العقيدة سر بقاء الإسلام في البلقان
21 ذو القعدة 1430
عبد الباقي خليفة

علامة بوسني ترك إرثاً جليلاً وحاول إنقاذ الدولة العثمانية قبل400سنة!
حسن كافي شارح الطحاوية: التوحيد أول شروط الإصلاح

أنجبت البوسنة علماء أفذاذاً تركوا تراثا علميا زاخرا، لا تزال تنهل منه الأجيال المتلاحقة، ومن بينهم العلامة حسن بن ترهان بن داوود بن يعقوب الزئبي الأقصحاري البوسني، المعروف بـ(حسن كافي بروشتشاك)، المولود في عام 1544 م في دوني فاكوف بالشمال الغربي للبوسنة وتحديدا في منطقة بروساتس. درس في اسطنبول حيث كانت حاضرة الإسلام ومقصداً لطلبة العلم، وفي 1583 م رشح لمنصب أمير قضاء "بروساتس" وفقا لترجمته من قبل الباحث الدكتور عامر ليوبوفيتش. ولبروتشاك 17 مؤلفا محفوظا في علوم اللغة، والقانون، والفقه المقارن، والعقيدة، والمنطق. ومؤلفه "مرآة الأمراء" كان من المؤلَّفات التي أثارت جدلا كبيرا في زمنه، حول أصول الحكم. وفي 1580 م وضع كتابه "علم العقيدة المقارن" وفي عام 1583 م كتب "المنطق الكافي" وهما من أشهر مؤلفاته. في حين يرى الدكتورعاديلوفيتش وهو من المهتمين بالتراث أن أهم كتب بروشتشاك هو كتابه "أنوار المعارف في أصول الاعتقاد" وهو شرح واف للعقيدة الطحاوية. كما كتب العديد من الرسائل التي يشرح فيها بوضوح عقيدة أهل السنة والجماعة، وساهم بذلك مساهمة فعالة في إعادة ونشر الوعي بين مسلمي البلقان، ولا سيما في أجزائها الغربية.

 

لقد عاصر عالمنا فترة ضعف الخلافة العثمانية وقدم رؤيته لكي تستعيد الخلافة زخمها، وتشفى من عللها، بإعادة بناء أسسها على الإيمان الصحيح والاعتقاد الراسخ، وحذر من الانهيار الأخلاقي باعتباره مدخل الانهيار الحضاري، فالقوة المادية إذا لم تُبْنَ على قاعدة أخلاقية لا بد أن تنهار، ولو بعد حين، وتاريخ صعود وانهيار الحضارات، أكبر دليل على ذلك. ووضع لشرح رؤيته تلك كتابه "أصول الحكم في نظام العالم" والذي ترجم إلى عدة لغات. ويناقش بروشتشاك في كتابه هذا كيفية إعادة القوة إلى الخلافة التي أصيبت بما أصيب به مجتمع الأندلس قبل الانهيار ومن ثم الاندثار.

 

ولم يكتفِ عالِمُنا بالتنظير بل شارك في العمليات الحربية الجهادية التي كانت الخلافة العثمانية تخوضها في تخوم كثيرة، حيث تداعت عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها. وكان معظم بلائه الحربي في البلقان وتحديدا في المجر. وقد توفي سنة 1616 م في مسقط رأسه، في شمال غرب البوسنة.

 

يحدد بروشتشاك في كتابه "روضات الجنات في أصول المعتقدات". الواجب الأول على الإنسان، في دنياه والذي يحدد مآله في آخرته، وهو معرفة الله، وعبادته، وفق العقيدة التي ارتضاها لعباده. مصداقا لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذريات:56]، والعبادة تحتاج إلى العلم {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: من الآية19]. وهي مسؤولية تشتمل على فرائض وأوامر ونَواهٍ،حددها المولى عز وجل في كتابه العزيز، وجاءت ما في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. ولا عبادة صحيحة بدون إيمان صحيح".

 

قسّم المؤلف كتابه إلى 8 أبواب سماها روضات. أولاها أهمية الإيمان، والثانية، الإيمان بالله تعالى. والثالثة، الإيمان بالملائكة، والرابعة، الإيمان بالكتب، والخامسة، الإيمان بالرسل، والسادسة، الإيمان باليوم الآخر، والسابعة، الإيمان بالبعث، والثامنة،الإيمان بالقضاء والقدر.

 

والإيمان شرط لقبول العمل الصالح، فغير المؤمنين تذهب أعمالهم هباء منثورا، مصداقاً لقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]، أما اشتراط الإيمان لقبول العمل الصالح فقد ورد صريحاً في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [طـه: من الآية112]. والإيمان "ما وقر في القلب ونطق به اللسان وصدقه العمل" أو بعبارة أخرى: "قولٌ باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان" وهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. ويسوق بروشتشاك، أقوال الفرق المنتسبة إلى الإسلام في الإيمان، ويفندها بمنهج أهل السنة والجماعة مستدلاً بالقرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن ذلك بيان كل من توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات. كما يتطرق إلى نواقض الإسلام، ومنها الاعتقاد بأن اللادينية أو العلمانية، أفضل من تعاليم الإسلام. أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة. أو اعتقاد أن تعاليم الإسلام كلها أو بعضها لم تعد صالحة للعصر، والقول والفعل مع الاعتقاد، سيان في هذا الباب...