
ذكرت وسائل الإعلام في أواسط شهر يوليو أن الحكومة التركية قد أصدرت قرارًا بمنع التدخين في المطاعم والمحلات العامة والأندية الليلية وغير ذلك من أماكن السياحة والترفيه واللهو في البلاد.
وقد انضمت تركيا بهذا إلى قرار سابق كانت قد أصدرته روسيا قبل ذلك التاريخ بعدة أسابيع بإلغاء لعب القمار في جميع الأراضي الروسية باستثناء أربعة أقاليم معينة هي على أي حال بعيدة عن النشاطات السياحية على وجه عام.
ويدل هذا القرار التركي الجديد الذي ينضم إلى سابقه الروسي على أن ورقة السياحة أو حجة السياحة لم تعد هي الحجة المقدسة التي كانت تثار دائمًا في وجه الإسلاميين عندما كانوا ينادون بمنع بعض مظاهر الخلاعة والتهتك والإباحية التي تجري في البلدان العربية والإسلامية تحت حجة أو مسمى السياحة ومنها لعب القمار وأيضًا الملاهي الليلية والعري على الشواطئ وغير ذلك من المظاهر التي كانت تجد عادة من يدافع عنها تحت شعار أننا لا يجب أن نجعل السياح يهربون من بلادنا إذا جردناها من وسائل لهو أو ترفيه معينة كما توصف، يحبها السياح ولا يأتون على هذه الحجة إلا لكي يمارسوها في بلداننا الإسلامية.
إن القرار التركي هذا لم يضع في اعتباره أن التدخين هو عادة منتشرة بين السياح الذين يأتون إلى تركيا ويتمتعون بالشيشة التقليدية، وهم سياح ليسوا فقط من أوروبا وإنما أيضًا من بلاد عربية كثيرة يزورون تركيا كثيرًا.
لم يتأثر صانع القرار التركي بهذه الحجة التي كانت يمكن أن ترفع في وجهه، وهي حجة السياحة التي يجب أن يباح كل شيء من أجلها، وإنما مضى إلى اتخاذ هذا القرار حفاظًا على الصحة العامة والآداب العامة، وحفاظًا على الأجيال الصاعدة من أن تظن أن التدخين الذي يمارس على نطاق واسع في تلك الأماكن العامة هو عادة محمودة أو حتى مقبولة ومندوبة لأن الجميع يمارسونها فلم يتأثر صانع القرار التركي في هذه الحالة بما يقال عن ضرورة السماح للسياح القادمين إلى البلاد بكل ما يريدون ومضى إلى إعلاء شأن مسألة الصحة العامة أو مسألة اقتلاع التقاليد الضارة، جاعلاً إياها تسبق السياحة في الاعتبار ومتجاهلاً ما يثار عادة من مسائل حول الدخل القومي وضرورة اجتذاب النقود بأي ثمن من خلال اجتذاب السياح والسماح لهم بأن يمارسوا ما يرون من عادات أو تقاليد حسب هواهم، وإلا فقدت البلاد ذلك المورد الهام من العملات الأجنبية.
إن هذا القرار، ويضاف إليه كما سبق أن قلت، القرار الروسي بمنع القمار يدل على أن حكومات في بلدان هي غير إسلامية، وتركيا على أي حال هي بحكم الدستور دولة علمانية أي أنها لا تراعي الشريعة الإسلامية في قوانينها على الأقل حسب الدستور الساري، أقول أن هذه البلاد التي لا تقيم للشريعة الإسلامية وزنًا بل تعاديها كما هي حالة روسيا أصبحت الآن تتخذ قرارات هي أشبه بالقرارات التي يجب أن تتخذ لو كانت الشريعة الإسلامية لها حسبان في عرف القائمين على الأمور.
فها هي هذه البلاد تمنع القمار وتمنع التدخين وتتوسع قبل ذلك كما حصل في روسيا في منع شبكات الدعارة التي تمارس في الأماكن السياحية، وذلك حماية للأخلاق العامة، وليست هذه البلاد هي وحدها التي اتخذت هذه القرارات، بل سمعنا عن قرارات مماثلة تتخذ في بلدان في أوروبا الشرقية مثل بولندا، وعن محاولات تجري في تايلاند للحد مما يسمى بالسياحة الجنسية في تلك البلاد.
أما في عالمنا العربي، فمازالت الأمور تسير على النهج العلماني القديم الذي تخلى عنه الآن أصحابه، وحتى في أعرق دولة علمانية في العالم الإسلامي ألا وهي تركيا.
ففي نفس اليوم الذي نشرت فيه الصحف السيارة ووسائل الإعلام خبر منع التدخين في المحلات العامة والسياحية في تركيا، كانت صحيفة مصرية خاصة تنشر مقالاً لأحد الصحفيين يندد فيه ببرنامج تليفزيوني ظهر في قناة عربية يلقي بالشكوك على بعض جوانب السياحة التي تمارس في العالم العربي ويتهمها بأنها تغرق في أمور مرذولة مثل القمار أو الدعارة وما شابه ذلك، وتخالف العادات والتقاليد الإسلامية بحجة أن كل شيء مباح للسياح وذلك لاجتذاب العملة الأجنبية التي يفترض أنها تصب في خزينة البلاد.
ثار هذا الصحفي وهاج وماج وانطلق يطالب بمنع هذا البرنامج الذي أذيع في تلك القناة العربية بل وذهب إلى منع إرسال هذه القناة تمامًا عن كل البلاد العربية وذلك لا لسبب ولا لجريمة إلا لأن هذا البرنامج طرحت فيه آراء وصفها بأنها إسلامية تشكك في الجوانب السلبية من السياحة كما تمارس في العالم الإسلامي، وتدعو إلى تقييدها أو منعها، فما كان منه إلا أن ثار هذه الثورة ورفض كل ما يقال عن أي تقييد ومنع للجوانب الضارة والسلبية في السياحة مع التأييد الكامل لكل ما يفعله السياح.
ظهر هذا المقال كما قلت في نفس اليوم الذي كانت فيه تركيا تمنع التدخين وفي نفس الفترة التي منعت فيها روسيا لعب القمار وقبله ممارسة الدعارة بشكل علني، وهكذا فإن العلمانيين في العالم العربي والذين يصرون على الدفاع عن أي ممارسات لا أخلاقية يمضون في طريقهم غير مبالين بأي تراجعات تحدث على المستوى العالمي وبالذات في مجال العودة إلى الأخلاقيات الدينية بل والإنسانية عامة ولا يزالون يصرون وتحت شعار العلمانية الممجوج على إباحة كل الممارسات المعادية للشريعة وللدين.