هل الاستيطان هو العقبة؟
5 شوال 1430
د. أسامة عثمان

يبدو الجهد الأمريكي في هذه المرحلة منصبا على استئناف المفاوضات، ولو لم تستند إلى أسس واضحة, أو تأتي تتويجا لوفاء الطرفين، وبالتحديد "الإسرائيلي" بالتزامات العملية التفاوضية.

 وقد نجحت "إسرائيل" وليست المرة الأولى، في جر جميع الأطراف الدولية والعربية والفلسطينية نحو جدل على وقائع جديدة تفرضها، وتطمس بها التزاماتٍ سابقةً عليها، نصت عليها القراراتُ الدولية، والاتفاقات التي وافقت عليها بنفسها، كخارطة الطريق, ومقررات أنابوليس...

 

والقضية التي تُسلَّط عليها كلُ الجهود الأمريكية, وتشترط التغلبَ عليها الحكوماتُ العربية هي الاستيطان. ويندرج بند وقف الاستيطان في خطة خارطة الطريق الأمريكية التي نفذ الطرف "الفلسطيني " التزاماته" فيها, ولا سيما الأمنية، بإشراف أمريكي مباشر, واعتراف "إسرائيلي" لم يستطع التشكيكَ في "التحسن الأمني" الملموس الذي حققته أجهزة أمن السلطة.

 

واللافت في قضية استئناف المفاوضات أن الطرف الفلسطيني يصرُّ على ما لم يكن يصرُّ عليه زمن حكومة أولمرت التي شهد الاستيطان في عهدها نشاطا عاليا, ولا سيما بعد اجتماع "أنابوليس" .

 

وربما يكون هذا الموقف الفلسطيني محاولة لإحراج هذه الحكومة التي تصادر نتائج المفاوضات بمواقف تعجيزية, ومسبقة, من قبيل ضرورة الاعتراف الفلسطيني بـ" يهودية الدولة" وضرورة الاحتفاظ بالقدس, دون المس باستمرار الاستيطان فيها, وتهويدها بالكامل، وغير ذلك من مثل الموقف من " قضية اللاجئين" وحق العودة.

 

وربما تحظى هذه المواقف الفلسطينية بضوء أخضر أمريكي؛ إذ لا نسمع احتجاجا أمريكيا عليها، أو ضغطا جديا على السلطة، للتراجع عنها، فقد تكون واشنطن تهدف من ذلك إلى استدراج هذه الحكومة "الإسرائيلية المتشددة" إلى مواقف أكثر مرونة وواقعية.

 

ولعل إدارة أوباما قد أرادت من هذه المقاطعة الفلسطينية الإفادة من ورقة العلاقات الأمريكية "الإسرائيلية" الخاصة؛ فكأن واشنطن قد  راهنت على استبقاء الشعب "الإسرائيلي" لعلاقات مميزة واستراتيجية مع واشنطن، فأرادت أن تظهر حكومة نتنياهو في وضع المتسبب في فتور العلاقة مع أمريكا. مستفيدة مع ذلك من تخوف "الإسرائيليين" من توقف "عملية السلام" وما يعنيه ذلك من احتمالات الحرب, وتهديد "الأمن".

 

ولكن الذي حدث هو عكس ما توقعت؛ فقد ظل نتنياهو غيرَ متجاوب مع المطالب الأمريكية العلنية، وبلغت الأمور حد الخلاف العلني، كما في المؤتمر الصحفي الذي جمع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ونظيرها "الإسرائيلي" ليبرمان, في واشنطن.

 

وقد كانت أمريكا - الراعية الأولى لعملية السلام، والمعتدة برئيس جديد يبشر بمصداقية ونظرة متوازنة إلى هذا الصراع- الطرفَ الذي يتراجع، من تجميد الاستيطان، إلى المطالبة بتوقيفه، ثم الموافقة على توقيفه سنة واحدة، وأخيرا يُلمَّح إلى إيقافه مدة تسعة أشهر, دون أن يشمل القدس!

 

والسؤال: كيف نجح  نتنياهو في تحدي المطالب الأمريكية, حتى الآن, وأقلها تجميد الاستيطان في الضفة؟

 

إن هذه الحكومة تستشعر توجهات شعبها؛ إذ تشير استطلاعات الرأي إلى التفافه القوي حول هذه الحكومة اليمينية, ودعمه لمواقفها غير المتجاوبة مع المطالب الأمريكية.

ولعل هذه الحكومة لا تجهل التورط الأمريكي في قضايا أكثر أهمية لواشنطن، وأكثر استنزافا لطاقاتها، كما هو الشأن في أفغانستان، وجوارها الباكستاني، حيث الجمر تحت الرماد. وكذلك تأرجحها الواضح في العراق.

 

فضلا عما هو معروف من أغلال تقيد الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بما تلقيه جماعات الضغط واللوبيات الموالية لـ " إسرائيل" حتى بلغ الأمر بهذه الإدارة إلى حد التصريح بكونها لا تعتزم الضغط على هذه الحكومة, وأنها ليست في وارد فرض الحلول!

 

والحقيقة أن الموقف "الإسرائيلي" من الاستيطان لا يعدو كونه مؤشرا واحدا على هشاشة إيمانهم بما يسمى بالسلام؛ وأنهم لا يثقون بالعرب، ولا بالطرف الفلسطيني، فكثير من مثقفيهم, وحتى "اليساريين" يشككون بتوفر شريك السلام، كما يدللون على سطحية دعاوي السلام الفلسطينية بما يُدرَّس في المناهج الفلسطينية التي أقرتها السلطة، مثلا، ومن ذلك ما قاله الكاتب رافي يسرائيلي, الأستاذ في الجامعة العبرية: "موقف العرب السلبي من إسرائيل لم يعلق أبدا على أي جزء من المستوطنات القائمة فوق الأرض. هم ينظرون بصورة سلبية لكل الاستيطان اليهودي في أرض إسرائيل عموما هذا الاستيطان الذي نتجذر من خلاله فوق الأرض. يكفي التمعن في المناهج الدراسية التابعة للسلطة الفلسطينية "المعتدلة" حتى نرى بأن حيفا ويافا تعتبران هناك مدنا فلسطينية، بينما تقول حماس إن من الواجب مصادرة أرض فلسطين الوقفية كلها من الدولة اليهودية، وأنها لا تمتلك حق السيطرة على أي جانب من جانبي الخط الأخضر رحمة الله عليه." [المصدر: هآرتس - مقال –   6/9/2009]

 

كما تعكس المواقف "الإسرائيلية" المتعنتة صورةَ العرب الراهنين في أذهانهم؛ إذ هم كما قال الشاعر:

" لكنَّ قومي وإنْ كانوا ذوي عـددٍ

ليسوا من الشر في شيء وإنْ هانـا"

 

 فالعرب لا يهددون بأية أوراق ضغط فعلية؛ لتحقيق مطالبهم، اللهم إلا من مواقف سلبية تعتمد التوقف عن التفاوض والتطبيع، وهو توقف غير صُلْب، ويعوزه الإجماع العربي.

 

وعلى الصعيد الفلسطيني لا ضمانات باستمرار الالتزام بهذا الموقف الرافض للتفاوض حتى وقف الاستيطان، فالأمر مرهون بالموقف الأمريكي وحساباته، ولذلك لم يستبعد صائب عريقات انعقاد الاجتماع الثلاثي الذي يشمل أوباما وعباس ونتنياهو في نيويورك الأسبوع المقبل، قائلا في حديث صحفي بعد فشل مهمة المبعوث الأمريكي ميتشل "إن ذلك الاجتماع ما زال ممكنا" بالرغم من قوله في نفس الوقت " إنه لا يوجد ثمة أرضية لحل وسط بين السلطة و"إسرائيل".