أين الولايات المتحدة من إرهاب الحوثيين؟!
28 صفر 1431
أمير سعيد

[email protected]

لا يغيب عن البال أن ما بين الأخطار المهددة لأمتنا العربية علاقات جدلية ومساحات من الرمادية يصعب في ضبابيتها قراءة خرائط التحالفات والصراعات في المنطقة على نحو دقيق.

لكن ما قد كان ضبابياً في السابق انقشعت عتمته مؤخراً مع سلسلة من الأحداث والمواقف والتوافقات بين قوى تبدو لأول وهلة متعارضة فيما تتشابك أيديها تحت طاولة المفاوضات، وتبدو الصورة أكثر جلاءً من ذي قبل إذ الشواهد متزاحمة قبل إسدال ستارة النهاية.

الصراعات كثيراً ما تأخذنا إلى غير المكان الذي نريده، وتحليلات المشهد السياسي تقوم بالشيء ذاته؛ حيث يفضي الاعتقاد أحياناً  إلى أن النظر إلى بطء الفعل الأمريكي هو نوع من استعجاله، أو هو مرادف مألوف للتعويل عليه، وبالتالي يجد المرء نفسه مدفوعاً إلى أهمية التمييز ما بين تحليل الموقف، والوقوع في الاستقطاب الذي قد يراه الانهزاميون اضطرارياً في المنطقة، ولا يجد المستقلون أنفسهم مشدودين إليه، لا، بل يرونه نوعاً من تأجيل الهزيمة أو الاختيار الطوعي للعبودية.

وحقاً، لا ارتباط مطلقاً بين التحذير من خطر ما، واستدعاء آخر، لكن الجدير بالدراسة هو ما يستتبع انكشاف الصورة الآن، من ضرورة الاصطفاف العربي والإسلامي بمشروع أضحى اضطرارياً للخروج من دائرة التقسيم والتفكيك وفقاً لأجندتين باتتا متشابهتين في أهدافهما لحد بعيد.

 

ولقد كان رائداً أن تتبلور رؤية التوافق الغربي الإيراني، وربما الروسي من خلف ستار على أنه علامة على جريان المياه في جدول التوافق السياسي البراجماتي المتوقع، وهو ما قد كانت تحذر منه أقلية يقظة، بما ينجم عنه من اتضاح صورة بؤس المشهد العربي الذاهل، ونقيضه، كان الحديث عن الصراع بشكله الكاريكاتوري الذي بشرت به جموع "المثقفين" الناقلة قسراً إلى الأمة مفاهيم تخديرية عن علاقة إيران بالغرب، ما ساهم بدوره في تغييب العرب عن إبصار المشهد بعين سليمة.

والآن، ونحن نعالج مسألة علاقة الأمريكيين بما يجري في الشمال اليمني، لا يمكننا اقتطاع هذا الجزء من الخريطة عن سائر المنطقة العربية والإسلامية الذي تجد فيه الولايات المتحدة جسوراً تحملها إلى الالتقاء مع إيران في معظم الأهداف، وأسوار تحول بينهما في بعضها، أو وفقاً لتصور آخر، ترى واشنطن أنها بحاجة لتوظيف إيران في المنطقة حتى مرحلة ما، ثم التعامل معها بشكل آخر لا يخرجها من المعادلة لكن يضيق حركتها، وهي بذلك تراها الآن أكثر من سكين يستخدم في قضم الكعكة بل شريكاً صغيراً فيها بما يوفر تدجين المنطقة أكثر بأقل فاتورة من الدماء الغربية.

 

وإن مسألة استخدام أوراق أمريكية الآن لحمل طهران على اتخاذ سياسة معينة قد أضحى ملغزاً للكثيرين لفقدانهم أي مؤشر لهذه الضغوط بما يتبدى في تلك الرقعة الشاسعة التي تتمدد فيها إيران اليوم، وتلك مسألة سنعرض لها لاحقاً ـ بإذن الله ـ، غير أن ما يسترعي الانتباه في حيز الإرهاب الحوثي وامتداداته هو ما يلي:

أولاً: زهد الولايات المتحدة الأمريكية في الإفادة من أي دليل تقدمه صنعاء ويدين طهران دولياً، على الأقل على صعيد ممارسة الضغط على الأخيرة، وهو ما يعني أن واشنطن لا تريد حتى استخدام "الادعاءات" اليمنية ـ إن صح التعبير ـ في "ابتزاز" طهران، وهو ما يثير علامة استفهام كبيرة؛ فصنعاء أعلنت أكثر من مرة أنها تملك أدلة على تورط طهران في العدوان الإرهابي على قواتها المسلحة في صعدة، من خلال عدة محاولات كشف عنها اليمن لإرسال أسلحة من إيران للإرهابيين عبر سفن تم ضبطها على السواحل اليمنية، ومنها ما أدى إلى اعتقال إيرانيين بالفعل على متن إحداها، وهو ما أكده الناطق باسم الحكومة اليمنية حسن اللوزي في تصريحات بثتها وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ)، (27/10/2009)  حين قال إن "الأجهزة الأمنية اعتقلت خمسة إيرانيين كانوا على متن سفينة إيرانية مشبوهة محملة بالأسلحة قبالة ساحل ميدي في محافظة حجة"، وهي بالمناسبة محافظة مجاورة لصعدة وهي الامتداد الطبيعي المتوقع للتوسع الإرهابي الحوثي للوصول إلى البحر الأحمر، وبالجملة؛ فقد قال رئيس مجلس الأمن القومي اليمني علي محمد الأنسي، ومدير مكتب الرئيس اليمني، على هامش حوار المنامة: "إن سفينة الأسلحة التي ضبطها اليمن في أكتوبر ذاهبة إلى الحوثيين كانت إيرانية، وهناك دلائل على أنها كانت قادمة من إريتريا".

 

ثانياً: واستكمالاً لذلك التصريح؛ فإن هذه العبارة في الحقيقة لم تثر الأمريكيين الموجودين بكثافة في جنوب البحر الأحمر لملاحظة سلوك السفن الإيرانية، ورصد ما يجري في ميناء مصوع الإرتري الذي تتواجد فيه قطع بحرية إيرانية، على الرغم من اتهام إرتريا ذاتها بدعم موالين للقاعدة في الصومال من قبل دوائر أمنية غربية، وهو ما كان من شأنه أن يفتح أعين الأمريكيين خصوصاً والغربيين عموماً على النشاط البحري في الميناء وحركة السفن منه وإليه، وطبيعة حمولاتها.

 

ثالثاً: وهو أن اللافت للنظر أكثر، بعد تسريب معلومات استخبارية مصرية وعربية نقلتها صحيفة الشرق الأوسط اللندنية (13/12/2009) عن "مصادر مصرية وعربية، طلبت عدم تعريفها نظراً لحساسية موقعها، وكون هذه المعلومات مستقاة من مصادر استخباراتية موثوق بها" ـ بحسب ما ورد في الصحيفة ـ تفيد بأن "اجتماعاً سرياً رفيع المستوى عُقد أخيراً داخل الأراضي اليمنية بين مسؤول الحرس الثوري الإيراني وقياديين من حزب الله والمتمردين الحوثيين في اليمن بهدف تنسيق العمليات المشتركة ووضع خطة لتصعيد الموقف العسكري على الحدود السعودية اليمنية"، معتبرة أن "الاجتماع الذي تم رصده من قبل أجهزة استخباراتية عربية وغربية (في نوفمبر) مَثَّل أخطر تحرك إيراني على الإطلاق على خط العمليات العسكرية التي يشنها الحوثيون سواء داخل الأراضي اليمنية أو على الحدود السعودية اليمنية"، وهو ما يعد "أبرز دليل على تورط إيران المباشر في دعم الحوثيين ماديا وعسكريا ولوجستيا.".. بعد كل هذا؛ فإن واشنطن لا سياسياً ولا إعلامياً علقت على تلك المعلومات، برغم أن تلك المصادر قد أعربت عن اندهاشها من الموقف الأمريكي لكون "وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) على علم بتفاصيل هذا الاجتماع عبر علاقاتها مع عدة أجهزة أخرى معنية بالمنطقة." بحسب الصحيفة، وهو أيضاً ما يثير الريبة لا لكون واشنطن لم تتأكد من مصداقية تلك المعلومات، بل لأنها لم تستغلها، لا بل تسارع إلى نفيها ومثيلاتها لإحراج حلفائها وتبرئة ساحة الإيرانيين، وهي على كل حال ليست مضطرة إلى ذلك ما لم تكن لها رغبة في النأي بنفسها عن إدانة الإيرانيين بل وتجاوز ذلك إلى منحهم صكاً بالبراءة، عبر عنه جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى من داخل الحدود العربية ذاتها حين قال في مؤتمر أمني إقليمي في البحرين عقد في ديسمبر الماضي: "العديد من أصدقائنا وشركائنا تحدثوا إلينا بخصوص إمكانية دعم أجنبي للحوثيين، وقد سمعنا النظريات الخاصة بالدعم الإيراني للحوثيين (..) بكل صراحة، لا نملك أدلة مستقلة بشأن هذا الموضوع". وأضاف المسؤول الأمريكي "يعظ" الحلفاء بقوله: "إن الطابع الطائفي للنزاع لا ينبغي أن يُضخم"، داعيا كل الأطراف إلى احتواء النزاع داخل اليمن! (بي بي سي 11/12/2009).

 

رابعاً: لابد من قراءة رد فعل الأمريكيين أيضاً حيال الاعتداء على أراضي دولة ذات طبيعة خاص، لا نقول فقط أنها عضو بالأمم المتحدة ولا أنها محورية، بل إنها أكثر دولة تمد الولايات المتحدة بالنفط/شريان حياة الأمريكيين، وهي العربية السعودية، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، والدولة المحورية في أكثر المناطق أهمية في العالم لاستحواذها  ـ أي تلك المنطقة ـ على أكثر من ثلثي نفط العالم، رد الفعل الذي كان متوقعاً من الأمريكيين أكبر بكثير من ذلك التصريح الباهت والغامض للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ايان كيلي حين أعرب "عن قلق الولايات المتحدة حيال توسع أعمال العنف إلى الحدود اليمنية السعودية"، و"حض الأطراف المعنية على حماية أرواح المدنيين"، بحسب راديو سوا 6 نوفمبر الماضي، معززاً ذلك بمقولة عن أنه "لا يمكن وجودُ حل عسكري على المدى الطويل في النزاع بين الحكومة اليمنية والمتمردين".

وإذا ضربنا الذكر صفحاً عن الصراع داخل اليمن؛ فإن الولايات المتحدة قد كانت معنية الآن بالحديث عن عدوان صريح على دولة لها مصالح مشتركة معها؛ فما الذي أخرس الأمريكيين؟!

 

خامساً: امتناع المنظمات الحقوقية الغربية المعروف ارتباطها بالأجهزة الاستخبارية لبلادها، لاسيما الولايات المتحدة عن إدانة ـ أو حتى التحقيق في المعلومات المتهِمة ـ الحوثيين بارتكاب جرائم حرب تتعلق باستخدام المدنيين كدروع بشرية وإجبارهم على الانخراط في القتال وترويع الأطفال والنساء، وهو ما تفيض به صفحات اليوتيوب ومتابعات الصحف والمواقع اليمنية المختلفة، بما يثير الاستغراب عن أسباب هذا الامتناع ومغزاه، كما أنها لم تحمل تصريح مصدر عسكري لصحيفة الشرق الأوسط (12/12/2009) بأن "القوات السعودية تمكنت من تخليص نساء يمنيات استخدمهن الحوثيون كدروع بشرية"، على محمل الجد والاهتمام، على الأقل بما يوازي ما تصرح به جهات غير رسمية متمردة في دارفور مثلاًََ! والسر المقابل في الإيحاء بأن المشكلة الإنسانية التي سببها الإرهاب الحوثي هي من مسؤولية الحكومة اليمنية، والتمهيد من ثم للتدخل الأجنبي بذريعتها.

 

وما يمكن استخلاصه من تلك الأمور ما يلي:

1 ـ الولايات المتحدة لا ترى أن ثمة أدلة على تورط إيران في دعم العدوان الحوثي على السعودية واليمن.

2 ـ لا تنظر واشنطن إلى الحوثيين كحركة إرهابية، وفقاً للتصنيف اليمني، ولا تشاهدهم كما الروايات الرسمية السعودية كمتسللين، بل تراهم في النطاق اليمني "متمردين" وفي الداخل السعودي، تنظر إلى اختراقهم للحدود على أنه "توسع لأعمال العنف إلى الحدود اليمنية السعودية"، ويمكن في هذا السياق ضم النفي السابق للسفيرة البريطانية في صنعاء فرانسيس جاي عن الحوثي تهمة الإرهاب، قبل ثلاث سنوات تحديداً فيما أوردته الشرق الأوسط حينها مؤكدة "إنه لا يمكن القول بأن حسين الحوثي وجماعته هم عناصر إرهابية لأنهم لم يقوموا بأي أعمال عنف ضد أهداف مدنية، هم ربما يشكلون تهديدا للنظام وليس لأمريكا أو إسرائيل". 

3 ـ تنصح الإدارة الأمريكية بألا "يضخم" الطابع الطائفي، وهي بالتالي تنقله إلى الحيز المحلي المعارض وتبرئ منه ضمنياً إيران.

4 ـ  لا تجد واشنطن نفسها مضطرة إلى الطلب من مجلس الأمن استصدار قرار لملاحقة قادة ميليشيا الحوثيين، أسوة بقادة الجنجويد مثلاً في دارفور؛ فضلاً عن أن تلمح إلى مسؤولية قادة طهران عن ما يحدث في قرى صعدة، ربما لأنها لا تجد مشكلة أصلاً تتعلق بالمدنيين واستخدامهم القسري في الحرب عن النظام في صنعاء.

5 ـ  علنياً على الأقل، لا تزيد واشنطن عن "حض الأطراف المعنية على حماية أرواح المدنيين"، وهي تلزم بذلك الحياد إزاء تلك "الأطراف"، وهو بذاته ما يقرأ من مشاعر "القلق" من القتال الدائر الذي ينبغي له ألا يستمر طويلاً بحسب المسؤولة الأمريكية.

6 ـ لم يصدر نهائياً عن الولايات المتحدة الأمريكية ما يفيد بأنها تعرف أن الحوثيين قد اخترقوا الحدود السعودية، وهي بالتالي تبدو كما لو كانت لا تعلم ما إذا كان الحوثيون معتدين أم معتدى عليهم داخل الحدود اليمنية من قبل القوات السعودية؛ فلا موقف واضحاً لها يبين دعمها للسعودية أو إدانتها لها، والأمر ذاته بالنسبة للحوثيين.

7 ـ تصدر كل التصريحات تقريباً من الجانب الأمريكي متحدثة عن "القاعدة" كخطر يهدد اليمن، لكنها لا ترى في المقابل أن الحوثيين يمثلون الشيء ذاته، وهي بذلك تكيل بمكيالين إزاء "حركتي تمرد" ـ إن جاز التعبير ـ أقواهما الحوثيون بطبيعة الحال.

8 ـ صمتت الولايات المتحدة عن التهديد المبطن الذي أطلقه وزير الخارجية الإيراني ضد السعودية واليمن معاً ـ فيما يبدو ـ، حين حذر من عواقب "قمع" الشعب اليمني عبر شن حملات عسكرية قائلا إن "من يحاول صب الزيت على نار الفتنة لن يكون بمنأى عن لهيبها وسيدخل الدخان في عيونه. وإن الدعم المالي والتسليحي للمتطرفين والتعامل مع الشعب بأسلوب قمعي تترتب عليه تبعات خطيرة جداً"، وإبدائه " استعداد إيران للتعاون من أجل حل مشاكل اليمن "، وهو ما فسر يمنياً بالتدخل السافر في الشأن الداخلي له، وخليجياً بالتهديد لليمن والسعودية في وقت تقمع فيه السلطات الإيرانية "الإصلاحيين" الإيرانيين وتقتل منهم العشرات. 

 

 
أين الولايات المتحدة الأمريكية إذن من الإرهاب الحوثي؟! الأهم من هذا السؤال، هو أين تجد واشنطن نفسها أقرب، أإلى طهران أم الرياض؟! والحقيقة أن عبارات موجزة لروبرت بير خبير الـ سي آي إيه، ستفي للمتطلعين للإجابة بما يشبع شهيتهم المعرفية؛ فالرجل قد قال صراحة: "سنعطي إيران النفوذ في أفغانستان وباكستان، وندعمها اقتصادياً. إن أمريكا ستتحالف مع طهران، وستتحول عن تحالفاتها السابقة في الخليج وسيتحول الهلال الشيعي إلى دائرة شيعية في الشرق الأوسط (...). وهي بالطبع دائرة شيعية تمتد في إيران والعراق وسورية ولبنان وغزة والضفة واليمن ودول الخليج وفي كل مكان. لن يوقف أحد التقدم الإيراني لمد النفوذ. وهل يستطيع أحد إيقاف المطر من السماء!! إنه قدر. إن باراك أوباما اسمه الوسط (حسين).. إنه يتماهى مع الشيعة (...) إنه ليس ابن تيمية" (مجلة الوطن العربي 4/11/2009). وإذا لم يكن تصريح الرجل رسمياً إلا أنه كاشف وخطير كونه ينسجم مع ما تفرزه الأحداث من معطيات واستنتاجات.

 

ففي الحقيقة لا جديد في كلام بير، إلا في صدوره عنه؛ فالموقف الذي تتخذه واشنطن من الحوثيين تقف بحذائه مع الميليشيات الإيرانية في العراق، وليس الأمر هكذا فحسب، بل لا يبعد هذا كثيراً عن "الإجراء العدمي" الذي نفذته حيال احتلال إيران لبئر الفكة العراقي، على مقربة من مفارز وقواعد الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وغير بعيد عن قطعها البحرية في الخليج، وحديث الجنرال ديفيد بتريوس القائد العام للقيادة العسكرية المركزية الأمريكية عن نجاح قوات بلاده في تقليص "تسرب المقاتلين الأجانب عبر الحدود السورية من حد أعلى بلغ 110 مقاتلين في الشهر إلى اقل من عشرة مقاتلين الآن." مضحك للغاية لجهة تجاهله في المقابل عن الحدود المفتوحة بين العراق وإيران للحد الذي يسمح بعبور عشرات الآلاف من "الحجاج" إلى كربلاء وغيرها دون حسيب أو رقيب مثلاً، هذا إضافة إلى تقسيم النفوذ في العراق وأفغانستان، كما أن صمت الولايات المتحدة عن القمع الدموي الذي تنفذه طهران ضد معارضيها السياسيين والدينيين والقوميين يشي بأن واشنطن لا تريد إزعاج حليفتها الجديدة القديمة/إيران، بعد أن برأتها عبر 14 جهاز استخباري من تهمة السعي لتحويل برنامجها النووي إلى مشروع صناعة وامتلاك قنبلة نووية.

 

واشنطن التي تراوح في استخدام أوراق ضغطها في الملف النووي في وقت تحرق فيه طهران الوقت باتجاه تنفيذ تجربتها النووية الأولى، ما بين استخدام أسلحة الولايات المتحدة الأمريكية المتنوعة في أروقة مجلس الأمن، وهي التصريحات بأن "صبر واشنطن بدأ ينفد"، أو أن "واشنطن بدأ صبرها ينفد" أو أن "الوقت أمام طهران آخذ في النفاذ"، وبالطبع كل ذلك تهديداً بعقوبات عقيمة قالت طهران مراراً وتكراراً أنها لا تؤثر فيها، لا يتوقع أن تصنع شيئاً مناوئاً للإرهاب الحوثي في اليمن ولو كان ضد السعودية ذاتها التي تحتفظ معها بعلاقات متميزة، ببساطة، لأن إيران هي فزاعة المرحلة القادمة، وهي الأداة التي سيتم بها تفكيك المنطقة، وعزل أخطارها المستقبلية عن الولايات المتحدة الأمريكية.

 

لقد أصدر مركز الأمن الأمريكي الجديد المهتم بإصدار تقارير وأبحاث تدعم المصالح والقيم الأمريكية ـ في العشرين من نوفمبر من العام الماضي بحسب تقرير واشنطن ـ مقالة تحت عنوان: "على حافة الهاوية: عدم الاستقرار اليمني وتهديد المصالح الأمريكية للباحثين اندرو اكسوم وريتشارد فونتين، خلصا فيها "إلى أن الوضع المتدهور في اليمن وانعكاساته على المصالح الأمريكية هو الذي يدفع الولايات المتحدة لإعطاء مزيد من الاهتمام لما يحدث في اليمن"، لكن قبل أن تذهب الظنون بنا مظانها ـ وبعض الظن إثم ـ، تستدرك المقالة أن "ليس معنى ذلك أن يتخذ هذا الاهتمام شكل عمليات عسكرية واسعة النطاق مثلما حدث في أفغانستان والعراق، ولكن أن تتبع استراتيجية شاملة تزاوج فيها بين عدة عناصر منها: دعم مكافحة الإرهاب، المساعدات التنموية، الضغوط الدبلوماسية، والمضي قدمًا على مسار المصالحة".. أي جهد يخص مكافحة القاعدة، وآخر يخص تقديم مساعدات محدودة لليمن، والضغط عليها في المقابل.. ثم الأخطر: مسار مصالحة بين "دولة" و"إرهاب".. وربما مبعوث سلام!!
إنها الحقيقة التي لابد أن يدركها العرب قبل بكاء غرناطة..

ــــــــــــ
*المقال نقلاً مجلة البيان عدد صفر 1431.