأجل رب البشر قد فقد الاتجاه.

 

 

يؤمن القوم بأن الخلاف العقدي داخل مجتمع أو أمة واحدة هو ضرب من (الطائفية) وخط أحمر وشكل متخلف من أشكال النزاع البشري الذي يجب رفضه إذ حرية المعتقد شيء مقدس لدى قوم منهم، وعليه فإن منازعة إبراهيم لقومه وأبيه هو نزاع تقليدي لا ينبغي أن يتكرر في عصرنا، ونزاعات إمام البشر مع أهله في مكة ليست منهجا لنا و إنما هي من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ومفارقة مصعب بن عمير أخاه في غزوة أحد تهور شاب – بأبي و أمي وبني قومي مصعب – ومن اجتهادات الصحابة التي لا تلزمنا بحكم بينما شياطين الدنيا في أوربا من أنصار الحريات المطلقة هم من ينبغي علينا الالتزام بفكرهم .

 

عجيب أمرهم لم يمنعهم شرك الشيعة وزندقتهم وكرههم لنا ولهم من أن يجالسوهم ويخالطوهم ويتصالحوا معهم ويدفعوا عنهم؛ بينما إخوانهم في العقيدة يبحثون عن أدنى سبب لمخالفتهم وإن كان وهما ، ويقطعوا ما بينهم من حبال ويسدوا كل طريق للتواصل، ويشتموهم ويحقروهم لأمور ليست ذات قيمة يفترق عليها.

 

إن خلافنا مع عباد المعممين والقبور منذ حرقهم علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – وكفرهم الإمام مالك –رحمه الله-، لن يوقده أو يطفئه عباد الصليب، وكم نقد قوم على العباسيين وصلاح الدين قتالهم وعداوتهم للشيعة (انظر اتعاظ الحنفا للمقريزي ) ولكن كل هذا لم يُغفل الأمة عن خطر الشيعة أو يخدعهم بمكرهم وتقيتهم كما خدعوا بعض الحالمين في زماننا هذا ممن فقدوا البوصلة واتجاهها.